في خضمّ التطورات التكنولوجية المتسارعة، يبرز الذكاء الاصطناعي (AI) كأحد أهمّ الإنجازات التي أثارت جدلاً واسعًا على مختلف الصعد، بما في ذلك الجانب الديني. فما بين مؤيّدٍ يرى فيه أداةً لتعزيز القيم الإيمانية، ومعارضٍ يعتبره تهديدًا للمعتقدات الدينية، ينقسم الرأي حول موقف الدين من هذه التكنولوجيا الحديثة.
مخاوف من "كفر" الذكاء الاصطناعي:
يُحذّر بعضُ المُتخوّفين من أنّ الذكاء الاصطناعي قد يُشكّل تحدّيًا لفكرة الخلق الإلهي، خاصّةً مع إمكانية تطوير آلات ذكية تُضاهي الذكاء البشري. فإذا كانت الآلة قادرة على التفكير والتصرف بذكاء، فما الذي يُميّزها عن الإنسان؟ هل هي أيضًا مخلوق إلهي؟
يُضاف إلى ذلك أنّ الذكاء الاصطناعي قد يُنكر وجود الروح، جوهر الإنسان وعنصر تميزه عن بقية الكائنات. فالإنسان، بحسب هذه الرؤية، يُفكر ويُبدع ويُشعر بفضل وجود الروح التي نفخها الله فيه. بينما لا تمتلك الآلة روحًا، وبالتالي لا يمكنها أن تُفكر أو تُبدع أو تشعر بنفس الطريقة التي يُفكر بها الإنسان.
كما يُثير البعض مخاوف من تحكّم الذكاء الاصطناعي في مستقبل الإنسان، حيث قد يُصبح ذكيًا لدرجة تفوق ذكاء الإنسان، ممّا قد يُؤدي إلى سيطرته على العالم وتحديد مصير البشرية.
نظرة إيمانية مُتّقدة:
في المقابل، يرى أصحاب النظرة الإيمانية المُتّقدة أنّ الذكاء الاصطناعي لا يُهدد الدين بل يُعزّزه، مستندين إلى حججٍ قوية:
دليل على عظمة الله: يُعدّ الذكاء الاصطناعي دليلًا على قدرة الله وعظمته، حيث أنّ الإنسان تمكّن من ابتكار آلات ذكية تُحاكي بعض قدراته العقلية. فإذا كان الإنسان قادرًا على خلق مثل هذه الآلات، فما الذي يُمكنه أن يفعله الله، خالق الإنسان والكون؟
خدمة الدين: يُؤمن البعض الآخر أنّ الذكاء الاصطناعي يمكن توظيفه لخدمة الدين وتعزيز القيم الإيمانية. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المعرفة الدينية وتفسير النصوص الدينية وتقديم الإرشاد الديني للمحتاجين.
إمكانيات هائلة: يُؤمن بعض الناس بأنّ الذكاء الاصطناعي يمتلك إمكانيات هائلة لخدمة البشرية، بما في ذلك حلّ مشاكل الفقر والجوع والمرض وتحسين نوعية الحياة. وبالتالي، يُمكن ربط هذه الإنجازات بفضل الله وعظمته.
وعليه لا شكّ أنّ الذكاء الاصطناعي يُثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الإنسان والكون والعلاقة بين الدين والعلم. ويبقى الجدل حول إيمان أو كفر الذكاء الاصطناعي مفتوحًا، مع تطور هذه التكنولوجيا وتأثيراتها على حياة الإنسان.