تعود الفكرة الأساسية وراء مقولة ان التاريخ يعيد نفسه مرة على شكل مهزلة ومرة على شكل مأساة ، للفيلسوف كارل ماركس والتي تتلخص في أن الأحداث التاريخية قد تتكرر ، ولكن في كل مرة يحدث ذلك ، فإن الظروف والسياقات تكون مختلفة، مما يؤدي إلى اختلاف في طبيعة النتائج والعواقب.
ولمحاولة تفسير المقولة هذه في سياق الأوضاع الجارية في فلسطين ، يمكننا النظر إلى مراحل مختلفة من كفاحنا الفلسطيني ضد الأحتلال وما رافقه على مدى العقود الماضية.
حيث ان بعض الصفقات والاتفاقيات التي عقدت دون تحقيق تقدم حقيقي في حل القضية الفلسطينية ووصول شعبنا الى حقوقه التاريخية السياسية ، عكس نوعا من التكرار بطريقة أقل جدية أو بأهداف أقل قيمة من حجم التضحيات على اثر الاحداث المأساوية التي حلت وما زالت تحل بنا منذ مأساة جريمة النكبة الأولى وما تبعها حتى اليوم . فالتاريخ يعيد نفسه في سياق هذا الصراع الذي يشكل جوهره ومضمونه المفترض الرؤية الوطنية التحررية في مواجهة مشروع أستيطاني غير أخلاقي مبني على الأساطير ومصالح الإستعمار بالمنطقة على حساب وجود شعب هو صاحب الارض ، ولكن بأشكال مختلفة تتراوح بين المأساة والمهزلة وفق الظروف والمؤثرات والمعطيات السياسية والاجتماعية التي تحيط بكل مرحلة ، ومن ضمنها الاوضاع الداخلية الفلسطينية بما في ذلك جوهر ومكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية وطبيعة نظامنا السياسي والعلاقات بين مكونات شعبنا .
لقد اثار اهتمامي مقال للصديق د. اياد البرغوثي والذي أتفق مع جوهره وبما اتسم به من الوضوح والجديد والجرأة في تناول جدلية العلاقة بين نظامنا السياسي ومسار الاحداث السياسية منذ نشأة منظمة التحرير وما رافق ذلك من علاقة بين الشكل والمضمون . هذا الى جانب امكان اعتباره محاولة في إثارة نقاش موضوعي علمي حول ما وصلنا له من أوضاع امام سيناريوهات تتعلق بما يسمى باليوم التالي لحرب الإبادة والتهجير الجارية ضد شعبنا ، لذا فقد حاولت في مقالي هذا ان أساهم بهذا النقاش وربما من زوايا قد اثارها او مختلفة .
باعتقادي فان مفهوم اليوم التالي يجب ان يتلخص بالنسبة لنا بإعادة ترتيب الديناميات السياسية الفلسطينية الداخلية، وخلق تحديات وفرص جديدة على حد سواء لاستكمال مرحلة التحرر الوطني . فهذا الإطار والمفهوم من الشكل والجوهر هو ما سيشكل قاعدة الوحدة الوطنية لكافة ابناء شعبنا ، فالوحدة تتمثل بالرؤية والبرنامج وأدوات العمل في منظمة التحرير وليس بالاضافات الكمية لفصائل ، رغم اهمية مشاركة كافة مكونات شعبنا فيها من قوى ومستقلين ومؤسسات مجتمعية أهلية منتخبة بما في ذلك اهمية وجود قطاع الشباب والمرأة . وحتى ينطبق مفهوم الاستنهاض والتطوير والتفعيل بدورها يجب ان تتخلص اليوم وقبل الغد من التناقض او ازدواجية الأدوار بين الوطني التحرري والدور السياسي البراغماتي الذي يفهمه البعض بانه فن الممكن في اطار التعاطي والقبول بالواقع القائم ، فيصبح من وجهة نظرهم القائم هو الممكن ويصبح الممكن هو الحق .
