صدى نيوز - قفزت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة يوم أمس الخميس، لتتفوق ارتفاعات المعدن الثمين على نظيرتها لمؤشرات وول ستريت وعوائد سندات الخزانة الأميركية والدولار، ما يسلّط المزيد من الضوء على صعود الذهب، ويثير تساؤلات بشأن أسباب ومدى إمكانية استمرار هذا الاتجاه في الفترة المقبلة.
ولامست الأسعار الفورية للذهب مستوى 2685.37 دولار للأوقية، مسجلة أعلى مستوياتها على الإطلاق قبل أن تتراجع قليلاً، فيما لامست العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر كانون الأول أعلى مستويات اليوم عند 2708.70 دولار للأوقية.
أسباب صعود الذهب
حقق سعر الذهب صعوداً تجاوز 29 في المئة منذ بداية عام 2024، متخطياً ارتفاعاً بلغ 20 في المئة لمؤشر إس آند بي 500، و11.9 في المئة لمؤشر داو جونز الصناعي، بالتزامن مع تراجع عوائد سندات الخزانة الأميركية بنحو 1.5 في المئة.
وعلى مدار الأسبوع الماضي والأسبوع الحالي تجاوزت ارتفاعات الذهب 3.7 في المئة، منذ أن أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن خفض أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس، في أول خطوة منذ مارس آذار 2020، ولكن هل خفض الفائدة هو السبب وراء هذه الارتفاعات القوية للذهب؟
التوترات الجيوسياسية
يرى خبراء اقتصاديون، أن تفاقم الصراع في منطقة الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة وظهور احتمالية لاتساع الحرب بين لبنان وإسرائيل، هو أحد الأسباب الرئيسية وراء صعود أسعار الذهب.
وقال سامح الترجمان الرئيس التنفيذي لشركة ايفولف القابضة التي أطلقت صناديق الاستثمار الثلاثة في الذهب والمالكة لمنصة منجم لبيع المعادن الثمينة، «في رأيي أن أسباب صعود الذهب واضحة، فنحن في عالم يواجه أزمات اقتصادية وجيوسياسية، وبالطبع حرب الشرق الأوسط التي لا نعرف مداها، هل ستتسع؟ هل ستنتهي سريعاً؟ خاصة ما يحدث في لبنان، وما هو مستمر في غزة، كل هذه العوامل تؤثر على ارتفاع أسعار الذهب».
وأضاف المدير التنفيذي لشركة VI Markets في مصر أحمد معطي «يرى العديد من المحللين في العالم أن من أهم أسباب ارتفاعات الذهب هو خفض أسعار الفائدة الأميركية والعديد من الدول، ولكن الحقيقة في رأيي أن السبب الرئيسي هو التوترات الجيوسياسية».
وأوضح معطي أن خطوة خفض الفائدة عادة تستهدف تحفيز نمو الاقتصاد، وبالتالي لا يشترط أن تسفر عن ارتفاعات لسعر الذهب، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن يرجع بشكل رئيسي إلى تزامن خطوة خفض الفائدة مع تصاعد المخاوف من دخول العالم في حروب جديدة، بينما لم تنتهِ بعد الحروب في غزة وأوكرانيا والسودان.
الطلب الضخم على الذهب
من جانبه لفت رئيس أبحاث السوق لدى شركة OW Market، عاصم منصور إلى أن أسباب ارتفاع الذهب تعود إلى ما قبل الصعود الحالي بسبب عمليات الشراء الضخمة للذهب من قِبل البنوك المركزية، وعلى رأسها بنك روسيا وبنك الشعب الصيني، في محاولة للاستغناء التدريجي عن الدولار بعد استخدامه كسلاح اقتصادي ضد روسيا، فضلاً عن اتجاه صغار المستثمرين لشراء الذهب بسبب مخاوف تصاعد الحرب في منطقة الشرق الأوسط.
