في الوقت الذي تتجه فيه انظار العالم الى الدوحة، حيث أنطلقت يوم الخميس 15/8/2024 مفاوضات لوقف الحرب في غزة، والتي يبدو بأنها تعثرت منذ أنطلاقتها او ما قبل أنطلاقتها، عندما أضاف رئيس حكومة الأحتلال شروطا أضافية تهدف بالدرجة الأولى لأفشال المفاوضات ضمن رؤيته للتمسك بالنصر الكامل، والتي بمقتضاها يرفض أي شكل من أشكال وقف العمليات القتالية والأنسحاب من قطاع غزة، قبل تحقيق هذا النصر الكامل الموهوم، والقضاء على حركة حماس وتدميرها وتحرير الأسرى الأسرائيليين،ومع تسلم السيد يحيى السنوار مقاليد الحكم بشكل كامل عبر اختياره بالأجماع رئيسا لأعلى هيئية تنيظمية في حركة حماس،وبسبب خبرته ودهائه في المفاوضات والتي لم يسبق لأي عربي في العصر الحديث ان عرفها، لأدراكه ومعرفته بالعقلية الصهيونية وطرق تفكيرها، لذلك سيرفض اي صفقة او هدنة لا تلبي الحد الأدنى من شروط المقاومة، ولا تكافيء الدماء الطاهرة الي سالت على أرض غزة،وفي ظل بقاء احتدام المعارك في غزة، ومحاولة رئيس وزراء دولة الاحتلال فتح جبهات حرب جديدة في الأقليم من أجل مصالحه الشخصية واعتقاداته التلمودية،فمفاوضات الدوحة المترنحة والمتأرجحة لم تعد مرتبطة حصرا بحرب غزة،ومصير رئيس حكومة الأحتلال نتنياهو، وأنما أصبحت مرتبطة اكثر بأمن الأقليم بأكمله،فالمنطقة تسير على خيط رفيع، وعلى شفير الهاوية،وامكانية حدوث انفجار كبير في الشرق الأوسط واردة جدا، في ظل سعى حكومة الأحتلال الاسرائيلي لسياسة أشعال الجبهات على عدة محاور، سعيا لاستخدام حلف الناتو لضرب ايران وباقي اعضاء محور المقاومة سواء اكان ذلك في لبنان او اليمن او العراق، وقد حشدت امريكا قوات كبيرة في الشرق الأوسط تحسبا لأية هجمات ضد دولة الاحتلال،والتي من المتوقع أن تتحول لحرب شاملة ستطيح بالسقف على رؤوس الجميع في حال اندلاعها.
ومع تسارع الأحداث السياسية والأمنية،وعلى وقع التصعيد الميداني في المنطقة، الذي ازداد سخونة مع نشر الاعلام الحربي التابع ل"حزب الله" يوم الجمعة مقطعا مصورا يظهر مدينة فولاذية تحت الجبال، تحوي منشأة لأطلاق الصواريخ تحمل اسم "عماد 4"مدته 4 دقائق ونصف، تبين القدرات الصاروخية للحزب تحت عنوان "جبالنا خزائننا"، وتخلله مقتطفات صوتية من تصريحات للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يعلن فيها جهوزية المقاومة لمواجهة اي عدوان أسرائيلي،وازاح مقطع الفيديو الستار عن انفاق عملاقة ومجهزة بأجهزة حواسيب وأضاءة وعمق وحجم يسمح بمرور الشاحنات والدراجات النارية،ويكشف عن متاهة رعب طويلة ومضيئة تحت الأرض وفي اعماق الجبال، حيث تتوارد اليها الشاحنات الواحدة تلو الأخرى دونما انقطاع، وفي النهاية تظهر منصات اطلاق الصواريخ التي يتم سحبها من باطن الأرض تحت اسم منشاة "عماد 4"، وبقراءة سريعة لهذا المشهد السريالي يمكن استنتاج عدة رسائل،اولاها: ان هذه المنشاة "عماد 4" واحدة من سلسلة منشأت لا يعلمها الأ الله والراسخون في المقاومة، وربما تكشف المقاومة لاحقا عن حلقات اخرى من هذه السلسلة، وثانيها: ان المقاومة تكشف عن قدراتها ببطء وحكمة وعقلانية حسب متطلبات الواقع الميداني وتطورات الأحداث العسكرية في الأقليم، وثالثها: يظهر الفيديو مدى الراحة العملياتية التي تعمل فيها المقاومة، وذلك عبر مدينة فولاذية وضمن بيئة سرية ومحصنة، ولا احد يعلم بدايتها او نهايتها الأ العارفون بمواطن العزة والكرامة والنخوة،ورابعها: ان المنشأة موجودة في عمق الأرض وهي ليست بعيدة عن أعين اجهزة الأستخبارات والرصد عبر كل وسائل التكنولوجيا الحديثة فحسب، بل توفر الحماية اللازمة والكافية من الاستهدافات المعادية،وخامسها:أن سرية المكان وحصانته تضمن تحييده عن اية ضربة استباقية اسرائيلية، وسادسها: ان هذه المدينة المحصنة تضمن للمقاومة في حالة استهدافها من قبل اسرائيل استخدامها المؤكد في اي استحقاق عملياتي للمقاومة، وتضمن لها ما يسمى في العلوم العسكرية استراتيجية القدرة على "الضربة الثانية" وسابعها: ان المنشاة بها فرق بناء وأمن وأطلاق احتياطي مخصصة، وتعمل هذه الفرق على أساس احداثيات محددة مسبقا لاطلاق العمليات.
