في وقت تشتد فيه حرب الأبادة الأسرائيلية ضد قطاع غزة،وتتعرض الضفة الغربية لحرب من نوع اخر،سواء اكانت عبر الاقتحامات والأغتيالات وهجمات المستوطنين المتطرفين ضد المدن والقرى والتجمعات الفلسطينية، وتشهد الحدود بين دولة الاحتلال ولبنان احتدادا عميقا في التوترات،أعقبت تهديدات متبادلة بين حزب الله وجيش الأحتلال الأسرائيلي،بعد نشر حزب الله فيديو قصيرا تم تصويره عبر طائرة مسيرة بعنوان(هذا ما رجع به الهدهد) تضمن تصوير مواقع حساسة في دولة الاحتلال،اعتبرت حكما ضمن بنك أهداف حزب الله في حال تدحرجت الامور نحو المواجهة الشاملة،أطل علينا بالأمس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله،بشخصية ثابتة ومتزنة ومستقرة بوعي وضمائر وقلوب الجماهير العربية التي انتظرت هذا الخطاب،عله يدعم ويعزز غزة في محنتها وفلسطين في مصيبتها التي زادت على 75 عاما،ووسط حالة انتظار وترقب من كبار رجال السياسة والمخابرات والباحثين الأستراتيجين والأخصائيين النفسيين والدبلوماسيين وكبار الأعلاميين والصحفيين،الذين يتلقون كلماته بنهم شديد ويشبعونها درسا وتمحيصا وتحليلا،علهم يجدون ضالتهم ما بين حروف كلماته التي يتنقيها بحرص وعناية فائقة،سيما وأنه خطيب مفوه بامتياز،ويعرف جوامع الكلم،ويتمتع بقدرة كبيرة في التأثير على الجماهير،لا خائفا ولا وجل،وظهر عبر الشاشة واثقا ومبتسما،وتشع من عينيه معاني الكبرياء،ملهبا مشاعر الجماهير العربية المتعطشة للنصر بعد مرور وقت طويل من الهزيمة والخذلان.                                                                                                                                  

وأستهل السيد حسن نصر الله خطابه في الحفل التأبيني بالحديث عن القائد الميداني في حزب الله،الشهيد طالب عبد الله "ابو طالب"، وان المعركة في الجبهة اللبنانية قامت بدور كبير في أطار المواجهة الكبرى وتواصل ألحاق الخسائر المادية والمعنوية بالعدو،وأن هناك ماكينة أعلامية وظيفتها التبخيس بجبهات الأسناد،وأن خيار دخول الجليل ما زال مطروحا في حال تطور المواجهة،مشيرا الى انه من اهم الأنجازات تهجير المستوطنين وتعطيل الصناعة والزراعة والسياحة،مؤكدا بانه لو مرة منذ العام 1948 يتشكل حزام أمني داخل حدود دولة الاحتلال،ولكن اهم ما قاله نصر الله،أن ما تم نشره من فيديو الهدهد هو مقتطفات قصيرة ومنتخبة لساعات طويلة من التصوير فوق حيفا،وما قبل حيفا وما بعد بعد حيفا،مؤكدا بأن لدى حزب الله بنك أهداف حقيقي،وأنه اذا فرضت الحرب فأن المقاومة ستقاتل بلا قواعد او ضوابط او حدود او سقوف، وان على العدو ان ينتظر المقاومة برا وبحرا وجوا، ولسان حاله يقول مقتبسا من القرأن ورافضا هدية المبعوث الامريكي هوكشتاين بالتهدئة(ارجع اليهم فلنأتيهنم بجنود لا قبل لهم بها)،مهددا في الوقت عينه قبرص في حالة ما اذا فتحت مطاراتها لاستخدامات جيش الاحتلال،وانه سيتم التعامل معها كأنها جزء من الحرب،بالأضافة الى الكثير مما جاء في خطابه الذي يعتبر خطابا ردعيا وتصعيديا بامتياز.               

