بدأت العملية العسكريّة والتي أطِلق عليها إعلامياً باسم "المخيّمات الصيفية" في شمال الضفة الغربية مضخّمةً إعلامياً والتي بدت كفقاعةٍ تسويقيّة، إذ أن الإعلام الموجّه الإسرائيلي بدأ بتسويق الرواية المعدَّة مسبقاً وهي أن شمال الضفة بات يشكل خطراً و يتواجد به عشرات الخلايا من المسلحين، رغم أن نَصبَ لافتة ( الإرهاب) من قِبلِ الاحتلال يكفي لقتل الفلسطينيين وترويعهم كما يفعل في قطاع غزة .
تندرج هذه العملية تحت إطار عمليات التأثير والوعي ضد الجمهور الصديق والعدوّ، بحيث أن الاحتلال يقوم بتسويق روايته أنه يقاتل على أكثر من جبهةٍ من غزَّة حتى الشمال مع حزب الله وحتى في الضفة، ويحاول الاحتلال تسويق روايته أنَّ قادرٌ على مواجهة التحديات من جبهات متعددة، أي انه يعتبر الضفة وخاصةً شمالها جبهة قتال، وكأنها عبارة عن تنظيم كامل !!، رغم أن الاحتلال هو من يقوم بفتح الجبهة ووضع اهدافها -المُنجزة مسبقاً قبل بدئها- وانهاءها في الضفة، لكنَّ الأهمَّ من ذلك هو عدم مجاراة الرواية الاسرائيلية او تصديقها، بمعنى أن ساحة الضفة هي عبارة عن ساحة تُحكِمُ المؤسسة الامنية والعسكرية السيطرة والتحكم فيها، والعمل المقاوم الموجود في شمال الضفة تحديداً رغم أن الجرأة والشجاعة هي منقطعة النظير، إلّا أنها لا تشكل تهديداً استراتيجياً ولا قتالياً ولا تُقارن بواقعِ غزَّة ولا تشكِّل جبهة قتال حتّى !، فجيش الاحتلال فعلياً لا يقاتل أحد بالمفهوم الذي يحاول تسويقه، إذ أنه يقتل شباناً يفعمون بالشجاعة والجرأة ويقاتلون بإمكاناتٍ بسيطةٍ في بقعةٍ تقع تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية الكاملة، فمقطع الاشتباك الذي نشره جيش الاحتلال مع وسام خازم ورفاقه الذين أبدوا شجاعةً وقوَّةً لا يمكن وصفها، مقابل ثلَّةَ أنذالٍ مدجَّجين بالسلاح والطيران المسيّر، والذي تحاول اسرائيل كيَّ الوعي بأنها تقاتل وجهاً لوجه في (جبهة الضفة) وأنهم يقومون بالإنجاز على أرض الواقع !!! رغم أننا لم نرَ مثل هذه المقاطع والاشتباك المباشر من نقطة صفر مع المقاومة الفعّالة في قطاع غزة سوى اشتباكٍ مع الجدران والأبواب ..
تحاول إسرائيل آنفاً كما ذكرنا في سياق عمليات التأثير والوعي وفي فقاعةٍ إعلاميّة أنها تقاتل على جبهات متعددة ومن ضمنها الضفة الغربية، كما أن اسرائيل تعمل على صهر الوعي الفلسطيني وخاصة بعد السابع من أكتوبر، وليس فقط صهره بل ومحاولة مسحه، فإسرائيل تعمل على تدميرٍ ممنهج وخطط درجٍ للبُنى التحتيّة في منطقة جنين حتى طال الدَّمار وفي سابقةٍ خطيرة منطقة الحي الشرقي والمربع التجاري والتي تحوَّلت لمنطقةٍ منكوبة .. تحاول اسرائيل أن تقضَّ مضاجع راحة الفلسطينين بعد السابع من اكتوبر، ورغم ان النظام العربي الرسمي كان له الموقف في قضية التهجير القسري (في سياق الحفاظ على الامن القومي لدولهم) إلّا أن اسرائيل تعمل على دفع السكان الفلسطينيين الى التهجير الطوعي، إذ عندما لا تتوفر أدنى مقومات الحياة من كهرباءٍ وماءٍ و وظيفة، فعندها ستكون الوجهة هي هجرة او نزوح طوعيّ ..
وفي السِّياق ذاته تعمل إسرائيل على إضعاف السلطة سياسياً بالطريقة التي تخدم ما يُسمَّى (اليوم التالي للحرب على قطاع غزة)، والعملية العسكرية في جنين تُوظَّف في هذا السِّياق الذي يهدد الوجود السياسي الفلسطيني وتحاول مسحه فيزيائياً بعد أن أغلقت ابوابه السياسية منذ سنوات والذي اصبح جسماً لا يتجاوز الجسم البيروقراطي الوظيفي، وتمهيداً لعدم الرجوع للواقع الذي كان الفلسطينيون يعيشونه قبل السابع من اكتوبر، في سياق فرض واقعٍ أمنيّ جديد بما يخدم الأبعاد الاستراتيجية للمنظومة الامنية الاسرائيلية .
ما يميِّز هذه العملية العسكرية هو ضخامة الكذب والنذالة التي لا يضاهيها شيء، و المطلوب هو عدم تصديق الرواية الاسرائيلية وإدراك وعي الواقع الذي هو من أهم مقومات الصمود وصدق السرديّة الفلسطينية ضد آلة القتل والكذب الاسرائيلية .