دعوة مجرم الحرب نتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونجرس الأمريكي ليس فقط وصمة عار تاريخية في جبين أمريكا لن ينساها العالم بل إنها فضحت سياسة أمريكا الحقيقة بإنهاء دولة نازية مشاركة وداعمة بشكل لا لبس فيه لجرائم الحرب الإسرائيلية والإبادة الجماعية في فلسطين، حيث إن تاريخ أمريكا إجرامي منذ إبادة الهنود الحمر ومروراً بإبادة مدن مثل هيروشيما و نكازاكي في اليابان وليس انتهاء بجرائم الحرب في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن كل هذه الجرائم غطت عليها أمريكا في بيع الوهم وبخطابات رنانة حول القانون الدولي والديمقراطية وحقوق الإنسان ودعمها لفظيا لبعض القضايا المحقة، لكن بعد دور أمريكا في ابادة غزة و استقبال مجرم الحرب نتنياهو و وقوف اعضاء الكونغرس له 53 مرة بالتصفيق الحار دعماً لجرائمه، هل تستطيع أمريكا بعد ذلك الحديث عن حقوق الإنسان أو القانون الدولي؟!.
قد يقول البعض ان معظم اعضاء الكونغرس مدفوع لهم من الايباك و اللوبي الصهيوني و لكن هل هذا مبرر ان ممثلي الشعب الأمريكي لهذه الدرجة منحطين وجبناء لمعارضة منتخبيهم وقناعاتهم و أدبياتهم حول القانون الدولي و الإنساني و مبادئ الديمقراطية ، و هل من المعقول ان يقبلوا وصف نتنياهو للامريكان الذين إحتجوا ضد الابادة الجماعية بانهم لاساميون ويتلقون دعم من ايران ومحورها و يقفوا صغارا يصفقوا لنتنياهو وهو يسخر ويستهزء بحراك الشعب الأمريكي.
أمريكا وضعت كل مستقبلها بيد مجرمي الحرب الارهابيين الاسرائيلين من خلال تبني جرائمهم و الدفاع عنها امام شعبهم و امام العالم و امام محكمة العدل الدولية و محكمة الجنايات الدولية التي كانت أدواتهم لمحاكمة النازيين و الدكتاتوريين في العالم ، بل انها سقطت امام الجيل الامريكي الشاب و الواعي الذي قادته الجامعات الأمريكية و التي شهدت اقوى تحركات في العالم ولم تحترم الادارة الامريكية حراكهم بل اعتقلتهم واعتدت عليهم و صفقت لنتنياهو الذي وبخهم و سخر منهم و وصفهم بالارهاب، حيث وقفت هذه الادارة الأمريكية عاجزة لتفسير مواقفها المزدوجة حين الحديث عن المجازر الحقيقية في فلسطين و ما يحدث في أوكرانيا.
أمريكا فعلا تحتضر بمعاييرها المزدوجة حيث ان معظم قياداتها لا يمثلون نبض الشارع الأمريكي الملتهب والذي كشف زيف خطاباتهم و مبادئهم و تناقضها بل ان سلوكهم النازي في فلسطين أسقطتهم امام جموع المحتجين في اوروبا و العالم .
