اقتصاد صدى - أصدر مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي الورقة الثالثة ضمن الأوراق السياساتية "سلسلة أي إصلاح نريد" التي يصدرها المركز للعام 2024. تتناول هذه الأوراق قضايا سياساتية داخلية وخارجية تهم المجتمع الفلسطيني وصانع القرار.
وجاء في الورقة التي نشرها المركز: "أعاد تعديلُ قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين "تقاعد السياسيين"، تجاه منح هذا النوع من التقاعد لحاملي درجة الوزير من رؤساء المؤسسات العامة، النقاش في مدى مشروعية تقاعد السياسيين وانسجامه مع قواعد وأحكام القانون الأساسي، وحجم تكلفة تقاعد السياسيين على خزينة الدولة، والأعباء التي يفرضها على جيوب المواطنين خاصة على الأجيال القادمة في ظل الأزمة المالية المزمنة لخزينة الدولة، ومدى احترام المبادئ الفلسفية لنظام الحماية "الضمان" الاجتماعي والالتزام بأُسس وقواعد نظام التقاعد العام في دولة فلسطين، والحفاظ على الأموال العامة ومنع استسهال فرض التزامات مالية غير مستحقة. وفي الوقت نفسه ضمان الاستخدام الأمثل للمال العام وسلامة إنفاق أموال دافعي الضرائب من أجل تحسين الخدمات العامة وتلبية احتياجات المواطنين. وذلك جميعه بما ينسجم مع سياسة الحكومة لترشيد الإنفاق العام ووقف أي أعباء مالية إضافية في إطار عملية الإصلاح الشاملة".
أُضيف على مدار العشرين عاماً منذ إقرار قانون تقاعد السياسيين؛ الخاص بتقاعد الوزراء والنواب والمحافظين، فئات جديدة بقوانين خاصة مثل؛ قانون ديوان الرئاسة، وقانون ديوان الرقابة المالية والإدارية، وقانون مكافحة الفساد، وقانون المحكمة الدستورية العليا. ضَرَبَ قانون تقاعد السياسيين منذ العام 2004 أسس نظام التقاعد والضمان الاجتماعي، المتعارف عليها عالميا، القائم على أساس الدفع المسبق لاستحقاقات مستقبلية، بالإضافة إلى أنّ هذا الدفع ينبغي أن يكون لعدد من السنوات كحدٍ أدنى للحصول على هذا النوع من الاستحقاق؛ في فلسطين اتفقوا قانونياً على أن يكون خمسة عشر عاماً على الأقل للحصول على تقاعد الشيخوخة. كما أنّه خلق أعباء مالية على الخزينة العامة دون القيام بدراسة أو احتساب للالتزامات المالية اللاحقة على الخزينة العامة ودافعي الضرائب والأجيال القادمة.
تستعرض هذه الورقة مدى مشروعية "قانونية" القسم الخاص بالرواتب التقاعدية في قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لسنة 2004 وتعديلاته "قانون تقاعد السياسيين"، وثم تعرض التكلفة المالية المحتملة لتطبيق هذا القانون على الأجيال القادمة بما فيه القوانين الأخرى التي منحت بعض رؤساء المؤسسات العامة تقاعد الوزراء وقضاة المحكمة الدستورية تقاعد النواب، ومن ثم الخيارات الإصلاحية المتاحة لتقليص الأعباء المالية لنظام تقاعد السياسيين؛ بحيث تقدم هذه الورقة مقترحات عملية لمعالجة لما ترتب على قانون تقاعد السياسيين ومَنْ استفاد منه ممن تمت إضافتهم من فئات جديدة لهذا النوع من التقاعد، والذين يمكن أنْ يتولوا مناصب "سياسية" لاحقاً، وذلك بهدف تحقيق إصلاح جدي لهذه النفقة من خلال وقف هذا النوع من التقاعد الذي خالف غايات المشرع الدستوري ويثقل كاهل الخزينة العامة ويحمل أعباء إضافية لدافعي الضرائب والأجيال القادمة.
