تعد أزمة المياه في فلسطين، سواء في غزة أو الضفة الغربية، من أبرز التحديات التي تواجه السكان وتؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية. يعاني الفلسطينيون من نقص حاد في المياه نتيجة للاحتلال الإسرائيلي وسياساته المائية، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية وتزايد الطلب على المياه بسبب النمو السكاني.
يعيش سكان قطاع غزة، البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، في وضع كارثي فيما يتعلق بالحصول على المياه الصالحة للشرب. يعتمد القطاع بشكل كبير على المياه الجوفية التي أصبحت ملوثة وغير صالحة للاستخدام البشري بسبب تسرب مياه البحر والمخلفات الصناعية والزراعية إليها. وتزيد الحرب المستمرة والحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2007 من تفاقم الأزمة.
منذ بداية الحرب على غزة، تفاقمت الأزمات الإنسانية على جميع الأصعدة، مما أثر بشدة على الحياة اليومية للسكان. مع نزوح مئات الآلاف من المواطنين جنوب قطاع غزة، وتحديد هذه المناطق من قبل الاحتلال الإسرائيلي كمناطق آمنة، انتقل النازحون للعيش في خيام تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. ومن بين القضايا الأشد تأثيرًا، برزت أزمة المياه بشكل لافت، خاصة مياه الشرب التي أصبحت غير صالحة للاستخدام الآدمي، مما جعل المواطنين عاجزين عن الحصول على بدائل مناسبة.
في جنوب قطاع غزة، التي صنفتها سلطات الاحتلال كمناطق إنسانية، توجد فقط محطتان لتحلية المياه. ومع اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، زادت أزمة المياه سوءًا بعد أن قطعت إسرائيل إمدادات الكهرباء والوقود لمحطات التحلية نتيجة إغلاق كافة المعابر وفرض حصار شامل ومشدد على القطاع، إضافة إلى سيطرتها على معبر رفح جنوب القطاع. وقد أدى ذلك إلى شح كبير في مياه الشرب.
تأثير نقص المياه على الحياة اليومية
الواقع اليومي للنازحين في هذه المناطق أصبح مأساويًا. في ظل غياب الجهات المختصة، خاصة الهيئات المحلية والبلديات التي لم تقم بأي دور يُذكر، تُرك النازحون يبحثون عن أي مصدر للمياه بأنفسهم. لم يتم توفير أي تسهيلات أو خدمات في مخيمات النزوح. ومع ارتفاع درجة الحرارة في الصيف، زادت معاناة الناس بشكل كبير.
سعر جالون المياه الذي كان يباع بـ 2 شيكل ارتفع ليصل إلى 5 أو 6 شيكل. استغل بعض التجار هذا الوضع، وأغرقوا السوق بالمياه المعدنية بأسعار مرتفعة لا يستطيع النازح العادي تحملها. بعد تسعة أشهر من الحرب الشرسة التي دمرت مصادر رزق الناس، لم تعد لديهم القدرة على شراء المياه أو الاحتياجات الأساسية الأخرى.
استغلال الأزمة من قبل التجار والمتنفذين
انتشرت شائعات في الشارع عن قيام بعض التجار والمتنفذين بمنع محطات التحلية من العمل من أجل بيع المياه المستوردة من الداخل بأسعار مرتفعة. تُرك النازحون لمواجهة مصيرهم بأنفسهم تحت رحمة تجار الحروب والفاسدين من المتنفذين في الحكومة المتبقية في غزة، الذين استغلوا وضعهم السيء ولم يراعوا الظروف الصعبة التي يعيشونها في مخيمات النزوح غير الصالحة للسكن.
الجهود والمساعدات الدولية
رغم كل هذه التحديات، هناك حاجة ماسة لتدخل المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لتقديم الدعم والمساعدات اللازمة لسكان القطاع. يجب على هذه الجهات العمل على توفير المياه الصالحة للشرب بشكل عاجل، وتقديم الدعم الغذائي والطبي للنازحين. يجب أن تركز الجهود أيضًا على إيجاد حلول مستدامة لأزمة المياه، من خلال بناء محطات تحلية جديدة وتحسين البنية التحتية للمياه.
إن التحديات المرتبطة بأزمة المياه في غزة والضفة الغربية تتطلب حلولًا مستدامة تأخذ في الاعتبار النمو السكاني والاحتياجات المستقبلية. يجب أن تركز الجهود على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لضمان وصول الفلسطينيين إلى حقوقهم المائية، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز إدارة الموارد المائية بشكل أكثر كفاءة واستدامة.
إن أزمة المياه في غزة ليست فقط أزمة إنسانية بل هي جريمة بحق الإنسانية. إن توفير المياه الصالحة للشرب هو حق أساسي لكل إنسان، ويجب أن تكون هناك جهود متضافرة لضمان حصول الجميع على هذا الحق، وتوفير حياة كريمة لسكان القطاع الذين يعانون منذ سنوات طويلة.