يحتوي إعلان البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" الأخير الذي أيدته أغلبية واضحة بثمانية وستين نائباً، "تعارض فيه بشكل قاطع قيام دولة فلسطينية غربي نهر الأردن"، على رفض واضح للمؤسسة الإسرائيلية الرسمية لأي سلام مع الفلسطينيين قائم على أساس حل الدولتين الذي يطالب به الفلسطينيون والمعتمد من قبل مجلس الأمن؛ وذلك انسجاماً مع خطة الحسم التي قدمها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش التي تعتبر الضفة الغربية "قلب أرض إسرائيل "يهودا والسامرة"، وتجسياً لمفهوم دولة إسرائيل من النهر إلى البحر وفقاً لمنطلقات حزب الليكود. تختلف أغراض المؤيدين الثمانية والستين لهذا الإعلان فمنهم له دوافع أيديولوجية مثل الصهيونية الدينية ومنهم لديه أطماع استعمارية مثل أتباع الصهيونية التصحيحية كحزب الليكود وأمل جديد "جدعون ساعر"، وآخرون لديهم أطماع سياسية وانتخابية المعسكر الرسمي "بني غانتس" لمخاطبة الفئات المجتمع الإسرائيلية المنزاحة نحو اليمين.
جاء هذا الإعلان، في ظني، بتوقيت يراعي أو يستجيب لأربعة قضايا تواجه الحكومة الإسرائيلية الحالية هي: (١) توقع إصدار القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي على الأغلب أنه سيشير إلى أن إسرائيل كقوة احتلال باتت احتلال دائماً في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام١٩٦٧ وتمنع الشعب الفلسطيني من حقهم بتقرير المصير مما يتبعه تحولات جذرية في علاقات إسرائيل الدولية. و(٢) تأتي قبيل زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى واشنطن الذي من المتوقع أن يستمع بضغط من قبل الرئيس الولايات المتحدة حول خيار حل الدولتين ومسار السلام الإقليمي. و(٣) تزايد الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية ونوايا بعض الدول أو التوقع بإعلان اعترافها في المستقبل القريب. و(٤) توقع بعض الكتل البرلمانية الإسرائيلية قرب الوصول لإجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل ما يتطلب ذلك وفقاً لبعض هذه الكتل بالتوجه نحو اليمين أو يمين اليمين في المجتمع الإسرائيلي.
رغم أن هذا الإعلان من حيث طبيعته القانونية غير ملزم حتى للذين صوتوا له أو أيدوه؛ كما يحدث في السياسة الإسرائيلية التي تتبدل مواقف السياسيين وفقاً للمتغيرات المجتمعية والسياسية الداخلية والدولية، إلا أن هذا الإعلان يظهر التوجهات العامة لأعضاء الكنيست الإسرائيلي والحالة السياسية التي وصل إليها المجتمع الإسرائيلي من حيث إنكار حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، ومن حيث تفكير الطبقة السياسية لمستقبل السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ خاصة أن هذا الإعلان لم يحدد مستقبل السكان الفلسطينيين القائمين والقاطنين غربي نهر الأردن سواء بقائهم في حكم ذاتي، أو أنهم سيصبحون مواطنين في دولة إسرائيل أم أقليات اجتماعية تتمتع بحقوق مدنية واجتماعية دون الحقوق السياسية والتمثيل السياسي لهذه الأقلية القومية، أو تجسيد دولة التمييز العنصري "مملكة يهودا والسامرة" في الضفة الغربية يسيطر من خلالها المستوطنون على الحكم وإخضاع الفلسطينيين لتشريعات تمييزية وقمعية.