اقتصاد صدى - "قد يقود التركيز العالي للغاية على قروض العقارات التجارية المتعثرة إلى موجة أخرى من حالات فشل البنوك".. تحذير أطلقه عديد من المحللين والمختصين، من بينهم رئيس قسم العقارات العالمي في شركة بيمكو جون موراي، والذي يُلمح إلى بداية فترة كبيرة من المشاكل المالية والصعوبات الاقتصادية، وخاصة في قطاع العقارات التجارية.

منذ بدء موجة ارتفاع أسعار الفائدة قبل عامين، تم إيلاء اهتمام كبير للعقارات التجارية مع تزايد الشكوك حول قدرة أصحاب العقارات على إعادة تمويل الديون.

ارتفعت حالات التخلف عن السداد في جميع أنحاء القطاع وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض وتراجع الطلب، وخاصة بالنسبة للمباني المكتبية، التي عانت من اتجاهات العمل عن بعد بعد جائحة كورونا.

وكالة فيتش للتصنيف الائتماني كانت قد راجعت أخيراً توقعاتها لتأخر سداد المكاتب إلى 8.4 بالمئة و11 بالمئة لعامي 2024 و2025 على التوالي.

كان المقرضون الرئيسيون للقطاع من البنوك الإقليمية متوسطة الحجم، وتزايدت المخاوف من التداعيات في وول ستريت. ووفقاً لبلومبيرغ، فقد شاهد المقرضون الإقليميون الذين قفزوا إلى العقارات الأصول تنخفض إلى جزء بسيط من قيمتها القصوى.

وقال موراي: "مع نمو القروض المتعثرة بسبب آجال الاستحقاق، نتوقع أن تبدأ البنوك في بيع هذه القروض الأكثر تحدياً لتقليل تعرضها للقروض المتعثرة".

في الوقت نفسه، أوضحت دراسة أن البنوك الكبرى قد تكون أكثر عرضة للانهيار المحتمل مما يُفهم عادةً، نظرًا للإقراض غير المباشر عبر خطوط الائتمان لصناديق الاستثمار العقاري.

تتعرض هذه الصناديق أيضًا لضغوط تحت وطأة قطاع العقارات، حيث ينسحب مستثمرو صناديق الاستثمار العقاري بسرعة، بحسب تقرير لبيزنس انسايدر.

 وأضاف موراي أن صناديق الديون الأميركية غير المصرفية تشكل أيضًا مشكلة، نظرًا لأنها مسؤولة عن أكثر من 200 مليار دولار من القروض التي من المقرر أن تستحق في العام المقبل.

تأثير استمرار ارتفاع الفائدة

من جهته، أكد رئيس الأسواق العالمية في  Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات  "لسكاي نيوز"، أنه:

العام الماضي كان قد شهد تعرض بعض البنوك المحلية الأميركية لأزمة، ما دفع بنوك أخرى كبيرة إلى التدخل، وكذلك الفيدرالي الأميركي؛ بهدف حماية أموال المودعين.

السبب وراء تلك الأزمة كان يرتبط بإجراءات محاربة التضخم عبر رفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي.

والآن من غير المستبعد تكرار أزمة البنوك التي حدثت العام الماضي خلال الفترة المقبلة.

وأبرَزَ في السياق المشكلات التي واجهتها البنوك المحلية – لا سيما الصغيرة- جراء ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي ارتفاع عوائد السندات (..) مشدداً على أن ما حدث مع بنوك محلية في العام الماضي قد يتكرر؛ خاصة في ظل استمرار الفائدة المرتفعة، وبعد تراجع الفيدرالي الأميركي عن خفضها بالوتيرة التي كان قد أعلن سابقاً عنها.

ضغوط إضافية

وذكر رئيس الأسواق العالمية في  Cedra Markets، في معرض حديثه مع "سكاي نيوز" أن عوائد السندات الأميركية لأجل عشر سنوات وصلت إلى 5 بالمئة، وهو ما يمثل ضغوطاً إضافية على البنوك، موضحاً أن:

الفوائد المرتفعة تعني ارتفاع معدلات الرهن العقاري.. وبإعادة جدولة الديون للدائنين ستكون عند مستويات 7 بالمئة، بعد أن كان يتم سداد فوائد قيمتها 1.5 بالمئة في وقت سابق.

الفائدة المرتفعة بمثابة عدو للاقتصاد، وتسبب تعثرات إضافية بالرهن العقاري وهو ما يؤدي لأزمات اقتصادية تبدأ من القطاع المصرفي وتنتقل لكل الاقتصاد (لا سيما مع زيادة تعرض عديد من البنوك للقطاع العقاري).

مع بيئة اقتصادية ذات فوائد مرتفعة وضغوطات واسعة، من المتوقع أن تحدث أزمة عقارية وأزمات بنكية بالتبعية.

وأكد أن منع التعثر لا يكون إلا من خلال خفض الفائدة، لكن في الوقت الحالي الفيدرالي الأميركي يؤخر الخفض نظرا لاستمرار التضخم بالارتفاع، لذا من المتوقع أن تظل الفائدة مرتفعة إلى أن يحقق المركزي مستهدفاته، مشيراً إلى أن المركزي الأميركي يواجه معضلة وهي أن تخفيض الفائدة قد يقابله ارتفاعا بالتضخم.

البنوك تعلمت الدرس!

من جانبها، استبعدت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات "سكاي نيوز"، حدوث أزمة مالية جديدة في القطاع المصرفي بالولايات المتحدة الأميركية، معللة ذلك بأن الإدارة الأميركية تعلمت درساً خلال الأزمة السابقة.

