بعد ٣٠٠ يوم من الحرب وحوالي مائتين وخمسين ألف ما بين شهيد وجريح ومفقود وتدمير شبه كلي للبنية التحتية والبيوت ومزيد من معاناة النزوح والتنقل من مكان لآخر والجوع والعطش والأمراض الخ في مقابل إنجازات تتحدث عنها حماس وفصائل المقاومة كاستهداف دبابة أو جرافة او قتل وجرح جندي أو أتنين كل بضعة أيام أو إطلاق صواريخ عبثية، فإلى متى ستستمر الأمور والمعادلة على هذا الحال؟ وما هي النتيجة أو الهدف أو الانتصار الذي تسعى له حماس؟ واي معنى سياسي وتفسير عقلاني للهدف الذي يردده قادة حماس (إما النصر أو الاستشهاد) فهذا شعار فارغ المضمون، ربما كانت ترجمة واقعية له في زمن ما عندما كان الفارس المسلم يبارز الكافر وكان النصر أو الاستشهاد فرديا أما في الحروب الحالية فهو مجرد لغو ولا سند ديني له، ولا تصلح البطولات الفردية بمعزل عن مجريات السياق العام للحرب من حيث استراتيجيتها والهدف منها.

ونفس الأمر يمكن أن يُقال عن شعار أو مقولة إنه لا ينمكن القضاء على حركة خماس لأنها فكرة وعقيدة! ولا ندري إن كان المقصود بالفكرة والعقيدة الإسلام والمقاومة فهما موجودان قبل ظهور حركة حماس وسيستمران بها أو بدونها، فحماس حركة إسلامية ولكنها ليست الإسلام وهي حركة مقاومة وليست المقاومة.

الحروب بما فيها حروب التحرير الشعبية لا تقوم على الشعارات التي تثير عواطف الناس وتُغرر بهم، كما ستكون مغامرة غير مضمونة النتائج في حالة رهن مصير الشعب والقضية بحلفاء خارجيين لأن هؤلاء سينحازون في نهاية الأمر لمصالحهم القومية وقد يضحون في سبيل ذلك بحلفائها الإقليميين الصِغار.

وعليه فإن مراهنة فصائل المقاومة وكثير من الفلسطينيين وخصوصا المؤيدين لمحور المقاومة على أن استمرار حرب الإبادة وسقوط مزيد من الضحايا سيفجر المنطقة كلها وستندلع حربا إقليمية أو شاملة على رأسها ايران ودول المقاومة ستهدد وجود دولة العدو أو على الأقل ستخفف عن جبهة غزة وقد تعجل بصفقة وقف اطلاق نار مشرفة للمقاومة ... هذه المراهنة فاشلة لأن أي حرب لن تكون إقليمية بمعنى الكلمة بحيث تؤثر على العدو إلا إذا قطعت الدول العربية علاقتها بإسرائيل وشاركت في الحرب وخصوصا مصر وهذا غير وارد الآن، وما يجري على أرض الواقع هو تغيير في قواعد الاشتباك وأدواتها وليس الانتقال الى حرب شاملة، وهذا ما لاحظناه في كيفية ؛إدارة إسرائيل للحرب على كل الجبهات.

تكرار عمليات الاغتيال الصهيونية لقادة كبار في محور المقاومة وفي قلب عواصمه في بيروت ودمشق وطهران يشير إلى تحولات في طبيعة الحروب الحديثة وخلل أمني كبير عند محور المقاومة وفي هذا السياق نبدي الملاحظات التالية:

١.الدور المهم لسلاح الجو وما يرتبط به تجهيزات لوجستية كالرادارات المتطورة ومنظومة الدفاع الجوي وهو ما تفتقر له أطراف محور المقاومة.

٢.القدرات الاستخباراتية المتفوقة عن الاسرائيليين والتي تستفيد من حليفاتها واشنطن في هذا المجال.

٣.وجود خروقات أمنية كبيرة عند محور المقاومة مما مكن العدو من التحديد الدقيق لأماكن تواجد القيادات والمواقع المستهدفة وهو اختراق قد يكون في مواقع قيادية متقدمة.

٤.اسرائيل تقاتل دفاعا عن وجودها كما تزعم بينما إيران توظف محور المقاومة للدفاع عن مصالحها ومشاريعها التوسعية في المنطقة وهي لا تتورع عن التضحية بأدواتها في المنطقة إن شعرت ان مصالحها مهددة.

٥.كل اسرائيل موحدة وتقف مساندة للجيش أما أطراف محور المقاومة فلديها مشاكلها الداخلية ولا تمثل موقفا وطنيا جامعا وهذا هو حال حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن وحتى في إيران وسوريا.

حتى في حالة خرق اسرائيل قواعد الاشتباك كما جرى في اغتيال فؤاد شكر القائد العسكري الأول في حزب الله في بيروت واغتيال إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران لن يؤدي الأمر لحرب إقليمية، ما دامت المواجهات مع محور المقاومة فقط، ومفتاح محور المقاومة بيد إيران، وهذه الأخيرة لا تريد توسيع الحرب لأنها تعلم أن إسرائيل دولة نووية وستلجأ للسلاح النووي إذا شعرت أن وجودها مهدد، ولو كانت إسرائيل تعرف أن إيران ستدخل بحرب شاملة ما أقدمت على هذه الاغتيالات.

لذا فالمتوقع حدوث تدخلات دولية لتسوية ما بين الطرفين مما سيؤدي للفصل بين الجبهتين الشمالية والجنوبية وسيبعد الأنظار عما يجري في غزة وعموم فلسطين. وسيخرج حزب الله وإيران وإسرائيل نصف منتصرين وسيكون الفلسطينيون الخاسر الأكبر. 

وعليه نتمنى من الذين يواصلون إطلاق الصواريخ العبثية من وسط المناطق المأهولة في قطاع غزة والذين يواصلون تضخيم قدرات فصائل المقاومة ويدعونها للاستمرار في الحرب مديرين الظهر لكل ما يحدث من موت ودمار أن يتوقفوا عن هذا النهج وإلا سيكونون شركاء للعدو في جريمة إطالة أمد الحرب وما لحق بغزة من موت وخراب ودمار وتهجير جماعي يلوح بالأفق.