النجاح في تحقيق الوحدة والتوافق بين الكل الفلسطيني وبناء الإستراتيجية الواضحة دون تفسيرات متعددة لها ، سيكون حاسما في تحديد كيفية تأثير هذه المتغييرات والسيناريوهات المحتملة على مستقبل قضيتنا الوطنية بشكل عام ، وبهدف عدم تكرار التاريخ لنفسه مرة جديدة بما لا يرتقي الى مستوى التضحيات والمواجهة وحجم التضامن الشعبي الدولي والمكاسب المختلفة التي تحققت على المستوى العالمي لجهة عدالة قضيتنا واتتضاح وافتتضاح جوهر الفكر الصهيوني ووقوف دولة الأحتلال امام القضاء الدولي وازدياد اشكال مقاطعتها وعزلتها امام العالم ، بعد ان تحطمت العديد من المسلمات والادعاءات لديها خلال التسعة شعور الماضية عسكريا وامنيا واخلاقيا ، خاصة بسقوط ادعائهم امام العالم بأنهم ضحية التاريخ الوحيدة من الوحش النازي ، الذي يقوم اليوم نتنياهو باستقبال ورثتهم من اليمين الأوروبي المتطرف .
وحيث ان فكرة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة تتصدر تلك السيناريوهات القادمة المحتملة من وجهة نظري ، بحيث تصبح كل منطقة تحت إدارة مختلفة ، هي مسألة تم طرحها ومناقشتها كثيرا في الأوساط السياسية وبمقترحات سابقة على مر العقود الماضية ، هدفت رغم فشلها الى محاولات تقويض المشروع الوطني التحرري الفلسطيني . ان النظر إلى محاولات تنفيذ هذا السيناريو اليوم من جديد يتطلب النظر الى عدة جوانب معقدة ومنها ، إن الولايات المتحدة وإسرائيل قد يروا في القفز عن الحل السياسي الذي يجب ان يضمن حق تقرير المصير ووحدة الارض والشعب والقضية ، الى تقسيم الإدارات الفلسطينية وسيلة لتحقيق منع ذلك وتقويض اقامة الدولة ذات السيادة وتنفيذ مصالح استراتيجية لهم بالمنطقة بحكم إصرار الولايات المتحدة على تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد بكل مكوناته الجيوسياسية والإقتصادية .
فمن خلال دعم نظام حكم مستقل في غزة تحت سيطرة حماس التي يبدو الان عليها ملامح تغير في استراتيجياتها نحو "حماس جديدة براغماتية ". فبهذا السيناريو الافتراضي يمكن تقليل حجم الضغوط الأمنية وعبئ المفاوضات المعقدة على دولة الأحتلال مع الأسرة الدولية ومنظمة التحرير الفلسطينية حول إنهاء الأحتلال واقامة الدولة وفق المبداء الأممي .
حيث تسعى اسرائيل من خلال هذا السيناريو الى ترسيخ الانقسام الداخلي واضعاف منظمة التحرير وتقويض دور السلطة الوطنية والموقف الفلسطيني الموحد في المفاوضات الدولية المفترضة ، رغم استبعاد احياؤها الآن في ظل الظروف القائمة المحلية والإقليمية والدولية في ظل النظام العالمي القائم حتى اللحظة بما يتضمنه من محاولات استمرار الهيمنة الأمريكية واثارة الحروب بالوكالة وتصعيد النزاع مع الصين وروسيا ، في وقت يتردد فيه بعض العرب من حسم مواقفهم تجاه القضايا المثارة .
بهذا السيناريو فان الضفة الغربية تُجزأ إلى كانتونات أو مناطق ذات حكم ذاتي موسع وفق رؤيتهم الجارية الأن ، لكنها ستظل تحت تأثير وسلطات الاحتلال الإسرائيلي المباشر أو غير المباشر ، مما يجعل تحقيق حكم ذاتي كامل أمراً معقداً بالفترة المنظورة القادمة بما له علاقة باتفاق أوسلو والذي منذ توقيعه حتى اليوم تضاعف عدد المستوطنين من ١٠ الآف الى ٨٠٠ ألف حتى اليوم والارقام في تزايد مضطرد في محاولات لتغيير الواقع الديموغرافي .
