خلقت اسرائيل حالة من السيولة واسست للفوضى، مما دفع العديد من الجهات وان كانت محدودة بالتحرك علنا ضد السياسات العامة والمواقف الوطنية المعلنة، فكل يوم تخرج علينا قصة او فضيحة او تقدم في المواقف الوقحة تجاه القضايا الوطنية، فلم يعد القليل من الهجوم على المحرمات الوطنية او التعرض لمسائل كنا نعتقد ان احدا من الفلسطينين لن يجرؤ على التفكير بها. وجدنا ان عدد من العملاء يقاتلون مع الاحتلال في غزة، وكأن الاحتلال يرسم معالم العمل القادم معه، ونجد من يكتب بلا قلق لاي حساب انه ان الاوان للقدوم على ظهر دبابة، مع العلم ان كافة المشاهد التي تخرج تثبت ان الدبابة التي يتحدث عنها البعض كل يوم تحترق، والبعض الاخر يعتبر الاستسلام والهزيمة والعبودية مخرجا للحالة التي نمر بها، فيصرح ذلك بلا وجل او قلق من المسائلة او الملاحقة، وعدد من الاشخاص بالتعاون اما مع جهات عربية او دولية تعقد اجتماعات تناقش فيه اليوم التالي للحرب ،بدون وجل او خوف اوقلق، وقد يكون خطاب ابو مازن امام البرلمان التركي بهذا الوضوح يعني ان مرحلة التنفيذ لهذا الامر قد وصلت الى مراحل يجب فضحها وتعريتها، وانه يريد ان يصد او يحاول افشال هذا المشروع التي اكتملت مراحله.وبخطابه قد وضع حد للضغوطات الامريكية انه لن يستسلم ولن يوفر الغطاء لاي فريق فلسطيني بالقبول بما تريده امريكا، وانه سيرفع الغطاء عن كل من يحاول ان يكون شريكا في اليوم التالي، ان لم تكن فلسطين وحدة واحدة هي الموجودة والمتواجدة في اي حل قادم.
بالفعل ما حدا شايف حدا ولا حدا سائل عن حدا في هاي البلد، عبارة تناسب المرحلة وتعنى اننا على ابواب انتاج حالة فريدة لكنها خطيرة، ستقود او قد تقود الى مرحلة من الفرز الوطني الذي بدوره سيودي لا سمح الله الى مقتلة في بلادنا.
جزء من الفئة الشابة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث عن السلطة بصورة غير مبشرة، وعدد من العاملين في الاجهزة الامنية يتحدثون عن عدد من المسائل بصورة تدعو للقلق على مستقبلنا مثل انتشار انواع جديدة من الجرائم وظواهر غريبة نخجل الكتابة عنها، ولم يعد قادرين على اللاحق بها. انفصال تام بين الواقع المعاش والعالم الافتراضي، نرى مرض الكراهية ينتشر على المستوى الوطنى لا احد يتحمل احد ولا يرى اي منا الاخر الا من منظاره.
انظروا جيدا لما نحن عليه، يقتل اهلنا في غزة وحتى في جنين وطولكرم وغيرها من مدن الضفة والحياة تمضي وكاننا نعيش في دولة اخرى. العرب اعتادوا المشهد، ولم نعد نثور لدماء الاطفال واشلاء النساء، لم نعد نحس باوجاع القهر والفقر والمرض والحر لاهلنا كما كنا ذات يوم. ضائعين وليس لنا من الطريق الا ما ندفع له دفعا. ثم نجد عدد من الكتاب او المحللين يكتبون وكأنهم ما زالوا في اقفاص الماضي، لم تغييرهم اهوال الاحداث ولا جذوة الدم، وما زالوا كما عدد من السياسين يرددون ما قالوه منذ سنوات طوال، الحل السلمي، ادانة لقتل الابرياء، الاحتلال مجرم، المجتمع الدولي قاصر، اين العرب؟. في لحظة يشعرنا البعض ان فلسطين قد تحررت وان الاحتلال سيعلن الاستسلام، ثم ياتي البعض ليقول ان الاحتلال قد دمر شعبنا، اما عدد ممن يطلقون على انفسهم المحللين في الشأن الاسرائيلي فهم كثر، والسرديين هم اكثر ومنهم لا يعرف اسماء وزراء حكومة الاحتلال ولا حتى لغتهم، ومنهم من يميل حيث مالت الريح، فتراه مختص بالشأن الاسرائيلي، ثم ينتقل ليكون جهبذ بالشأن الفلسطيني، وفجأة تراه يشرح عن السياسات الايرانية في المنطقة، اما البعض فتراه خبير في السياسة المصرية والقطرية، ومن ثم تراه يعرف ما الذي دار بين بايدن ومستشارية في امريكا، نراه يتقلب على كل فضائية وفي كل موضوع هو محكم. وبعضهم يسترق المعلومات من احد العارفين في الشأن الاسرائيلي او الايراني فيكتب مقالا من افكار غيره وينتج معلومات هو ناقلها ولا يعرف عنها الا القليل، كي يترزق على حساب معرفة الغير، فيسرق جهد الاخرين، ثم يأتيك ليحدثك عن الاخلاق والمقاومة، ومنهم من اصبح الخروج الى الفضائيات مكان استرزاق له، يصرح كما يشاء، المهم ان تكون محسوبا على تيار معين كي تكون على هذه الفضائية، فتترك لك المساحات للحديث ومن يهتم، انها ساعات يجب ان تملئ.