  وبأستعراض سريع لمجريات المعركة في الميدان،لا بد من القول بأن لدى حزب الله أسلحة جديدة وقدرات أستخبارية وتكنولوجية متطورة جدا،تساعده في أستهداف مواقع ذات اهمية بالغة في عمق دولة الأحتلال الأسرائيلي،وليس أدل من ذلك في شيء غير ما جاء في فيديوا الهدهد،والذي يعتبرا اختراقا كبيرا وغير مسبوق لكل اجهزة الحماية والمراقبة التكنولوجية لدولة الاحتلال،وهو ما دفع جيش الأحتلال لوضع خطة عملياتية لشن حرب ضد لبنان،ويبدو ان دائرة الصراع عبر الحدود أخذة في الأتساع ووصلت لدرجة الغليان،في وقت تسعى فيه امريكا لنزع فتيل حرب لا ترغب واشنطن في اندلاعها حاليا حماية لدولة الاحتلال،وسعيا لتفادي صراع أقليمي على نطاق أوسع لاعتبارات تتعلق بأعادة انتخاب بايدن رئيسا في وقت لاحق من هذا العام،ومن المرجح بأن حزب الله يمتلك امكانيات عسكرية هائلة تمكنه من الدخول في مواجهة عسكرية شاملة،فلديه ترسانة متنوعة من الصواريخ بمديات متعددة ومتنوعة، ومسيرات بأنواع مختلفة،وأن هناك أسلحة جديدة وصلت لحزب الله، ولم تدخل الخدمة حتى الأن لعدم الحاجة اليها،هذا بالأضافة الى اسلحة تم تطويرها عبر قاعدة تصنيعية ليست وليدة الساعة،وستكون جميع الأراضي المحتلة تحت نيران حزب الله،وأن القوة القتالية البشرية التي يمتلكها الحزب اكبر بكثير مما تحتاجه اى حرب شاملة،والتي ستكون برا وبحرا وجوا.  

يبدو أن قواعد اللعبة والميدان اخذة في الأتساع،وترتفع وتيرة التصعيد،فالخطاب جاء بنبرة عالية سببها استشعار حزب الله جدية التهديدات الأسرائيلية،فقد هددت اسرائيل منذ 8 أشهر باجتياح لبنان واعادة البلاد الى العصر الحجري،واخرها ما حمله الوسيط الامريكي من تهديدات الى لبنان اذا لم ينسحب حزب الله من شمال نهر الليطاني،لذلك كان حسن نصر الله حاسما في خطابه عندما قال اذا فرضت علينا الحرب سنخوضها بدون ضوابط او قواعد،وكان الشريط المصور الذي نشره حزب الله عبارة عن رسالة من حزب الله مفادها بأنه قادر على استهداف مواقع حساسة اذا ما شنت الحرب عليه،والتلويح باقتحام مقاتلي حزب الله للجليل تأتي في سياق رسائل الرعب ،ولكن المثير في خطابه قوله انه اذا اندلعت الحرب فيتم مهاجمة اسرائيل برا وبحرا وجوا، فدولة الاحتلال تنظر الى المواجهة مع حزب الله باعتبارها حتمية،واسرائيل قد تكون غير جاهزة لهذه المواجهة الشاملة،ولكن بسبب ضغط قوى اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال ومحاولة نتنياهو الهروب الى الأمام عب أطالة أمد الحرب،قد تكون اصبحت بالنسبه اليهم استحقاقا لا بد من خوضه.                                                                                    