اما قطاع غزة ، وفي حال تنفيذ رؤيتهم لليوم التالي وبعد اقرارهم بان حركة حماس هي فكرة لا يمكن اقتلاعها وبعد تبيان حقيقة تطور مواقفها الاخيرة من مبادرة بايدن وتراجعها عن بعض المطالب كما أعلن عن ذلك . فقد يصبح من الممكن برأيي بعد اتمام الصفقة ان يُناط بها دورا كحركة حماس "الجديدة" في أدارة القطاع الذي جعله الأحتلال مكانا غير قابل للحياة ، خاصة وانها لم تعلن عن عدم قبولها تولي إدارته . هذا الواقع وفق السيناريو المفترض سيواجه تحديات اقتصادية وإنسانية كبيرة تحتاج إلى دعم دولي مستمر بداية بهدف اعادة الإعمار لما دمره الأحتلال ولما بعد ذلك . فالادارة بالقطاع وبغض النظر عن ممن تتكون لاحقا بحاجة الى دعم دولي ضخم خاصة إذا تم فرض قيود أو حصار على قطاع غزة من جديد من قبل إسرائيل وآخرين او اذا أعاد الأحتلال العدوان المجرم ، حيث المبادرة لم تنص على منعه او لمكان استمراره بعد مراحل حددتها نصوص المبادرة التي تحولت الى قرار في مجلس الأمن الدولي .
وبالتالي فان حماس الجديدة بحاجة الى التوافق مع متطلبات الشرعية لها اذ تم توليتها ادارة القطاع وإلى متطلبات اخرى هي أدرى بها .
وإذا لم تُحَل القضايا الأساسية بكل الوطن والمتعلقة اولاً واخيرا باستمرار الأحتلال هنا وهنالك وبعدم وقف النار بشكل نهائي ، فان الوضع في الضفة الغربية ، سيُبقي على استمرار السيطرة الإسرائيلية الأمنية على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية مما قد يؤدي إلى استمرار اشكال من المقاومة المشروعة ضد الاحتلال وتصاعد جرائم المستوطنين والاحتلال، خاصة بعد مقترحات سموتريتش حول المناطق ب وقرارات توسيع الاستيطان وحجم مصادرة الأراضي الأوسع منذ ٣٠ عاما ، وتنفيذ سياسات الضم بالأمر الواقع .
في حال نجاح الولايات المتحدة وإسرائيل في دفع حماس الى شكلها الجديد نحو هذا التغيير وتنفيذ الاحتمال الافتراضي المذكور ، فان غزة قد تصبح كيانا شبه مستقل ، وهذا ما يحقق لدولة الاحتلال الهروب الى الامام من كافة الاستحقاقات الدولية ، كما وان ذلك ربما يتفق مع رؤية ورغبة حركة الأخوان المسلمين العالمية التي سعت لذلك منذ بدايات اقامة السلطة الوطنية وانسحاب الأحتلال من غزة وبتنفيذ الانقلاب لاحقا وساهمت في تنفيذ الخريف العربي بتوافق مع الأمريكان . لكن تنفيذ ذلك السيناريو يتطلب ترتيبات اقتصادية وأمنية وسياسية معقدة، بما في ذلك المعابر، الموارد، والعلاقات الدولية بما يتطلب تنسيق مستمر مع دولة الأحتلال كما هو حاصل بالجزء الشمالي من الوطن .
ان هذا السيناريو الخطر في حال تنفيذه قد يؤدي إلى تعزيز الفصل بين الضفة الغربية وغزة ، مما يعقد أي جهود مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافيا وخالية من الاستيطان وديمقراطية ، خاصة في غياب آليات دولية لتنفيذ ذلك رغم الحديث اللفظي عن حل الدولتين الذي يتم دون الاعتماد على خرائط رسمية دولية ، فالخريطة الدولية الوحيدة لحل الدولتين تقوم على اساس قرار التقسيم رقم ١٨١ لسنة ١٩٤٧ ، اضافة الى معيقات فرضتها تغير الوقائع على الارض من خلال تسارع الاستيطان غير المسبوق والضم .
وما لم تتغير الحالة الإقليمية والدولية الراهنة وفي المجتمعات اليهودية بإسرائيل التي تعيش ازماتها من جهة اخرى والتي لم تصل بعد الى القناعة بان ازماتها لن تُحل دون زوال الأحتلال فان الامر سيبقى كما هو لفترة قادمة طالما يتنامى فيها التطرف الديني والصهيوني وفق ما تسير له الاستطلاعات في وقت تغيب فيه اي معارضة جادة ليبرالية لاستمرار الأحتلال واضطهاد شعب اخر ، مع إبقاء الاحتمالات الاخرى قائمة في حال فشل تنفيذ السيناريو السابق ، وذلك اما بتصعيد سياساتهم بالضفة الغربية بعد ما اتموا اشكال مختلفة من تهويد القدس على مرأى من العالم ، او توسيع حربهم باتجاه لبنان مرة اخرى او كليهما اذا ساد الجنون والتطرف الايدولوحي لديهم ولم تتخذ الإدارة الامريكية المنشغلة بانجاح العجوز بايدن أية اجراءات جادة امام ذلك .
