من خلال الملاحظات والردود التي قدمتها حركة حماس على المبادرة الأمريكية، يبدو أن الحركة تسعى إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية ومنها، وقف عمليات الاحتلال المستمرة منذ عقود ، رفع الحصار وتبادل الأسرى ، وتلك امور تاخذ جانب الحق الوطني المشروع ، وهو ما كان مفترض من وجهة نظر حركة حماس ان يتم الوصول اليها وتحقيقها لاحقا كنتيحة لما جرى يوم السابع من أكتوبر .
والان وبرغم ما تواجه خطة وقف إطلاق النار في غزة ، المدعومة من الأمم المتحدة والتي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن ، حالة من عدم اليقين على الرغم من اعتمادها من قبل مجلس الأمن الدولي . تدعو الخطة إلى وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، وتبادل الأسرى، وتدفق المساعدات الإنسانية، يتبعها مفاوضات لإنهاء "الأعمال العدائية" بشكل دائم وإعادة إعمار غزة . وبينما تدعي إدارة بايدن أن إسرائيل قد قبلت بالخطة، لم يؤكد نتنياهو ذلك بشكل واضح وصريح ، بل أعرب عن تحفظاته ، وهدد بعض اعضاء حكومته بإسقاط الحكومة إذا تم قبول الخطة دون تحقيق الاهداف التي أعلنت عنها دولة الأحتلال .
من ناحية أخرى ، فقد أبدت حركتي حماس والجهاد نيابة عن المقاومة في غزة استعدادهما للتفاوض على مبادئ القرار لكنهما تصران على ضرورة وجود وقف دائم لإطلاق النار كشرط اساسي .
لقد جاء امتناع روسيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن بشكل يمثل موقفاً دبلوماسياً معقداً ، قد يكون نابعاً من رغبتها في الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف وتجنب اتخاذ موقف قد يؤثر سلباً على هذه العلاقات . هذا الامتناع يمكن أن يُفسر
تحفظاتها على جوانب معينة من الخطة المدعومة من الولايات المتحدة. كما وقد يعكس دعم غير مباشر لموقف حماس ، مما يعزز من مرونتها في المفاوضات ويفتح المجال لمبادرات دبلوماسية جديدة قد تكون أكثر توازناً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لحماس استخدام الموقف الروسي لإبراز توازن القوى الدولية والتأكيد على وجود تحفظات دولية بشأن بعض جوانب الخطة، مما قد يدفع الأطراف الأخرى إلى تقديم تنازلات أو تعديلات في مسار المفاوضات.
الأهم برأيي هو ان حماس تحاول ان تسعى من خلال الانخراط في المفاوضات والوساطة الدولية الى تحقيق نوع من الاعتراف السياسي بشرعيتها كطرف اساس بالمعادلة الفلسطينية في ظل عدم الوصول الى تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في ماراثون جلسات المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام خاصة بلقاء موسكو ، وفي ظل أوضاع شعبنا الكارثية الناتجة عن حجم فظائع جرائم الأحتلال التي لربما لم تكن في حسابات حماس كرد فعل الأحتلال على السابع من أكتوبر ، رغم ان الأحتلال لا ينتظر مبررات في عدوانه المستمر على شعبنا منذ ٧٦ عاما . كما ويجري ذلك في ظل عدم تنفيذ قرارات المجالس المركزية السابقة لمنظمة التحرير وتحديدا ما يتعلق باعادة صياغة العلاقة مع الأحتلال على قاعدة الصراع والمواجهة اضافة الى ما تم الإتفاق عليه بلقاءات الأمناء العامين سابقا .
وهي اي حماس تعتقد ان القرار الأخير لمجلس الأمن قد حقق لها جزء من ذلك بالإشارة لها كطرف وبأن ذلك يعزز مكانتها امام الولايات المتحدة التي لربما ترى فيها طرفا اساسيا لاحقا كشريك في أدارة شوؤن قطاع غزة بعد تطويعها سياسيا ، خاصة مع ما تحاول الإدارة الامريكية الوصول له وفق خططها من محاولات فرض اشتراطات على منظمة التحرير والسلطة تحت عناوين التجديد حتى يتم التعامل معهما .
ان مسوؤلية هذا التدخل الامريكي الفظ والوقح بشان فلسطيني داخلي خالص يتحمله البعض منا الذي اعاق ويعيق عوامل التجديد الوطني التي ينادي بها شعبنا بما يتعارض مع ابسط قوانين الطبيعة ليحافظ على الجمود والسكون ويفتح بذلك الباب امام تدخلات خارجية او محاولات فرض الوصاية او القبول بضغوطات من هنا وهنالك تهدف الى تدمير الهوية الوطنية الوحدوية والقرار الوطني المستقل .
