المقال الذي نشره رئيس الوزراء الفلسطيني في صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 12/9/2024 يعكس محاولة لكسر حاجز الحصار الدولي المفروض على السلطة والرفض المستمر للتعامل معها كشريك سياسي كامل الاهلية، وبذات الوقت يقدم من خلاله رؤية غير مكتملة من الناحية السياسية لليوم التالي داخليا.
حاول رئيس الوزراء تقديم مقاربة الاعتماد على الذات دون القدرة على العمل بالذات، واطلق العنان لخيارات نعتقد ان جزء منها قد تجاوزته الاحداث والتطورات الميدانية.
المقال يمثل محاولة لاستعادة زمام المبادرة وان الحكومة الفلسطينية الحالية قادرة على القيام بمهامها في الضفة الغربية رغم كل ما يجري فيها وفي غزة في اليوم التالي للحرب ان توفرت الارادة الدولية وترك الفلسطينين لخياراتهم.
قد يذهب البعض في القول ان توقيت المقال ومكان نشره ولغته وطريقة استعمال الكلمات فيه يبعث على السؤال الاساسي، لماذا نحتاج الى مقالات منشورة والامور على الارض كلها موتورة؟ّ!!! وهل المقال جاء كاستحقاق لمرحلة جديدة بدأت او محاولة اعتراضية وحكيمة لافشال خطط للاخرين قد قدمت واخرجت للتنفيذ؟ السؤال الاهم ، هل هذا المقال هو المحاولة الاخيرة لانقاذ السلطة سياسيا، وانها قادرة على تمثيل الادارة التنفيذية وبالتالي السياسية للشعب الفلسطيني؟
المقال في المقدمة تناول معاناة الشعب الفلسطيني والقتل والدمار في المدارس والمستشفيات والخوف والرغبة بالخروج منها وان بكاء الاطفال لا يتوقف والاباء لا يتوقفون عن محاولات الدفاع عن حياة ابنائهم، وان الشعب الفلسطيني رغم تعرضة لجرائم الحرب والمذابح يرفض الاستسلام، وان كل ما يجري سببه الاحتلال والحرب.
يقدم الدكتور رؤيته التي ستجعل "فلسطين واحدة" ثم يلخصها بخمس اساسيات تتمثل بالاغاثة والتعافي المبكر ويؤكد فيها على التعاون مع وكالة الانروا وهذا موقف سياسي برفض تجاوز الاونروا وبالتالي رفض لاي تغييب لقضية اللاجئين، ويتحدث عن تعاون تام بين الحكومة والامم المتحدة والمانحين والمؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في قطاع غزة.
يحدد ان لجنة اعادة الاعمار ستشكل لتنسيق كافة المساعدات من خلال الحكومة. ثم ينتقل الى المحور الثاني من الرؤية من خلال انشاء جسم مستقل ماليا واداريا لاعادة الاعمار والتعافي طويل الامد يخضع للتدقيق المالي وفقا للمعايير الدولية وتكون منفصله تماما عن السلطة ، تتكون من عدد من الشخصيات الفلسطينية المشهود لها ومن ضمنها شخصيات فلسطينية تعيش في المنفى (الشتات) وهذه رسالة ممتازة لوحدة الشعب الفلسطيني، بالتوازي فان سيتم انشاء صندوق اعادة اعمار غزة في البنك الدولي مع اشراف مالي وارشادات مقدمة من مجلس استشاري دولي، اي انه وضع في المقترح المال لدى البنك الدولي ولم يحدد طبيعة المجلس الاستشاري وممن سيتكون، وكيف سيتم الربط ما بين الوكالة المستقلة لقيادة وتنسيق وادارة جهود اعادة الاعمار والصندوق الذي سيتم تشكيله لدى البنك الدولي. وفي المحور الثالث يتحدث عن الامن وسيادة القانون فيحدد ان الحديث عن جهاز الشرطة المدنية الذي سيتم تشكيله سيتم بالتنسيق مع الهيئات المحلية لضمان حكم محلي خدمي فعال،وهذا امر مثير للتساؤل حول الدور