محاولات مستمرة لتوسيع شريحة الحاصلين على تقاعد السياسيين
تظهر السوابق في هذا الموضوع وجود ثلاث محاولات لتوسيع الفئات المستفيدة من قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم (11) لسنة 2004م ضم من يحملون درجة وزير لقانون تقاعد السياسيين، حيث أُدرج على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء في الأسبوع الثاني من تشرين الأول / أكتوبر 2014 مشروع قرار بقانون من بند واحد يتعلق بتقاعد بعض المستشارين ورؤساء المؤسسات الوزارية غير الحكومية الذين يعينون بدرجة وزير؛ ينص هذا المقترح على "كل من حصل على درجة وزير يحصل على تقاعد الوزير". لكن الحكومة لم تستمر بالنظر فيه بعد معارضة من قبل باحثين وإعلاميين آنذاك.[2]
وفي العام 2020 صدر قرار بقانون رقم (4) لسنة 2020م بشأن تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم (11) لسنة 2004م وتعديلاته[3] تم فيه إضافة مادة جديدة إلى القانون الأصلي بعد المادة (11) تحمل رقم (11) مكرر، وذلك على النحو التالي:" باستثناء من نظمت حقوقهم بأنظمة خاصة، يستحق من عين بدرجة وزير ويشعل رئاسة مؤسسة عامة ومن في حكمهم، ما يستحقه الوزير من حقوق تقاعدية وفقاً لأحكام هذا القانون، على أن ترد لهم اشتراكاتهم وللخزينة العامة حصتها، وتتولى هيئة التقاعد الفلسطينية تنظيم ذلك". لكن مع الاحتجاجات التي رافقت إصدار هذا القرار بقانون عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقيام رئيس الحكومة آنذاك د. محمد اشتية بالاعتراض عليه[4] تم إلغاء القرار بقانون بحكم القرار بقانون رقم (14) لسنة 2020م بشأن إلغاء قرار بقانون رقم (4) لسنة 2020م بشأن تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم (11) لسنة 2004م وتعديلاته[5].
وفي العام 2024، أصدرَ الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتاريخ 30 حزيران 2024 قراراً بقانون رقم 8 لسنة 2024 بتعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لسنة 2004 وتعديلاته الذي نشر في الوقائع الفلسطينية رقم 217 الصادر بتاريخ 26/8/2024. بموجب هذا التعديل تمت إضافة صنف جديد لمن يحظون بتقاعد السياسيين وهم الموظفون العامون ممن يتولون رئاسة مؤسسات عامة ويحملون الدرجة الخاصة "درجة وزير"؛ وذلك من خلال تعديل المادة الأولى من القانون رقم 11 لسنة 2004 المتعلقة بالتعريفات حيث أصبح مدلول كلمة الوزير الواردة في هذا القانون ما يلي "الوزير: وهو عضو الحكومة، أو من في حكمه ممن يعين أو يشغل رئيساً لدائرة حكومية بدرجة وزير"
مدى مشروعية تقاعد السياسيين
استند المجلس التشريعي الفلسطيني لإصدار قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم (11) لسنة 2004م وإحداثه ما يسمى بتقاعد السياسيين على القانون الأساسي المعدل وتفسيره لأحكام المواد (55) و(81) منه دون ذكرهما في ديباجة القانون؛ وذلك بمنح تقاعد لمن حصلوا على مناصب سياسية الوزراء والنواب، وأضاف صنف غير سياسي "المحافظين" يخضع لقوانين وأنظمة إدارية مختلفة "قانون الخدمة المدنية وقانون الخدمة لقوى الأمن الفلسطيني".
استخدم المشرع الدستوري صيغ مختلفة في التعاطي مع النواب والوزراء والرئيس، فقد تحدثت المادة 55 عن مكافآت، فيما المادة 81 تحدثت عن مخصصات، بينما نصت المادة 44 على مخصصات وتعويضات الأمر الذي يستشتف منه أن المشرع الدستوري أراد معاني ومفاهيم مختلفة لكل صنف منهم ما يحمل على الشك في تعاطي المشرع العادي مع الشق الخاص بتقاعد السياسيين "الوزراء والنواب والمحافظين" ومن حصل على هذا النوع من التقاعد بحكم قوانين خاصة، سواء بإخفاء نصوص المادتين 55 و81 في ديباجة القانون أو وجود شبه تضارب مصالح من خلال قيام المجلس بإقرار امتيازات غير منصوص عليها في القانون الأساسي لأعضائه والاستفادة منها.