كما ان ذلك التوجه الامريكي الإسرائيلي يمكن ان يندرج في اطار مشروع دولة غزة الذي ما زال يراود التفكير الامريكي لأجهاض مشروعنا الوطني التحرري المتمثل بحق تقرير المصير وباقامة الدولة كاملة السيادة والمتواصلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل ٤ حزيران ٦٧وما له علاقة بتنفيذ كافة القرارات الأممية ذات الصلة ومنها القرار ١٩٤ ، وبما يخدم رؤية المشروع الأوسع بالشرق الاوسط الجديد لخدمة المصالح الأمريكية السياسية والأمنية والتجارية والحفاظ على تواجدها في منطقتنا لمنع توسع التمدد الصيني والروسي الى جانب محاولاتها في أوكرانيا الان ، بعد ان تلقت أمريكيا الهزائم في مواقع اخرى كانت قد تركتها وتحالفت فيها لاحقا مع خصومها مثل طالبان .
حماس ربما تعتقد من جانب اخر ان ذلك الانخراط في نقاش قرار مجلس الامن القائم على مبادرة بايدن وتبادل الردود والملاحظات عليه ، يخدم تعزيز موقفها امام المجتمع الدولي وشعبيتها امام شعبنا ، وهي بذلك لا تستفيد من تجارب سابقة بشان السياسات الأمريكية وسراب حلولها التي لا تخدم سوى مصالح العلاقات الإستراتيجية مع دولة الأحتلال ككيان وظيفي تابع ، وهي تسعى الان لمحاولات تغير شكل الحكم فيها حتى تخفض من معيقات تنفيذ مشروعها الأوسع بالمنطقة .
بالتالي فان حماس ومن خلال مشاركتها في المفاوضات حول تفاصيل مراحل المبادرة وردودها على المبادرات الدولية وتبادل الرسائل تقع في مطب اهداف متعددة تخطط لها الولايات المتحدة بواسطة الصهيوني بلينكين والتي تدفع باتجاه قبولها والتعامل معها على حساب مكانة ودور منظمة التحرير ، الدور الذي تسعى الإدارة الامريكية وبعض القوى الإقليمية الى محاولات اجهاضه وتجاهله بهدف إيقاع اكبر قدر من الضغوطات على شعبنا للقبول بالمشروع الامريكي الشامل بالمنطقة . لكن الولايات المتحدة التي تمارس سياسة الكذب والخداع كما جرى دائما والان تحديدا لخدمة القضايا الانتخابية لبايدن ومحاولات تحسين صورتها امام العالم على اثر شراكتها الواضحة مع الأحتلال ، لا ترى بالطرفين شريكا طالما لا يتوفر التوافق معهما على مشروع اختزال الحقوق السياسية التاريخية لشعبنا واستبداله بمشاريع بديلة .
هذا يتطلب الآن قطع الطريق على تلك المحاولات الامريكية خاصة بعد ما اوقعته جرائم الأحتلال من قتل وتدمير لشعبنا ومقدراته على مدار تسعة اشهر وما قبل ذلك ايضا وجعل غزة مكانا غير قابل للحياة كذلك في مخيماتنا بالضفة والقدس في اطار حرب الإبادة ضد كل شعبنا وفرض محاولات التهجير لخدمة المشروع الصهيوني التوراتي في كل فلسطين .
نحن اليوم وامام تعاظم التضامن الدولي غير المسبوق وعزلة دولة الأحتلال المتزايدة بكافة المحافل وامام أزمتها الداخلية الحزبية والمجتمعية والإقتصادية والعسكرية ايضا المختلفة على اثر التورط في رمال غزة ، بحاجة الى توافق وطني واسع تحت مظلة منظمة التحرير بعيدا عن المناكفات من هنا وهنالك التي لا تخدم المصلحة الوطنية الان خاصة امام تضحيات ودماء شعبنا النازفة . والعمل الجاد من اجل تطوير وتمكين المنظمة من الارتقاء بأدائها ومكانتها التمثيلية الوطنية والدولية من اجل حماية شعبنا بكل مكوناته بما في ذلك المقاومة من خلال تفعيل الادوات الديمقراطية وتوسيع قاعدة الحوار المسؤول والمشاركة بالقرار من الكل الوطني والمجتمعي خاصة من ڤئات الشباب القادر والمؤهل بالتعاطي مع تطورات العصر بالتواصل والإعلام والتشبيك والإدارة حتى التمكن من تنفيذ حق المواطن بالأنتخابات ، والتوافق الان وقبل ان يجري الزمن الذي لا ينتظر احدا ، على مبادرة سياسية وطنية جامعة لمواجهة مخاطر ما يجري .
ان الاعتقاد باحتكار الحقأىق والمعرفة والتمترس في زوايا منغلقة تحت تأثيرات مختلفة لاي جهة وطنية كانت دون الرغبة في سماع الملاحظات والأراء لن يخدم مسيرتنا بالتحرر الوطني على قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية الواحدة على طريق إنهاء الأحتلال اولاً ، ولا يخدم من جهة أخرى ايضا استقلالية القرار الوطني الذي يتوجب ان يرتقي بمكوناته الكفاحية والخدماتية الى مستوى حاجات كل ابناء شعبنا وتحديدا الان شعبنا المكلوم في غزة ومعذبوا الأرض في كل الوطن والشتات بعيدا عن مراكمة مصالح شخصية او فئوية ضيقة اصبح لا معنى لها اليوم لا تخدم صمود شعبنا ومقاومة الأحتلال وصولا الى تغير واقع الامور دون الاستسلام له لتحقيق الحرية والاستقلال الوطني وهزيمة حرب الإبادة وحماية شعبنا الان .