أكملت حكومة الدكتور محمد مصطفى اليومَ المائة يوم الأولى من عمرها منذ اجتماعها الأول في ٢ نيسان/أبريل الفارط، ووفقاً للسابقة الحكومية التي أرساها الرئيس محمود عباس حينما كان أول رئيس حكومة إثر التعديل الدستوري عام ٢٠٠٣، ما يدعو أو يستدعي تقديم الحكومة التاسعة عشرة تقريراً عن أعمالها لهذه المدة بما يشمل الإنجازات والاخفاقات والتحديات التي تواجه الحكومة لتنفيذ برنامجها المعلن وأية تعديلات على هذا البرنامج بناء على تجربة المائة يوم. بالرغم من أن هذا التقرير سيكون محدوداً ولن يعبر عن رغبة الحكومة أو رؤيتها المجسمة في برنامج الحكومة؛ خاصة أن ظروف خلق الحكومة وانبعاثها جد صعبة وهي مُدْركةٌ ومعلومةٌ للكافة، إلا أنها "أي الحكومة" محمولةٌ على تقديم هذا التقرير للمواطنين أصحاب الحق العلوي في الرقابة عليها توسماً لنيل الرضا وللحصول على ثقتهم.
في مراجعة سريعة لعمل الحكومة يظهر أنّها؛ أعلنت عن عدد من القرارات الإصلاحية والإجراءات المالية والإدارية لترشيد الإنفاق في الدوائر الحكومية، تضمنت ضبط حركة المركبات الحكومية واستخداماتها، وتحديد مهمات السفر والتعاقدات الحكومية واستئجار المباني الحكومية، ووقف شراء الأثاث والسيارات الحكومية الجديدة. وأنْ تكون جميع التعيينات بما فيها الفئة العليا على أساس المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص. وأكد تطبيق وتنفيذ مرسوم الرئيس بشأن وقف تمديد الخدمة للموظفين المدنيين والعسكريين فوق سن 60، والسفراء فوق سن 65، والقضاة فوق سن 70، ووقف جميع الاستثناءات إلى جانب وقف التعاقد مع الموظفين الحكوميين المتقاعدين- إلا في حال الضرورة، وأنْ يكون قد مضى على تقاعده سنتان على الأقل. وتشكيل لجنة خاصة برئاسة وزير العدل وعضوية ممثلين عن القطاعات الحكومية ذات العلاقة وممثلين عن المجتمع المدني، لمراجعة القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، وذلك لدراسة مدى مواءمة القرار بقانون مع الحقوق والحريات الواردة في القانون الأساسي والتشريعات ذات العلاقة، وتشكيل المكتب التنفيذي للإصلاح بالإضافة إلى اللجنة الوزارية للإصلاح. فيما أعادت وزارة المالية نشر التقارير الشهرية المتعلقة بالإيرادات والنفقات العامة.
في المقابل فإنّها لم تتخلَ عن سياسات الحكومات السابقة القاضية بعدم الاهتمام بشفافية عملها حيث لم تنشر قراراتها المتخذة في جلسات مجلس الوزراء بشكل كامل كما أنّها أوقفت عملياً الركن الخاص بقرارات مجلس الوزراء على الموقع الالكتروني الخاص به. كما أنها قدمت خطة الإصلاح في اجتماع مؤتمر الدول المانحة المنعقد بالعاصمة البلجيكية بروكسل ما بين 26-28 أيار/ مايو 2024 دون الإعلان عن ما تحتويه هذه الوثيقة "الخطة" للجمهور الفلسطيني من إصلاحات مالية وأمنية وإدارية، ولم تفصح عن أو تنشر وثيقة متكاملة "خطة الإصلاح" للشعب الفلسطيني صاحب السلطة ومالكها أي المستفيد الحقيقي "المفترض" منها. 
 