لذلك ، وبالرغم من أن تحقيق هذا السيناريو يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على إدارة التوازنات السياسية الداخلية والخارجية، وردود فعل ابناء شعبنا والفصائل الفلسطينية، والوضع الدولي . بينما قد يبدو الفصل حلا عمليا مصلحيا لبعض الأطراف التي لم تعمل على إنهاء الانقسام بفعل تداعيات الانقلاب وغياب الانتخابات وعوامل اخرى ، فإنه قد يؤدي إلى تعميق الانقسام الفلسطيني وتفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتدمير المشروع الوطني التحرري ، مما يجعل تحقيق الحرية والاستقرار أكثر تعقيدا.
هذا السيناريو الافتراضي سيُدخل حماس الجديدة في لعبة المسار السياسي والمفاوضات وقد فُرضت اشتراطات عليها ومتطلبات منها.
بالوقت الذي سيستمر الأحتلال في سيطرته الأمنية المطلقة هنالك واستمراره بالحاق أضرار أوسع بشعبنا كافة ومحاولات تنفيذ الهجرة الطوعية قسرا بشكل اكبر وتنفيذ ضم الضفة الغربية واقعيا استمرارا لرؤيتهم المستندة للمشروع الصهيوني والتوراتي .
*التاريخ قد يعيد نفسه ،
قد يكون هذا شكلا من اعادة التاريخ لنفسه إلى حد ما بعد جوهر وشكل مأساة النكبة الاولى وما يمكن اعتباره بعد نتائج أوسلو التي وصلنا لها اليوم وفق الحالة القائمة ، والتي لم تكن كما اعتقد البعض منا باعتبار ذلك الإتفاق ممرا أجباريا لتحقيق الدولة ، فبعد ٣٠ عاما منذ ذلك التاريخ لم تقم الدولة بل اصبحت السلطة القائمة دون سلطة فعلية ، بل ويعمل الأحتلال على تقويضها .
الا ان السياقات تختلف بشكل كبير اليوم ، رغم ان حماس قد تواجه نفس التحديات التي واجهتها منظمة التحرير سابقا من متطلبات محددة أدخلتها لعبة السياسة والمفاوضات من خلال محاولة ايجاد التوازن بين المبادئ الأساسية والمكاسب الدبلوماسية وشرعيات الولايات المتحدة وإسرائيل كقوة قائمة بالأحتلال وفق الاتفاقيات التي تم توقيعها ، والتي اعتبرتها اسرائيل اليوم منتهية وغير ملزمة لها . تلك التوازنات التي غُلبت فيها بعض الجوانب على حساب اخرى تمثل مفهوم حركة التحرر الوطني خلال الفترة الماضية ، فتناقضت المنظمة مع ذاتها بالمبادئ والرؤية والتكتيك بالتعاطي مع الواقع ، الا انها حافظت على البرنامج السياسي نحو اقامة الدولة على كامل حدود عام ١٩٦٧ مع ضرورة ضمان حل قضية اللاجيئن وفق القرار الأممي ١٩٤.
التحركات الحالية قد تشير إلى بداية مرحلة جديدة تُدخل حماس في ذات التناقض بين المطلق والممكن والواقع بعيدا عن الاهداف وتجعل منها حركة اجتماعية سياسية قابلة للتعاطي مع المشاريع الدولية وهذا يعتمد على تطور الأمور خلال الفترة القريبة .
لقد واجهت المنظمة آنذاك وما زالت تحديات كبيرة في الحفاظ على الشرعية الشعبية بعد أن دخلت في اتفاقات وصفت بالمؤقتة واصبحت مستدامة مع دولة الأحتلال إلاسرائيلي الذي يسعى اليوم بتقويض دورها ومكانتها دون ان يؤدي ذلك الى إنهاء الأحتلال ، ما أدى إلى انتقادات شعبية داخلية وخارجية من الاصدقاء لها على اثر اختلال التوازن الأساسي بين مكونات الكفاح الوطني التحرري الفلسطيني وبين القبول الدولي والدعم المالي والسياسي وتنفيذ التزامات الاتفاقات المجحفة .