وقال منصور، «وصل صافي تمركزات شراء الذهب إلى المستويات التي شهدناها بعد جائحة كورونا، بحسب بيانات هيئة تداول العقود الآجلة، ما يشير إلى ارتفاع حاد أيضاً في سوق العقود الآجلة، ويسلط الضوء على عمليات الشراء القوية».
كذلك أشار منصور إلى سبب آخر، وهو انخفاض القوة الشرائية للدولار الأميركي التي بدورها تسببت في قفزة كبيرة لأسعار السلع بشكل عام وليس الذهب فقط.
هل يستمر الصعود؟
وقال الترجمان «إن الذهب دائماً موجود في فترات الأزمات والتقلبات الحادة سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم جيوسياسية؛ لذا أعتقد أن الذهب سيواصل الصعود، طالما استمرت هذه التوترات، وأظن أنه سيستكمل عام 2024 على هذا المنوال».
وأضاف الترجمان «الأمر الآخر الذي يجب أن نراقبه هو وضع الاقتصاد العالمي، ومدى تزايد الديون العالمية، ومسار التضخم والتقارير الاقتصادية في الولايات المتحدة، بجانب مراقبة أوروبا وما يحدث فيها، والصين ومحاولات الحكومة لتحفيز الاقتصاد بشكل أكبر»، ولفت إلى أن هذه العوامل من شأنها تحديد مصير سعر الذهب في عام 2025.
لكنه أكد أن طالما استمرت الأزمات أياً كان نوعها سيظل هناك طلب مرتفع على الذهب، مشيراً إلى أن حجم المعروض من الذهب لا يستطيع أن يلبي الطلب على المعدن الأصفر، خاصة في فترات الأزمات، وهو أحد الأسباب أيضاً التي تدفع الأسعار للارتفاع.
واتفق الخبير الاقتصادي أحمد معطي مع هذه النظرة، لكنه حذر من المبالغة في التفاؤل قائلاً «إذا حدثت هدنة أو انتهاء لأي حرب قائمة سواء بين روسيا وأوكرانيا أو في الشرق الأوسط، فقد نشهد هبوطاً عنيفاً للذهب، خاصة أن المشتريات الأخيرة جاء معظمها من قِبل صناديق الاستثمار والأفراد، وهذه الفئة تلجأ عادة لبيع الذهب في فترات الاستقرار على عكس البنوك المركزية».
توقعات سعر الذهب
قال كبير محللي الأسواق المالية في المتداول العربي وليد أبو الدهب إنه «من المتوقع أن يحمل سيناريو حركة الذهب الفترة القادمة عنوان المزيد من التسلق الصعودي مع الحذر من احتمالات التصحيح هذا ما يختصر ما يحدث في أسعار الذهب بعد البيانات الأميركية الأخيرة التي دعمت الدولار بصعود نسبي».
وأضاف أبو الدهب عن حركة الذهب السعرية، «على المدى المتوسط إلى الطويل لا يزال الاتجاه صاعداً، وأي توقع للهبوط حالياً سيكون مؤقتاً، ومع ذلك تزداد احتمالات الهبوط التصحيحي، خاصة مع انحسار الزخم الإيجابي لموجة الصعود الأخيرة»، مشيراً إلى أنه لن يتأكد الهبوط المؤقت حتى انخفاض السعر دون المستويات 2650 دولاراً للأوقية، وربما حتى 2590 دولاراً قبل استكمال الصعود من جديد.
في غضون ذلك، يرى خبير الأسواق المالية عاصم منصور إمكانية وصول سعر الذهب إلى مستويات 2800 دولار للأوقية في حالة حدوث اجتياح بري للبنان، وقال «يكون النطاق المتوقع لسعر الذهب خلال الفترة المقبلة بين 2500 إلى 3000 دولار للأوقية»، مستبعداً ارتفاع الأسعار أعلى هذه المستويات.
ووسط توقعات المحللين بمزيد من الصعود خلال الفترة المقبلة، يتجه التركيز الرئيسي خلال بقية العام الحالي إلى البيانات الاقتصادية الواردة، مع مراقبة مدى استمرارية حالة عدم اليقين التي يشهدها العالم على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي.
المصدر: «CNN الاقتصادية»