وأضافت: من المستبعد حدوث الأزمة مرة أخرى سواء في البنوك الصغيرة أو الكبيرة، خاصة وأن المسؤولين بأميركا يحاولون توفير النقد بقدر الإمكان عن طريق اجتذاب رؤوس أموال جديدة.

وذكرت أن هناك حالة واحدة يمكن بسببها أن تحدث أزمة مالية بالقطاع المصرفي، وهي حدوث تطورات جديدة بعدد من القضايا، على رأسها الحرب في غزة، حيث تقوم أميركا بتمويل إسرائيل، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا، وهو ما قد يؤثر على الاقتصاد الأميركي، خاصة وأن معدلات الدين الأميركي ارتفعت أخيراً بشكل لافت، حتى أن الكونغرس اعترض على ارتفاع هذا المعدل، وكان لديه اتجاه نحو وقف عديد من الأنشطة الاقتصادية داخل الولايات المتحدة الأميركية.

وأشارت إلى أن الفيدرالي الأميركي تحدث عن خفض أسعار الفائدة لمرة واحدة فقط خلال هذا العام، ولديه عديد من المحددات التي تشجعه على تثبيت سعرها خاصة وأن هناك إشكاليات تتعلق بسياسة التيسير النقدي والاستثماري.

وأكدت رمسيس أن الفيدرالي لا يستطيع الإقدام على قرار خفض أسعار الفائدة في الفترة الحالية؛ فهناك عديد من الإجراءات التي من شأنها أن تؤثر على الدولار الأميركي بالسلب مع ارتفاع سعر الذهب، وهو ما يدفع الفيدرالي في الوقت الحالي أن لا يفكر في خفض سعر الفائدة.

التخطيط المسبق

وذكر تحليل لوكالة "رويترز"، أنه بعد أزمة البنوك الإقليمية في العام 2023 في الولايات المتحدة الأميركية، من الواضح أنه يتعين القيام بشيء ما؛ لمنع الضرر الذي تسببه هذه الإخفاقات، مبرزاً أهمية عمليات "التخطيط من أجل التعافي بالنسبة للبنوك".

وقالت هيئة تنظيمية مصرفية كبيرة في الولايات المتحدة إن "وجود عملية تخطيط فعالة للتعافي سيكون مفيداً للبنوك التي تواجه مشاكل مالية".

وفي حديثه في مؤتمر مصرفي سويسري ، قال القائم بأعمال مراقب العملة الأميركي، مايكل هسو، إن:

الأزمة المصرفية الإقليمية في العام الماضي، والتي تميزت بانهيار بنك سيليكون فالي، أظهرت أن المؤسسات المالية بحاجة إلى التخطيط لحالات الطوارئ وأن تكون لديها مجموعة من الاستجابات السياسية متاحة.

"كما أظهر العام الماضي أنه قد يفقد المودعون والمستثمرون الثقة في بنك كبير.. عندما يحدث ذلك، يزداد خطر الفشل غير المنضبط.

توفر خطة التعافي القوية للبنك والجهات التنظيمية التابعة له خيارات لتحقيق استقرار المؤسسة ودعم الثقة عندما تتعرض للضغوط.

قد تشمل الإجراءات الحد من النمو أو تقليل الأصول المحفوفة بالمخاطر، أو بيع محافظ أو أعمال معينة، أو زيادة السيولة.

منذ الاضطرابات المصرفية في العام 2023، عمل المنظمون المصرفيون في الولايات المتحدة على تعزيز الإشراف وتصعيد أوجه القصور بسرعة أكبر إلى الإدارة العليا للشركات عند ظهور المشاكل.

ووصف نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف، مايكل بار، كيف أصبحت العملية الإشرافية للبنك المركزي أكثر استباقية، وهو أحد الدروس المستفادة من مراجعة انهيار بنك وادي السيليكون.

الأزمات الماضية بمثابة دليل

أشار هسو إلى الأزمة المالية 2008-2009، ملاحظًا أن بعض البنوك كانت قادرة على تحمل الاضطرابات من خلال اتخاذ خطوات فعالة لتخفيف الضغوط المالية. وأوضح: "على سبيل المثال، في ربيع عام 2009، في ذروة الأزمة المالية، باع باركليز أعمال إدارة الأصول الخاصة به - باركليز جلوبال انفستمنت - إلى بلاك روك مقابل 13.5 مليار دولار".

"وفرت عملية البيع لبنك باركليز رأس المال الذي كان في أمس الحاجة إليه، مما ساعد على استقراره واستعادة الثقة خلال فترة محفوفة بالمخاطر بشكل خاص في السوق.

ومن ثم، فإن وجود خيارات استرداد قابلة للتنفيذ يخلق بشكل فعال مسارات جديدة يمكن للبنك التحول إليها عندما يكون في حالة ضغوط، مما يمكنه من تجنب الفشل غير المنظم.

ومن أجل الاستعداد بشكل أفضل لمثل هذه الأحداث، نصح هسو قادة البنوك بالنظر في المحفزات والخيارات وتقييمات التأثير المستقبلية. وقال: "يمكن أن تكون المحفزات كمية أو نوعية.. قد تكون المحفزات الكمية مرتبطة بسيولة البنك ومستويات رأس ماله أو بسعر أسهمه.. وقد تشمل المحفزات النوعية تخفيض الائتمان، أو الضغوط المالية الشديدة لدى الأطراف المقابلة الرئيسية".

المصدر: سكاي نيوز