(1) قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لسنة 2004[6]
يمنح قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لسنة 2004 وتعديلاته نظام تقاعد خاص يختلف عن قواعد ونظام التقاعد العام، حيث منح حصة التقاعد للنائب بقيمة 12.5% مكافأة عن كل سنة يقضيها في النيابة، أيّ في غضون أربع سنوات يحصل على 50% من راتبه. أما الوزير فيحصل على 20% من المكافأة عن كل سنة يقضيها في الحكومة أيّ في غضون أربع سنوات يتحصل على 80% من راتبه، فيما يحصل المحافظ على 10% عن كل سنة يقضيها في منصبه. مقارنة بـ 2% للموظفين العامين عن كل سنة يقضونها في الخدمة العامة أيّ في غضون ثلاثين سنة يحصلون على 60% - 70%من رواتبهم.
(2) قانون مخصصات وتعويضات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية رقم (18) لسنة 2005م[7]
منح القانون رقم 18 لسنة 2005 رئيس السلطة/الدولة بعد تركه منصبه مكافأة شهرية تساوي (80%) من المبلغ الإجمالي المحدد للمخصص الشهري مربوطاً بجدول غلاء المعيشة، وفي حال وفاته يصرف كمعاش لأسرته وفقاً لأحكام قانون التقاعد.
(3) قرار رقم (61) لسنة 2010م بشأن تحديد الراتب والحقوق المالية لرئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية، والقرار بقانون رقم (18) لسنة 2017م بشأن تعديل قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية رقم (15) لسنة 2004م
منح القرار الرئاسي رقم 61 لسنة 2010[8]، ومن ثم تمت تسويته بقرار بقانون رقم (18) لسنة 2017م بشأن تعديل قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية رقم (15) لسنة 2004م[9]، رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية تقاعد الوزير حيث نصت المادة الثالثة من القرار بقانون المعدلة للمادة 10 من القانون الأصلي على "يتقاضى رئيس الديوان راتباً يعادل الراتب المخصص للوزراء، ويتمتع بالامتيازات الممنوحة لهم. ب. يستحق رئيس الديوان أو ورثته من بعده مبلغاً يساوي (%20) من الراتب الشهري عن كل سنة قضاها في الديوان بحد أقصى لا يتجاوز (%80) من المبلغ الإجمالي المحدد للراتب الشهري، مربوطاً بجدول غلاء المعيشة، يصرف شهرياً فور شغور مركزه، ولهذه الغاية تحسب كسور السنة سنة كاملة. ج. استثناءً من أحكام البندين (أ، ب) من هذه الفقرة، يجب ألا يقل الراتب التقاعدي لرئيس الديوان عن (%50) من الراتب الشهري، أياً كانت المدة التي قضاها في المنصب. د. يعامل رؤساء الديوان السابقين وكأنهم عملوا وفقاً لأحكام هذا القرار بقانون وتنطبق عليهم أحكامه.
(4) قرار بقانون رقم (27) لسنة 2019م بشأن تعديل قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005م وتعديلاته[10]
منحت المادة 2 من القرار بقانون على "يعدل نص الفقرة (3) من المادة (3) من القانون الأصلي، ليصبح على النحو التالي: يعين رئيس الهيئة بقرار من رئيس الدولة بناءً على تنسيب مجلس الوزراء، ويتقاضى رئيس الهيئة راتباً يعادل الراتب المخصص للوزير، ويتمتع بالامتيازات والحقوق التقاعدية الممنوحة له".
(5) قرار بقانون رقم (5) لسنة 2020م بشأن ديوان الرئاسة الفلسطينية[11]
نصت المادة الخامسة من القرار بقانون رقم 5 لسنة 2020 على "... 2. استثناءً مما ورد في أي تشريع آخر، يعين رئيس الديوان بقرار من الرئيس، ويتقاضى راتباً يعادل الراتب المخصص للوزير، ويتمتع بالامتيازات والحقوق التقاعدية الممنوحة له".