للهيئات المحلية ما بعد الحرب؟! وقد تطلب الحكومة المساعدة الامنية الدولية حسب الحاجة، والاستعانة وبشكل مؤقت لادارة الحدود مع قطاع غزة من خلال البعثة الاوروبية. اما عند الحديث عن المؤسسات والخدمة المدنية فان الحديث يقتصر عليها دون التطرق لاي اجسام سيادية وهذا امر ملفت للانتباه ويثير عدد من الاسئلة نقترح على الدكتور محمد مصطفى الاجابة عليها في مقال اخر. ثم يعيد التاكيد في المحور الخامس على اعادة عمل مؤسسات الحكم المحلي من خلال التعيين المباشر عبر رئيس الحكومة، وعليه فاننا نسجل عدد من الملاحظات هي:
1. المقال اشارة الى امكانية قبول تواجد دولي امني مع ان العبارة المستخدمة لا تعتبر جازمة بل انها مموهه ولا تنشا التزام على الحكومة بقبول التواجد الامني الدولي .عندما استخدم تعبير باللغة الانجليزية (international security assistance may be needed)
2. المقال قد يفهم منه وضع قطاع غزة تحت ادارة مالية من قبل البنك الدولي، وادارة الحدود من قبل بعثة الاتحاد الاوروبي. واعادة الاعمار الى هيئة مستقلة من عدد من الشخصيات الفلسطينية المحلية والمقيمة في الشتات (المنفى).فاين التمثيل السياسي الفلسطيني اذن؟ وهل ستوافق فتح وحماس والجهاد على ذلك.
3. المقال يخضع افراد الشرطة الى الفحص لكي يتم التاكد من صلاحيتهم وقدرتهم على العمل، وكلمة (vetting ) تعني وبشكل واضح موافقة الامريكي والاسرائيلي على ذلك.
4. المقال يوافق على ادارة حكم محلي لقطاع غزة مع قوة شرطية مدنية بالتنسيق مع الهيئات المحلية، اي ان تعيين الشرطة سيتم بالتنسيق مع الهيئات المحلية وهذه العبارات للاسف تذهب بنا الى غياب اي دور سياسي او منظومة سياسية لمدة عام بعدها تجري انتخابات للهيئات المحلية ولا حديث عن التحضير لانتخابات عامة سياسية على المستوى الوطني!
5. المقال يتحدث عن تعيين عدد من الدوائر الحكومية بشكل مؤقت ولمدة عام .كما انه يستخدم تعبير السلطة الفلسطينية وليس دولة فلسطين، مع ان هناك مرسوم بالزامية استخدام دولة فلسطين!
6. المقال يعيد شعبنا الى امكانية وجود البعثة الاوروبية على الحدود المصرية وعلى باقي الحدود، ونحن نعلم ان هذه الفكرة قد طوتها الاحداث وتجاوزتها التطورات.
7. قد يفسر البعض المقال انه موافقة على ادارة حياتنا من قبل البنك الدولي والجهات الدولية لانعدام الثقة بنا وهذا المسار ان دخلناه لن نخرج منه بسهولة وقد يؤدي الى وضعنا تحت الوصاية الدولية بحيث نصبح مصابين بالاحتلال والادارة المالية والامنية الدولية ، مما قد يفسره البعض اننا رضينا باعلان الهزيمة السياسية، مع اننا على قناعة ان مقال الدكتور لا يهدف باي حال من الاحوال القبول بالاستسلام بل محاولة لاستعادة الكرامة لشعبنا باقل الخسائر السياسية.
هذه قراءة اولية لخطة الدكتور محمد مصطفى التي ترتكز على مفاهيم قد تكون منتجة من الناحية العامة الا ان الواقع السياسي والميداني في غزة والضفة يتطلب من الدكتور اعادة النظر في عدد من النقاط وتطويرها وفقا لواقع الحال واعادة نشرها باللغة العربية ومن ثم اعادة نشرها للمجمتع الدولي، مع كل ما ذكر نتمنى لشعبنا النجاة مما نحن فيه من محاولات التصفية والتهجير والانتصار لحماية مستقبلنا فوق ارضنا.