في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تبدو المنطقة وكأنها تقف على شفا بركان قد ينفجر في أي لحظة. الأحداث الأخيرة في غزة والضفة ولبنان وإيران تشير إلى تحولات جذرية في ميزان القوى، مما يجعل احتمالات نشوب صراع واسع النطاق تزداد يوماً بعد يوم. عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل داخل الأراضي الإيرانية وفي ضاحية بيروت الجنوبية، واستهدافها لقيادات بارزة في "حزب الله" و"حماس"، ما هي إلا إشارات إلى مرحلة جديدة من الصراع قد تأخذ المنطقة إلى منعطف غير مسبوق.
منذ أكثر من عشرة أشهر، تدور رحى الحرب بين إسرائيل و"حماس" في غزة، حرب لم تهدأ نيرانها ولم تتوقف نتائجها المدمرة على المدنيين الأبرياء. ومع ذلك، فإن ما حدث في 7 أكتوبر وما تلاه من أحداث تصعيدية، يبدو أنه لم يكن سوى مقدمة لحرب أوسع. فإسرائيل، التي شعرت بتهديد وجودي بعد تلك الهجمات، تسعى الآن إلى استعادة هيبتها بأي وسيلة ممكنة، حتى لو كان ذلك يعني توسيع رقعة الصراع ليشمل لبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا.
تعتبر الاغتيالات الأخيرة، التي استهدفت قيادات في "حزب الله" و"حماس"، جزءاً من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى ضرب القوة المتزايدة لمحور المقاومة. هذه الاغتيالات، التي طالت فؤاد شكر في بيروت وإسماعيل هنية في طهران، تشير إلى أن إسرائيل مستعدة للذهاب بعيداً في تحقيق أهدافها الأمنية، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة مباشرة مع إيران. ورغم أن طهران وحلفاءها لم يتوانوا عن التهديد بالرد، فإنهم يواجهون معضلة معقدة: كيف يمكنهم الرد بطريقة تحفظ لهم ماء الوجه دون أن يتورطوا في مواجهة شاملة قد تكون نتائجها كارثية.
على الجانب الآخر، فإن التحركات الدبلوماسية الجارية تظهر أن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون تهدئة الوضع عبر إطلاق مبادرات تفاوضية جديدة بشأن غزة. إلا أن هذه الجهود تواجه صعوبات كبيرة، خاصة بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير، وهو ما يعقد الأمور أكثر. رغم أن واشنطن تحاول جاهدة إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، إلا أن الفجوة بين الواقع على الأرض والتطلعات الدبلوماسية تبدو واسعة جداً.
تزداد المخاوف من أن تتوسع رقعة الصراع لتشمل إيران ولبنان، حيث تدرك إسرائيل أن أي ضربة كبيرة لإيران لن تكون ممكنة دون دعم أمريكي. ومع ذلك، فإن الإدارة الأمريكية تبدو مترددة في منح الضوء الأخضر لعملية عسكرية كبيرة، ربما بسبب المخاوف من التبعات الجيوسياسية والإنسانية التي قد تنجم عن مثل هذا التصعيد. هذا التردد الأمريكي قد يمنح إيران بعض الوقت لإعادة ترتيب أوراقها، لكنه في الوقت ذاته يزيد من تعقيد المشهد ويجعل احتمالات التصعيد مفتوحة على مصراعيها.
أما بالنسبة لإيران، فإن الرد على الاستفزازات الإسرائيلية يمثل تحدياً كبيراً. طهران تدرك جيداً أن أي رد فعل عنيف قد يفتح الباب أمام مغامرة عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق، وهو ما تسعى إلى تجنبه بأي ثمن. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن لإيران أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التهديدات، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجهها. وهكذا، تجد القيادة الإيرانية نفسها في موقف لا تحسد عليه، حيث يتعين عليها تحقيق توازن دقيق بين الردع والحفاظ على الاستقرار.
وفي خضم هذه التوترات، يتفاقم الوضع الإنساني في غزة بشكل كارثي. المدنيون، الذين لا حول لهم ولا قوة، يدفعون ثمناً باهظاً لهذا العدوان المستعر. في الوقت الذي تتصاعد فيه الأعمال العسكرية، تبدو الحكومات غير قادرة على اتخاذ خطوات جادة لحماية أرواح الأبرياء أو لاحتواء الأزمة. ومع استمرار القصف والقتل، تتزايد معاناة المدنيين الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الحرب وسندان الحصار.
تبقى منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية بشكل يجعل من الصعب التنبؤ بما سيحدث في المستقبل القريب. الجميع يترقب بقلق متزايد ما يمكن أن تكون "الضربة التالية"، تلك الضربة التي قد تغير ملامح المنطقة بشكل جذري. في ظل هذه الظروف، تبدو المنطقة وكأنها تنتظر انفجاراً محتوماً، انفجاراً قد يعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط لعقود قادمة.