سابقة في آلية تعيين وكلاء الوزارات
أحسنت الحكومة التاسعة عشر بإعلانها مسابقة تعيين عدد من وكلاء لبعض الوزارات بما ينسجم مع القاعدة الدستورية القاضية "بتكافؤ الفرص" بما يفتح المجال للمنافسة بين الموظفين العامين على هذا المنصب الهام، وتحقيقاً لأحكام المادة ١٩ من قانون الخدمة المدنية "تعلن الدوائر الحكومية عن الوظائف الخالية بها التي يكون التعيين فيها بقرار من الجهة المختصة خلال أسبوعين" وانسجاماً مع أحكام المادة ٥٦ من اللائحة التنفيذية لذات القانون "يصدر رئيس الدائرة الحكومية بالتنسيق المسبق مع الديوان قراراً بشغل وظيفة شاغرة على الهيكل التنظيمي وجدول تشكيلات الوظائف، وبعد تنظيم إعلان داخلي ومسابقة لشغل هذه الوظيفة بمراعاة شروط الانتقال من فئة وظيفية إلى فئة وظيفية أخرى. لكن استحداث شرط بأن لا يزيد عمر المرشح للمنافسة على هذه الوظيفة "المنصب" عن ٥٦ عاماً، في ظني، لا يمنح المساواة بين الموظفين العامين من الفئة العليا في الوظيفة العامة، وقد يتنافى مع طبيعة هذه الوظيفة التي تحتاج إلى الخبرة والدراية في عمل الوزارة من جهة وضرورة تقصير المدة الزمنية لمن يشغلون هذا المنصب من أجل تحفيز الموظفين لتحسين أدائهم استعداداً للمنافسة على هذا المنصب بحيث لا يبقى أكثر من ثلاث أو أربع سنوات في هذا المنصب على غرار غاية المشرع الفلسطيني لبعض المناصب العليا خاصة في المؤسسة الزمنية.
 
الحكومة تنفق دون قانون 
أخطأت الحكومة التاسعة عشر لعدم إعدادها مشروع قانون الموازنة العامة للعام ٢٠٢٤ أو مشروع قانون لتأجيل تقديم الموازنة العامة للعام ٢٠٢٤ قبل نهاية شهر حزيران الفارط وفقاً لما جاء بالقرار بقانون رقم (٤) لسنة ٢٠٢٤ بشأن تقديم مشروع الموازنة العامة للسنة المالية ٢٠٢٤، وذلك لتمديد العمل بموازنة ٢٠٢٣، ولمنح وزارة المالية سلطة تحصيل الايرادات وفق الآليات والشروط والمعدلات المنصوص عليها في التشريعات المرعية، وصلاحية الإنفاق باعتمادات شهرية بنسبة ١/١٢ (واحد من اثني عشر) لكل شهر من موازنة السنة المالية المنصرمة؛ بهدف الحؤول دون اغلاق المؤسسات الحكومية غير القادرة على تحصيل الأموال العامة أو التعهد بنفقة جديدة. الأمر الذي يفتقد الحكومة ومؤسساتها القدرة على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين الفلسطينيين، وانعدام مشروعية عمل المؤسسات العامة لتسيّر دواليب الإدارة. يذكر أن بيان جلسة مجلس الوزراء الرابعة عشر المنعقدة في ٩ تموز/ يوليو الحالي أشار إلى " وفي سياق آخر، سيعقد مجلس الوزراء جلسة خاصة غدًا الأربعاء لمناقشة مشروع قانون موازنة الطوارئ للعام 2024". 
يبدو أن الحكومة الحالية تفتقر إلى ذاكرة الإدارة العامة والسوابق التشريعية؛ فقد قامت الحكومة الفلسطينية الثامنة عشر في ٢٥ آذار/ مارس الفارط بإعداد مشروع قانون لتأجيل تقديم الموازنة العامة لمدة ثلاثة أشهر، حيث استندت على أحكام المادة ٩٠ من القانون الأساسي التي تشير إلى " إذا لم يتيسر إقرار الموازنة العامة قبل ابتداء السنة المالية الجديدة، يستمر الإنفاق باعتمادات شهرية بنسبة ١/١٢ (واحد من اثني عشر) لكل شهر من موازنة السنة المالية". وعلى السوابق البرلمانية التي قام بها المجلس التشريعي عام ٢٠٠٦ بمنح الحكومة العاشرة فرصتين لتقديم مشروع قانون الموازنة العام للسنة المالية ٢٠٠٦ بموجب القانون رقم (٦) لسنة ٢٠٠٦ بشأن تقديم مشروع قانون الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية لسنة ٢٠٠٦ الصادر بتاريخ ٢٩/٣/٢٠٠٦، والقانون رقم ٧ لسنة ٢٠٠٦ بتعديل القانون رقم (٦) لسنة ٢٠٠٦ بشأن تقديم مشروع الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية بتاريخ ٢٢/٦/٢٠٠٦.

لا يدعي هذا المقال أو كاتبه أنّه يقيم عمل الحكومة التاسعة عشر في المائة يوم الأولى لها أو أنّه يحاكمها، حيث يدركان صعوبة الظروف التي تمر بها منذ تشكيلها، إلا أنّهما يسعيان للتذكير بمسؤولية الحكومة نحو المواطنين، ويدعوان ليكون موعد الوصول للمائة يوم الأولى من عمر الحكومة مناسبةً للمراجعة والانطلاق من جديد لتحقيق برنامج الحكومة المقدم من قبل رئيسها.