(6) قرار بقانون رقم (32) لسنة 2022م بشأن تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (3) لسنة 2006م وتعديلاته[12]
منح القرار بقانون رقم 32 لسنة 2022 قضاة المحكمة الدستورية تقاعد أعضاء المجلس التشريعي حيث نصت المادة 9 منه على "تعدل الفقرات (1، 2، 3) من المادة (14) من القانون الأصلي لتصبح على النحو الآتي: 1. يستحق رئيس المحكمة ونائبه وأعضائها أو ورثتهم حال تقاعدهم راتبًا تقاعديًا بواقع (12.5%) عن كل سنة قضاها في الخدمة، بما لا يقل عن (50%) ولا يزيد على (70%) من إجمالي الراتب، وبما لا يجحف بحقوق القضاة وأعضاء النيابة السابقين. 2. تنطبق أحكام الفقرة (1) من هذه المادة على رئيس المحكمة ونائبه وقضاتها في حالة قبول الاستقالة والمصادقة عليها، شريطة توفر مدة خدمة في المحكمة لا تقل عن ثلاث سنوات. 3. لا يجوز لرئيس المحكمة ونائبه وأعضائها الجمع بين الراتب الشهري أو أي راتب تقاعدي آخر من الخزينة العامة".
بالنظر إلى أحكام القانون الأساسي المعدل، فإنّ المشرع الدستوري قصد أنْ تكون المكافآت والمخصصات ناجمة عن طبيعة الوظيفة التي يؤديها أعضاء المجلس التشريعي والوزراء أعضاء الحكومة، حيث لم يُشر لأية تعويضات أو رواتب تقاعدية في المادتين (55 و81) من القانون الأساسي المعدل والمتعلقتين بالنواب والوزراء التي اكتفى بالنص على مصطلحي المكافآت والمخصصات، فيما أشار بوضوح في المادة 44 من القانون الأساسي المتعلقة بالرئيس إلى التعويضات "تحدد بقانون مخصصات رئيس السلطة الوطنية وتعويضاته". أي بمعنى آخر المشرع الدستوري لم يمنح رواتب تقاعدية للوزراء والنواب أو النص على تنظيمها في قانون ما يحيل إلى أنّه أراد احترام قواعد القانون العام فيما يتعلق بالتقاعد والتي تنظمها القوانين الخاصة بالتقاعد السارية المفعول، ولم يمنح تمييزا للنواب والوزراء كي لا يخالف أحكام القانون الأساسي خاصة المادة 9 منه التي تنص على أنْ " الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة".
لكن المشرع الفلسطيني عند إقراره قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين عام 2004 تزّيد في مسألة الحقوق المتعلقة بأعضاء المجلس التشريعي والحكومة نحو وضع نظام تقاعدي خاص لهم على حساب الخزينة العامة من جهة، وتمت إضافة المحافظين إلى القانون على الرغم من أنّهم ليسوا بسياسيين وهم بالأساس موظفون يخضعون لقوانين تنظم حقوقهم "الوظيفية" الآنية والمستقبلية لدى التقاعد".
بالإضافة إلى مخالفة المشرع الفلسطيني لنصوص القانون الأساسي فيما يتعلق بفرض نوع جديد من التقاعد دون سند دستوري كما أشرنا أعلاه، فإن المشرع خالف بذلك قواعد القانون العام المتعلقة بمبادئ العدالة الاجتماعية وقاعدة المساواة أمام القانون المنصوص عليه في القانون الأساسي المعدل من جهة. ومن جهة ثانية قَوَضَ أسس نظام التقاعد، المتعارف عليها عالميا، القائم على أساس الدفع المسبق لاستحقاقات مستقبلية، أيّ الدفع في زمن الشباب لتأمين شيخوخة آمنه، بالإضافة إلى أنّ هذا الدفع ينبغي أنْ يكون لعدد من السنوات باعتبارها حدا أدنى للحصول على ذلك الاستحقاق؛ في فلسطين اتفقوا قانونيا على انْ يكون خمسة عشر عاماً على الأقل للحصول على تقاعد الشيخوخة. كلا الحالتين لا تنطبق على تقاعد السياسيين؛ فالموظفون يدفعون من رواتبهم 10% شهرياً للتقاعد، بعد العام 2005 يدفعون 7%، لكن الوزراء النواب لا يدفعون أو لا يساهمون في تقاعدهم بأيّ نسبة من مكافآتهم. ومن جهة ثالثة حمّل خزينة الدولة أعباء مالية إضافية تدفعها الأجيال القادمة دون وجه حق.
