(1) الحسم في خطاب ولي العهد السعودي
حسم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في خطابه أمام مجلس الشورى الأربعاء الفارط بوضوح موقف المملكة العربية السعودية من مسألة إقامة علاقات دبلوماسية "ما يعرف شعبياً بالتطبيع" الذي اشترط قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية قبل إقامة مثل هكذا علاقات. في ظني أن هذا الوضوح جاء استمراراً لسياسة المملكة إزاء القضية الفلسطينية، وتعزيزاُ لمكانة المملكة التي تتبوّؤها في العالمين العربي والإسلامي وتأثيرها كفاعل مؤثر فيهما وفي رسم السياسات الخاصة بهما إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما أنّ هذا الوضوح في الموقف أوقف هذيان البعض للعبث في العلاقة السعودية الفلسطينية خاصة بعض المغردين وناشطي "السوشيال ميديا"، وأراح الفلسطينيين في إطار النقاشات المتعددة أو التخوفات التي ساورت البعض منهم في السنة الفارطة.
شكل هذا الموقف الواضح انسجاماً مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي شاركت المملكة بصياغته وتقديمه؛ الخاص بفتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وعدم جواز استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، دفعة جديدة للموقف الفلسطيني وتعزيز مساره السياسي والدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية.   
(2) عقلنة خطاب السيد حسن نصرالله
حَمَلَ خطابُ أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ذي الطبيعة الهادئة أمس على الرغم من المصاب الجلل إثر التفجيرات التي ضربت أجهزة البيجر والـووكي توكي، ثلاثة قضايا رئيسية؛ الأولى: الاعتراف بتلقي الحزب ضربة قوية وكبيرة وغير مسبوقة "لا شك في أننا تعرضنا لضربة كبيرة أمنيا وإنسانيا وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان على الأقل"، وهو أمرٌ محمودٌ في السياسة لناحية معرفة القدرة وتحديد المسؤولية. والثانية: استمرار مساندة الشعب الفلسطيني في جبهة المساندة الشمالية وفقاً لقواعد الاشتباك "المنضبطة" على مدار الأشهر الأحد عشر الماضية والفصل بينها وبين الرد على جريمة الاغتيال الجماعي التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في حادثة تفجيرات أجهزة "البيجر والـووكي توكي"، والثالثة: التحول في المعركة وطبيعتها في حال قامت الحكومة الإسرائيلية باجتياح بري للأراضي اللبنانية.
عقلنة الخطاب أو ردود الأفعال مهمة في السياسة وفي الظروف المتوترة خاصة عندما يكون السياسي أو الزعيم قادراً على معرفة قدراته وإمكانياته خصمه، والقوى المؤثرة في طبيعة اتخاذ القرار وتأثيراتها الآنية والمستقبلية على الحزب وشركاه ومحيطه؛ خاصة بعد التضامن الواسع الذي حصل عليها الحزب في المجتمع اللبناني إثر عملية الاغتيال الجماعي التي قامت أو حاولت القيام به الحكومة الإسرائيلية يوم الثلاثاء والأربعاء الفارطين.
     
(3) الهامُ في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 
في ظني أنّ الأمر الهام والجديد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بفتوى محكمة العدل الدولية، يأتي في موضوعين؛ الأول شكلي: كون دولة فلسطين هي التي قدمت مشروع القرار بالتعاون مع عدد من الدول كما هو مبين في مقدمة مشروع القرار؛ وذلك بعد منح دولة فلسطين بعض امتيازات الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة استثناءً في نيسان/ ابريل الفارط.
والثاني: موضوعي في مسألتين، بالإضافة إلى مسائل أخرى، هما؛ مسألة تحديد آجال زمنية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومسألة الانتقال لمطالبة جميع الدول اتخاذ تدابير وإجراءات بموجب القانون الدولي بما في ذلك وقف توفير أو نقل الأسلحة والذخائر والمعدات لإسرائيل في الحالات التي تتوفر فيها أسباب معقولة للاشتباه في انها تستخدم في الأرض الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يهيئ لبدء مقاطعة اقتصادية للحكومة الإسرائيلية على غرار ما حدث مع حكومة التمييز العنصري في جنوب افريقيا في ثمانينات القرن الفارط.