ان واقع سياسات دولة الأحتلال وطبيعتها ورؤيتها لن يتغير طالما لم يتم اسقاط الفكر الصهيوني ، ولن يستجيب الى اي حلول سياسية تنهي الأحتلال الاستيطاني ، ولذلك يتوجب الحذر من رؤيتهم لمحاولة الفصل والانتباه ايضا الى عدم تكرار تجارب سابقة لم تؤدي سوى الى ما وصلنا له الان ، ليس لاننا نريد ذلك لكن لانه اصبح واقعا قائما بحكم التعاطي مع سياسات الولايات المتحدة السرابية والتجاوب بالانجرار الى بحث ومناقشة حلول أمنية واقتصادية وعدم تحمل المجتمع الدولي لمسوؤلياته .
وهنا وفي هذا السياق ارى من الضرورة الاشارة الى ما كتبه الصديق د. أياد البرغوثي في مقالته التي أشرت لها بالبداية والتي جاءت بعنوان
"منظمة التحرير الفلسطينية ، وحدانية الشكل وازدواجية الجوهر" ، حيث يقول فيه : "أستمر الرئيس أبو عمار في قيادة المنظمة ذات الجوهرين الذي يمثل أحدهما الحق الفلسطيني الأسمى (المطلق) ويمثل الآخر الحق الفلسطيني (الممكن). كان يعتبر الممكن خطوة نحو المطلق، لذلك لم يشعر بأي تناقض بين الجوهرين والدورين، ولم يفكر في وجود مشكلة في قيادتهما معا.
بقي أبو عمار حتى بعد اوسلو معتقدا (أو هكذا نعتقد أنه اعتقد)،أنه رغم كل التعقيدات المستجدة، فإنه سيستطيع قيادة الممكن نحو المطلق، الى أن اتضح له أن الاتفاق مع الاسرائيليين لا يعني إلا أن يكون الممكن في مواجهة المطلق وعلى حسابه، وأن ما بدا من قبولهم للممكن واعترافهم به هو أمر مؤقت لاستخدامه للقضاء على ما يمثل المطلق، هذا إن كان هناك ممكن أصلا عند التعاطي مع الاسرائيليين. فوجد نفسه يقود عربتين تسير كل منهما عكس الأخرى ، وعندما تيقن أن ذلك هو المطلوب منه فضل النهاية التي نعرف."
ويضيف الصديق د. اياد في مقاله ما أتفق حوله معه ، فيقول "فمنظمة التحرير التي يجب ان تعمل على حل تلك الازدواجية والتي لا مكان لها ، هي التي تمثل القضية كحركة تحرر نقيةٌ حادةٌ واضحةٌ ومباشِرة و"متعالية" على الواقع، وهدفها التغيير الكلي و"الثوري" لذلك الواقع . ليست وظيفتها البحث عن حلول مع المشروع الصهيوني وإسرائيل ، بل الحفاظ على الصراع معه حتى وصوله الى نهايته "الطبيعية" بإنهاء ذلك المشروع بالتحرر الكلي والشامل لفلسطين ، هذه الشخصية من المنظمة من المستبعد والغريب أن نجد لها معارضة بين الفلسطينيين ."
اعتقد بان هذا الإطار من الشكل والجوهر هو ما سيشكل قاعدة الوحدة الوطنية لكافة ابناء شعبنا دون انفصام بالادوار ، فالوحدة تتمثل بوضوح الإستراتيجية وبالرؤية والبرنامج وأدوات العمل في منظمة التحرير وليس بالاضافات الكمية لفصائل ، رغم اهمية مشاركتها كافة . وهنا تكمن ضرورة العودة لتحديد الهدف الأساس الذي شارف لربما على الضياع ، وبناء الاستراتيجية الفلسطينية في ضوء ذلك الهدف، وبعدئذ يمكن الحديث عن شكل البنية التنظيمية التي يمكنها الدفع باتجاه تحقيق ذلك في اطار منظمة التحرير الفلسطينية بما يتفق مع دورها ومكانتها بين ابناء شعبنا وبما حملته من إرث كفاحي ودور دولي مكتسب بفعل تضحيات شعبنا على المستوى الدولي عندما بدأت كمكون طليعي في اطار حركات التحرر العالمية ضد اشكال الإستعمار القبيح .