فان خرج على فضائية هلل وكبر ونعى الاحتلال وان خرج الى اخرى لعن المقاومة وايران وذم حزب الله بلا توقف، وان اراد ان يكون موضوعيا قال نحن تدمرنا ولن تقوم لنا قائمة. ما زال البعض يعتقد انه يفكر، لكنه في الحقيقة يتفكر في الابجديات، عجز الاغلب عن استيعاب حجم المرحلة وتداعياتها، البعض بكائي والاخر ندي والقليل منا من يحاول ان يقرأ الاحداث بموضوعية منفصلة عن احلامه او افكاره السابقة، والعديد منهم يعتبر انه ملك الحقيقة، وينسوا جميعا ان المدركات بالكاد نفهمها فما بال غير المدرك في ظل مرحلة كلها باتت في علم المجهول. حتى ان عدد ممن هم في صناعة القرار لدينا لا يأبهون بما يجري ويعتقدون ان ايران وامريكا تتقاسم الادوار وان شعبنا هو الضحية، بل لا يؤمنون ان الحرب واقعة، او اننا في اتون الحرب.
فبدلا من هذا الهدر للوقت والجهد على الهجوم على بعضنا البعض، هل سألنا انفسنا ماذا قدمت النقابات جميعها لاعضائها من خدمات تخفف عنهم هول ما هم فيه من ماساة، هل استكفى القطاع الخاص بالعمل مرة او مرتين للتخفيف عن اهلنا،ماذا عن رواتب واجور العاملين في القطاع الخاص؟ ماذا عن الجهود التي لا تتوقف من مؤسسات المجتمع المدني لاهلنا في غزة؟!!!. هل لنا وبدلا من ان نضيع وقتنا على نقاشات لا تعزز الا الكراهية ولا تصنع الا مزيدا من العزلة والفرقة ان نسأل انفسنا ماذا قدمنا كي نخفف من حالة الوجع الذي لا يتوقف في غزة وجنين وطولكرم وقلقيلية ونابلس، اما الاخرين ممن يعيشون في الخارج من الفلسطينين، ارجوكم ارحمونا من ارائكم التي لا يزيد بعضها الا فرقة، مع ان الكثيرين منهم يحثون على الوحدة ويعملون لها.
الم يأن الاوان يا نقابة الصحافيين ويا صناع المحتوى الاخباري المحلي والمواقع الاخبارية ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي والكتاب والمنظرين واصحاب الرأي وحتى السياسين ان تبادروا لخطوات عملية لتقليص نار الكراهية وبث روح التسامي على الخلاف، على الاقل ان تبادروا لاطلاق يوم وطني موحد من الاسبوع الاول من كل شهر للحديث عن القيم المشتركة التي تجمع شعبنا، بحيث يخصص يوم لنقاش مشاكل وتحديات المحامين، واخر للصحافيين، والاطباء، والمهندسين والمهن الطبية المساعدة وغيرها، نتعود ان نترك مساحات للتعليم والبحث عن مسائل تحتاج الى حلول، فهل فكرنا مثلا باحتياجات اهلنا في غزة للوثائق الرسمية، هل فكرنا بشهاداتهم العلمية التي فقدت، هل فكرنا بان نناقش كيف لنا ان نحي التعليم ونقدم يد العون في مجال الصحة والمياه وغيرها، ان اشغلنا انفسنا بكل هذه المسائل وبحثنا عن حلول عملية او محاولات للتفكير، نكون قد تجاوزنا احد مداميك الكراهية، واصبحت البلد الكل شايف بعضنا البعض والكل سائل فيها عن احوالنا، بدل مما نحن فيه من حال وواقع ما حدا شايف حدا بهاي البلد،ولا حدا سائل عن حدا فيها كمان، فهل من مجيب.