وباستعراض سريع لمجريات عرض الفيديو وحالة التجاذبات المتدحرجة في الميدان بين الطرفين، نجد ان حزب الله اختار هذا التوقيت لنشر الفيديو لأدراكه بأن دولة الاحتلال تسعى لتفجير حرب في الشرق الأوسط، وبأنها لا تريد التهدئة، بل تسعى لمواصلة الحرب في غزة، وأفتعال حرب شاملة في الشرق الأوسط بمساعدة حلف الناتو،تتضمن ضرب ايران وأذرع المقاومة في اليمن والعراق ولبنان، والاستمرار في حرب الأبادة الجماعية في غزة، والسيطرة على الضفة الغربية عبر الاغتيالات والمصادرة والتهجير،وقد جاء هذا الكشف في سياق التصعيد العسكري المستمر في جنوب لبنان منذ 8 من اوكتوبر الماضي،وبالتزامن مع تصاعد التهديدات الأسرائيلية، وشن حرب شاملة على لبنان والمنطقة، وعلى وقع حراك دبلوماسي مكثف الى لبنان،شمل زيارات كل من الموفد الأمريكي عاموس هوكشتاين ووزير الخارجية الفرنسي ووزير الخارجية المصري، أضافة الى تواصل المفاوضات في الدوحة لوقف أطلاق النار في قطاع غزة، وبينما يوحي الحراك الدبلوماسي بمحاولة خفض التصعيد العسكري وتأجيل رد حزب الله على حادثة اغتيال القائد في حزب الله فؤاد شكر،يعد الفيديو رسالة واضحة بأن الرد قادم رغم تأخيره، وهو ما اكده الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بقوله "بيننا الليالي والأيام والميدان" موضحا قدرة المقاومة على اعادة رسم قواعد الأشتباك، وان المبادرة ستكون بيدها، ويظهر الفيديو القدرات الصاروخية للمقاومة، وعن مستوى عال من السرية والمتانة في تحصينات هذه المنشأت، وأن الطيور في وكناتها تنطلق عندما يصدر له الأمر بذلك.
وإزاء تدحرج قواعد الأشتباك، وارتفاع وتيرة التسخين والتقاذف بكرة اللهب بين الأطراف في ميدان المعركة، رأت وسائل اعلام اسرائيلية بأن فيديوا عماد 4 الذي نشرب حزب الله من داخل الانفاق يشكل تحذيرا أستثنائيا، مما يزيد من صعوبة أستهدافه ويجعل أطلاق الصواريخ عليه من هذه الأنفاق اكبر تحدي لجيش الأحتلال الأسرائيلي،وقد قرأ موقع يديعوت أحرونوت الأسرائيلي، فيديو عماد 4، بأنه كشف عن متاهة طويلة ومضاءة وشاحنات مرقمة،تمر الواحدة تلو الأخرى من دون ازعاج، فالمنشأه العسكرية هي مدينة تحت الأرض، مجهزة بالكامل،وموقعها مجهول، مع امكانية امتداد هذه الأنفاق الى اماكن غير معروفة، وقد تصل الى أراضي شمال فلسطين المحتلة، وان نشر الفيديو رسالة واضحة للأسرائيليين مفادها أن هذه المنشأت جزء من منطومة الصواريخ الخاصة بهم، والتي من المتوقع انها تحمل عدة ارقام من عماد 4 الى عماد 10 او اكثر من ذلك، وان هذا الكشف قد يردع دولة الاحتلال عن ارتكاب أي حماقة او تهور ضد جنوب لبنان،ويؤكد على الجهوزية العالية لدى الحزب لمواصلة القتال في الميدان وأطلاق الصواريخ، والتأكيد على توازن الردع المتعلق بالضغوط التي تمارس في المفاوضات الجارية في الدوحة لتحقيق انجار يتعلق بوقف اطلاق النار،ونخلص من ذلك كله بان حزب الله ارسل لدولة الاحتلال وايضا لمن يهمه الامر، رسائل النار والبارود، لعلمه بعبثية المفاوضات الجارية في الدوحة وعدم جدية دولة الاحتلال وامريكا للتوصل الى وقف اطلاق نار،واننا على شفير حرب أقليمية قد تندلع في أي وقت نتيجة أي خطأ صغير،فدولة الاحتلال لم تخف رغبتها في جر الولايات المتحدة الى حرب أقليمية مع ايران وحلفائها، وليس هناك شك في أن الحرب مع ايران وحزب الله والحوثيين ستكون مدمرة،فمع استمرار حرب الأبادة في غزة يتفاقم التوتر في الشرق الأوسط، وعلى الولايات المتحدة أن تسارع الى أطفاء الحريق بدل الأمعان في اشعاله،لأنها اول من يكتوي بنيران هذا الحريق في الشرق الأوسط،وأن أوهام النصر التي تعشش في عقل نتنياهو، ستتحطم على صخرة صمود غزة،وان أشلاء ودماء الشهداء الذين سقطوا،ستعيد كتابة التاريخ بأحرف من الغار والعز والشهامة في زمن الخذلان العربي والأسلامي لشعب فلسطين الذي ترك وحيدا في محاربة قوى الشر والأستعمار في العصر الحديث.