اختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي   
جرى في الأسبوع الفارط اختيار يحيى السنوار زعيم حركة حماس في قطاع غزة رئيسا للمكتب السياسي للحركة في الداخل والخارج. هذا التعيين/ الاختيار كان مفاجئ للأطراف المختلفة على الرغم من أنه طبيعياً من حيث التراتيية التنظيمية في حركة حماس بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي ونائبه؛ حيث أن يحيى السنوار وخالد مشعل هما الأرفع رتبة في التنظيم السياسي لحركة حماس. هذا الاختيار "المؤقت" لاستكمال الدورة الانتخابية لحركة حماس التي جرت عام ٢٠٢١ لمدة أربع سنوات؛ أي بقي حوالي سنة على استكمال ولاية المكتب السياسي للحركة، إلا إذا بقيت الحالة الاستثنائية المتمثلة بالحرب القائمة للعام القادم وعدم التمكن من إجراء الانتخابات في مؤسسات الحركة الأمر الذي يمكن أنْ يتم تمديد ولاية المكتب السياسي بحكم الأمر الواقع.
 
في ظني يعود هذا الاختيار لأسباب متعددة، كما أنه يحمل رسائل لأطراف داخلية وخارجية، منها؛ (١) محاولة تأكيد حركة حماس على منهج المقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي خاصة في ظل الحرب القائمة، وهي تأتي كرد متشدد في مواجهة الاغتيالات التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية لرئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري. و(٢) التأكيد على ثقل جناح حركة حماس في قطاع غزة في جسم الحركة سواء على المستوى الشعبي والعسكري أو نموذج حكم متاح لها.
و(٣) كجزء من الصراع داخل الحركة يفرض علوية الجغرافيا فيها على حساب ما يعتقد أنه خلاف بين تيارات سياسية في حركة حماس، وهي في طبيعة الحال عادية في الأحزاب السياسية، ناجمة عن طبيعة مسالك الوصول للقيادة في حركة حماس وطبيعة البنية الثقافية لها، حيث تتمثل هذه المسالك بأربع طرق؛ فجزء من قيادة حركة حماس قادة من جناح الدعوة المتأثرين بطرائق عمل حركة الإخوان المسلمين، ومن جناح العمل الجماهيري المتأثرين بقواعد التوافق ومنح مساحة للأخذ بعين الاعتبار مصالح الآخرين، ومن الجناح العسكري للحركة المتأثر بالعمل الأمني والصرامة القائمة على قواعد السلوك العسكري، ومن جناح الأسرى الذين خاضوا تجربة السجون الإسرائيلية والذين لديهم خبرة في التفاوض مع الإسرائيليين وطرائق تكيف مع العيش الخشن وإقامة علاقات مع القوى السياسية الفلسطينية.
و (٤) أرادت حركة حماس تكريس يحيى السنوار زعيماً لحركة حماس سواء كان على طريقة حزب الله كحسن نصرالله كما هو الحال في لبنان، أو زعيماً للشعب الفلسطيني في حال استمرار بقاء السنوار وعودة حركة حماس للحكم في قطاع غزة كما حصل للزعيم ياسر عرفات بعد حصار بيروت عام ١٩٨٢، حيث أن الفلسطينيين مفتونون بالعمل المسلح والقيادة النموذج "القيادة المضحية". و(٥) في حال الربط ما بين هذا الاختيار/ التعيين وما جاء في إعلان بكين يبدو أن قادة حركة حماس يعتقدون بأن السنوار هو الزعيم الوحيد في الحركة القادر على اتخاذ قرارات سياسية تتعلق بالعملية السياسية والقبول، كما جاء في الإعلان، بإقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، ومخاطبة جمهور الحركة لإحداث هذا التغيير الجدي والجوهري في الفكر السياسي لحركة حماس. 
وأخيرا (٦) محاولة من المكتب السياسي للحركة المقيم في الدوحة لتجاوز أو تخفيف ضغوطات سياسية، قد تنشأ، للقبول باتفاق أو توجهات سياسية بحكم قواعد التحولات الإقليمية الناجمة عن الضغوطات الأمريكية بشكل رئيسي.
(2)  البيان الثلاثي لوقف إطلاق النار
شكل البيان الرئاسي الثلاثي الداعي للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بالاستناد إلى المبادئ التي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن نهاية شهر أيار/ مايو الفارط، والتي دعمها مجلس الأمن بقراره رقم ٢٧٣٥، تحولاً في طبيعة وشكل وصيغة الخطاب من قبل الوسطاء في المفاوضات الجارية على مدار عشرة أشهر؛ أي أن الجديد في هذا البيان الثلاثي هو: (١) صيغة الأمر "حان الوقت وبصورة فورية للوصول لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين... ويجب عدم إضاعة مزيد من الوقت وأن لا تكون أعذار من أي طرف لمزيد من التأجيل". و(٢) صيغة الملل من التلاعب في المفاوضات خاصة من الجانب الإسرائيلي "لقد سعينا لأشهر للتوصل إلى اتفاق وهو الآن على الطاولة ولا ينقصه سوى تفاصيل التنفيذ". و(٣) صيغة التحول من نقل الرسائل بين الطرفين ووضع حلول لتذليل العقبات إلى تقديم مقترح متكامل "نحن كوسطاء مستعدون إذا اقتضت الضرورة لطرح مقترح نهائي لتسوية الأمور المتعلقة بالتنفيذ"، و(٤) التحول نحو الدعوة بدلاً من الطلب/ الرجاء لاستئناف المفاوضات، إضافة إلى تحديد موعداً محدداً لاستئنافها.
في ظني أن الأسباب التي دعت الوسطاء الثلاثة لإصدار البيان الرئاسي الثلاثي عديدة منها؛ (١) الاعتقاد لديهم بأن وقف الحرب في قطاع غزة يعني وقف امكانية توسع الحرب في المنطقة، ووقف حالة التوتر القائمة خاصة بعد عمليتي الاغتيال في بيروت وطهران، وحالة الانتظار التي تمر بها المنطقة لمعرفة شكل وطبيعة الرد الإيراني وحزب الله على عمليتي الاغتيال. 
(٢) يبدو أن لدى الوسطاء خشية من التشدد في المباحثات مستقبلاً بعد اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس مما يطيل من أمد التفاوض في حال عودته. (٣) انقضاء فترة زمنية طويلة للمفاوضات مما أطال أمد الحرب في قطاع غزة وما نجم عنها من مأساة ومعاناة واسعة للشعب الفلسطيني وجرائم حرب اقترفتها القوات الإسرائيلية.
(٤) وجود ضرورة أمريكية، خاصة لدى المرشحة الديمقراطية كاميلا هارس، بإعادة الأسرى الإسرائيليين ذوي الجنسية الأمريكية لضرورات انتخابية بعد ما جرى من تحول في الرأي العام الأمريكي إثر إطلاق سراح بعض السجناء الأمريكيين من روسيا الاتحادية. (٥) الحرج الأمريكي إثر قيام الحكومة الإسرائيلية بعملتي اغتيال في بيروت وطهران بعد خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس ولقاءاته مع أركان الإدارة الامريكية التي كانت تشير إلى تفاؤل لقرب التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار. (٦) الغضب الأوروبي والعالمي من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الداعية إلى جرائم حرب في قطاع غزة بما فيها تصريح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالرغبة بتجويع الفلسطينيين في قطاع غزة لاستعادة الأسرى الاسرائيليين.