أمريكا التي تعاني من مشاكل اقتصادية و تُسّخِر كل امكاناتها للحروب و الفتنة و استغلال شعوب العالم ستجد نفسها عاجزة عن مواجهة التزامتها الداخلية و غير قادرة على مواجهة اعدائها الخارجيين التي صنعتهم بسلوكها المجرم و الامبريالي عبر التاريخ ، و ان صمت العالم و عجزه عن موجهة هذه السياسة اوشك على الانتهاء و ان الانفجار بوجه امريكا و سياستها قاب قوسين او أدنى، حيث أن هناك دول انشغلت في استنهاض شعوبها و تنمية مواردها و صناعاتها مثل الصين و التي تؤمن بالمصير المشترك للشعوب و تحقيق العدالة لهم و تؤمن بالمنفعة المتبادلة و ترفض استغلال الآخرين خدمة لمصالحها اصبحت الان تنافس الاقتصاد الأمريكي بل اصبحت قوة عسكرية موازية او اكبر من قوة امريكا و جاهزة لمواجهتها و وقف عدوانها عليهم و على الشعوب الاخرى ، و سلوك امريكا يؤكد ان الاصطدام معهم قادم ، و ما يحدث في أوكرانيا يؤكد ذلك حيث ان سلوك امريكا و حلفاءها يهدد باشتعال حرب عالمية ثالثة مع روسيا و الصين و كوريا الشمالية ، و هذه الحرب ستكون ان اشتعلت حرب نووية تحدد وجود دول و شعوب و خاصة امريكا وحلفاءها ، وما قامت به ضد اليمن للدفاع عن جرائم اسرائيل يؤسس لحرب اقليمية تشتعل فيها الشعوب في منطقة الشرق الأوسط ، ناهيك انها مشتعلة من لبنان و العراق و تغلي في دول الطوق التي ظهرت انها خاضعة بسبب الضغط الأمريكي عليها و يشاهدون ذبح الاطفال و النساء و الشيوخ وانتهاك المقدسات لإخوانهم و لأقدس الاماكن لهم قبلتهم الاولى .
أمريكا التي تدعم كل الحكام الدكتاتوريون في الشرق الاوسط و تستغلهم في حروب و تنهب خيرات بلادهم بابتزازهم ، تؤسّس لثورات ضدهم و ضد امريكا و ستجد امريكا نفسها وحيدة عند سقوطهم و لن تستطيع الاستفادة او التعاون مع شعوب المنطقة و سيدفع الشعب الأمريكي مستقبلاً ثمن سياستهم الاجرامية.
لكن ورغم ذلك لا بد من النظر بايجابية للداخل الأمريكي من حجم تحركات الجيل الجديد في الجامعات والشارع الأمريكي الرافض لهذه السياسات ومنها تصريحات قوية لبعض القادة الامريكين والنواب مثل السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز الذي وصف زيارة نتنياهو لأمريكا وإلقائه خطابا داخل الكونغرس "بالعار" كما وصف نتنياهو أيضا "بالمجـ ــرم" ، و النّائب اليهودي جيري نادلر الذي كان يستهزئ بنتنياهو خلال إلقاء خطابه في الكونغرس وظهر وهو يقرأ كتاباً ضدّه ، ومن المهم الانتباه ان عدد النواب الذين قاطعوا خطاب نتنياهو في الكونجرس من مجلس النواب 112 عضوا ومن مجلس الشيوخ 24 عضوا وهذا مؤشر أن هناك نقلة نوعية داخل المجتمع الأمريكي نفسه تبشر بعدم بقاء سيطرة اللوبي الصهيوني لأمريكا و ينبأ بانه سياتي أمريكي ليحكم أمريكا وفق مصالحها ملتزما بالقانون الدولي و الإنساني و يؤمن بعدم استغلال الشعوب وان المصير المشترك و المنفعة المتبادلة اساس استقرار امريكا و العالم .
الواضح من سياسات الإدارات الصهيونية التي تتحكم في سياسة أمريكا انها مرعبة لمستقبل أمريكا و العالم وان هذه الادارات تحتضر فعليا وستسقط اما بالحروب مع دول اخرى او بتغيير داخلي أمريكي، واسرائيل التي كانت عصا أمريكا لمواجهة دول الشرق الأوسط لطخت سمعة امريكا و اعادت للأذهان كل جرائمها و باتت بحاجة لاستنزاف امريكا اقتصاديا و عسكريا فلم تعد تحمي نفسها فكيف بها تحافظ على مصالح امريكا والغرب ، و امريكا فعليا الان غارقة في الوحل كل ما تحركت ادارتها اكثر تغرق اكثر .