كما خالف قانون تقاعد السياسيين والفئات التي حصل على هذا عليه من غير السياسيين مفهوم المصلحة العامة؛ وهي تنطوي بالضرورة على حماية حقوق الإنسان، والحريات العامة، واحترام احتياجات الأقليات، وتحقيق العدالة والحد من أوجه عدم المساواة، ووجود مؤسسات فعّالة ومساءلة، ويتناقض مع إعمال مبدأ "المعقولية" فهل معقولاً أنْ يحصل شخصاً يتولى منصباً عاماً تقاعداً دون أنْ يشارك في صندوق تقاعد، أو أنْ يحصل على عشر أو ستة أضعاف النسبة السنوية المحتسبة لأغراض الراتب التقاعدي لموظفي الدولة.
التكلفة المالية لتقاعد السياسيين للعشرين عاماً القادمة
عادة تقاس التكلفة المالية لنص يفرض استحداث نفقة مستمرة أو امتياز محدد لمنصب أو مناصب متعددة بحجم تأثيرها على المدى المتوسط والطويل على الخزينة العامة "أي الأعباء المالية المتولدة عنها"، ومدى الاستفادة منها للمجتمع، والأعباء التي ستفرض على المواطنين "دافعي الضرائب" بما يتضمن ذلك الأجيال القادمة. إن قانون تقاعد السياسيين يضع أعباءً ماليةً على الخزينة العامة ويزيد من النزيف المالي للدولة؛ خاصة أن الرواتب التقاعدية ستصرف من الخزينة العامة كأي نفقة أخرى من جهة، ويحرم صندوق التقاعد في هذه الحالة من توريد الاشتراكات والمساهمات من الأشخاص الذين ينتمون لهذه الفئة من جهة ثانية.
إنّ قراءة اجمالية لحجم الإنفاق المحتمل من الخزينة العامة على تقاعد السياسيين[13] (الوزراء والنواب والمحافظين ورؤساء المؤسسات العامة وقضاة المحكمة الدستورية) على مدى السنوات العشرين القادمة يقدر بحوالي 785 مليون شيكل مما يثقل كاهل الخزينة العامة. وذلك بعد احتساب الفقدان من أعداد المتقاعدين يتراوح بين 50% إلى 20% من بعض الفئات الحاصلة على تقاعد السياسيين.
من الملاحظ أنّ متوسط أعمار الوزراء في الحكومتين الأخيرتين يبلغ 60 عاماً فيما أن بعض الوزراء والنواب سيحصلون على رواتب تقاعدية لأكثر من 30 عاماً خاصة أولئك الذين بدأوا مناصبهم السياسية ما بين 30 و40 عاماً. كما تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الورقة لم تأخذ بالنظر تكلفة تقاعد أعضاء المجلس التشريعي في السنوات القادمة في حال أجريت الانتخابات البرلمانية، كما لم يتم احتساب تكلفة من حصلوا على "درجة محافظ وورثتهم" وعينوا في وظائف استشارية أو عملية سوى مدير عام إدارة المعابر والحدود الذي حسب مع رؤساء المؤسسات العامة، والمحافظين السابقين وورثتهم الذين يحصلون على رواتب تقاعدية إلى اليوم.
تعد هذه تكلفة مرتفعة على الخزينة العامة خاصة أنّ تراكمها يمكن أنْ ترتفع في حال عادت الحياة البرلمانية من جديد في السنوات القادمة، كما سترتفع أيضا في حال نجحت المحاولات المتكررة لإضافة فئات وأشخاص للمنتفعين من تقاعد السياسيين. وبغض النظر عن ذلك، فإن هذا النوع من التقاعد يشكل نزيفاً مستمرا للمال العام يرهقها بشكل متصاعد ما يضع أعباء على الأجيال القادمة ويقلل من حظوظ استثمار هذه الأموال في تطوير الخدمات العامة التي تقدمها الدولة لمصلحة المواطنين.