وما بين يدي سيناريو الحرب بلا ضوابط او قواعد ،يمكن القول بأنه  يفهم صراحة مما ورد في متن خطاب الامين العام لحزب الله،بأن الحرب اذا فرضت فأنها ستكون ساحقة وماحقة ،وانها ستكون مواجهة شاملة في البحر والبر والجو،ومن المحتمل اجيتاح الجليل،وان لدى المقاومة أسلحة جديدة لم تكشف عنها بل سيفصح عنها ميدان المعركة،فمن الجلي بأن الأمور اصبحت تاخذ منحى خطيرا وقد تنزلق في اي وقت للحرب الشاملة،فدولة الاحتلال تملك قدرة تدميرية هائلة وعلى اكثر من جبهة قتالية،وتتميز بالتفوق العددي والنوعي،خاصة فيما يتعلق بسلاح الجو،وفي حالة نشوب الحرب الشاملة فأنها ستدمر لبنان،ولكن حزب الله ايضا سيدمر دولة الاحتلال،فالمعادلة الراهنة التدمير يقابله تدمير،خاصة بعد الكشف عن ما رجع به الهدهد،والاماكن الحساسة الذي قام بتصويرها كاهداف للحرب،فمن المحتمل اذا ما عمدت دولة الاحتلال الى الذهاب نحو خيار الحرب،فان حزب الله سيعيدها الى العصر الحجري، اذا ما استهدف مصادر الطاقة بأعداد كبيرة من الصواريخ في وقت واحد،وضرب المواقع التي تمثل عصب دولة الاحتلال، كمصانع البتروكيماويات ومستودعات النفط والاهداف العسكرية،وادار معركة كبيرة في البحر المتوسط،ويفهم من الخطاب أربعة سيناريوهات لهذه الحرب : الاول، يتعلق بالبحر المتوسط،حيث ستدور هناك معركة طاحنة وصعبة عبر استهداف حزب الله  منصات النفط والغازن والتصدي للبحرية وزوارق وطائرات مسيرة لدولة الاحتلال،والثاني:القدرة على القيام بهجوم واسع خلال أقل من ساعة عبر ضرب بنك الأهداف بأعداد هائلة من الضواريخ ومن خلال المسيرات،والثالث، انه اذا ما تجرأت قبرص وشاركت في العدوان،عبر انطلاق الصواريخ منها،ستصبح جزءا من الحرب،وان صواريخ وطائرات حزب الله ستنال منها لأنها ببساطة ليست أبعد من ايلات عن لبنان،والرابع،اقتحام قوات النخبة في وحدة الرضوان  منطقة الجليل.                           
 
وفي الختام نخلص إلى القول بأن مجريات المعركة في الميدان التي ستدفع نحو تحقق أي من السيناريوهات الأربعة كلها أو بعضها حسب المتغيرات العسكرية المتصاعدة،وأن المعطيات الميدانية توحي بتبدل قواعد الاشتباك،الأمر الذي سيدفع لتوسيع رقعة المواجهة،خصوصا بعد ان وسع جيش الاحتلال الإسرائيلي دائرة المناطق اللبنانية المستهدفة بالقصف،وأن إطلالة السيد نصر الله ستكون من العوامل الفارقة في مسار الحرب،وان توقيت الإطلالة تم اختياره بعناية فائقة،بعد إن ظهرت العديد من المعطيات المرتبطة بالمواجهة الشاملة،مما استدعى إرسال رسالة واضحة من يهمه الأمر،وسيكون لخطاب نصر الله تأثيرا رادعا بعد مسيرة الهدهد التي تركت ندوبا كبيرة في منظومة الردع الإسرائيلية لم يرجى التئامها،وأن تهديد نصر الله للحكومة القبرصية جعلت الرئيس القبرصي ترتعد فرائصه لأنها أصبحت ضمن دائرة نار حزب الله إذا ما شاركت الحرب،معلنا أن جمهورية قبرص ليست متورطة بأي شكل من الأشكال في الأعمال العدائية،وأن ما قبل الخطاب لن يكون كما بعده،وان قواعد الأشتباك التي كان معمولا بها قبل 7 اوكتوبر سقطت،ويحاول الاحتلال تكريس قواعد اشتباك جديدة تقوم على فكرة ان المقاومة في لبنان أصبحت مردوعة، وإلا لكانت دخلت الحرب من الباب الواسع.