تحقيق: شذى العيش ورنا الصفدي ونور جعوان
اقتصاد صدى- "تكدس الشيقل"، أو "فائض الشيقل" مشكلة قديمة جديدة جعلت منها قنبلة متفجرة في وجه الاقتصاد الفلسطيني منذ توقيع اتفاقية بروتوكول باريس الاقتصادي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في عام 1994، لكن المشكلة تفاقت مؤخراً وتحديداّ من اندلاع الحرب العدوانية على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية في السابع من تشرين الاول . فكيف تزيد مشكلة "فائض الشيقل" رغم أن الدورة الاقتصادية تشهد تراجعاً غير مسبوق؟ وكيف تتدفق الأموال من العملة الإسرائيلية إلى السوق الفلسطيني رغم تعطل قرابة نحو 200 ألف عامل عن أعمالهم داخل الخط الأخضر وهؤلاء كانوا يدرون نحو 1.5مليار شيقل شهريا للسوق أي نحو 18 مليار شيقل سنويا؟
يكشف هذا التحقيق عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تفاقم مشكلة "فائض الشيقل" والتي تتداخل فيها أسباب صنعها الاحتلال الاسرائيلي واخرى "أفخاخ" تضمنها بروتوكول باريس الاقتصادي، وثالثة تتعلق بتداعيات الحرب والقيام بتحوطات نقدية، ورابعة تتعلق بتدفق أموال من السوق السوداء.
ماذا يقول بروتوكول باريس بخصوص فائض الشيقل؟
نصت المادة (27) من بروتوكول باريس الاقتصادي وهو الإطار الناظم للعلاقات الاقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي والموقع عام 1994 بأنه "سيكون لسلطة النقد الفلسطينية حق تحويل الشواقل الفائضة في البنوك العاملة في المناطق إلى بنك اسرائيل لاستبدالها بعملة أجنبية، من التي يتبادلها بنك اسرائيل في السوق البنكية المحلية، ولغاية مبلغ يتم تحديده دوريا وفقاً للمادة 16"، أي حسب اتفاق يتم التوصل عليه في اللجنة الاقتصادية المشتركية بين الجانبين والتي تعطلت أعمالها منذ انتفاضة الاقصى عام 2022.
كما نصت المادة (28) من البروتوكول على أن "الشواقل الفائضة بسبب تدفق ميزان المدفوعات، والتي سيحق للسلطة لنقدية الفلسطينية تحويلها إلى عملات أجنبية سيساوي":
1-تقديرات كل "الواردات" الإسرائيلية من السلع والخدمات من المناطق، مقيمة بسعر السوق (وبمضمنها الضرائب) التي تم دفعها بالشيقل.
أ)الضرائب التي جبتها السلطة الفلسطينية على كل "الواردات" الإسرائيلية من المناطق، وخصمت لصالح اسرائيل بالشيقل .
ب) الضرائب التي جبتها اسرائيل على كل "الواردات" الإسرائيلية من المناطق والتي دخلت سعر السوق الإسرائيلية، ولم يتم خصمها لصالح السلطة الفلسطينية.
2-تقديرات كل الصادرات الإسرائيلية من البضائع والخدمات إلى المناطق مقيمة بسعر السوق(وبضمنها الضرائب* التي دفعت بالشيقل.
أ)الضرائب التي جبتها اسرائيل على هذه الصادرات وخصمت لصالح السلطة الفلسطينية.
ب)الضرائب التي جبتها السلطة الفلسطينية عن مثل هذه الصادرات والتي دخلت في سعر السوق الفلسطينية ولم يتم خصمها لصالح اسرائيل، يضاف إليها:
* المبالغ الصافية من العملة الأجنبية المتراكمة التي يتم تحويلها سابقاً إلى شواقل من قبل السلطة النقدية الفلسطينية كما سجلت في غرفة معاملات بنك اسرائيل.
*التدفقات والمبالغ المذكورة سيتم احتسابها في تاريخ توقيع الاتفاق.
وتضمن هذا البند ملاحظات:
*ستشمل تقديرات "الصادرات والواردات" المذكورة من السلع والخدمات ضمن أشياء أخرى، خدمات العمل، ونفقات السياح والإسرائيليين بالشيقل في المناطق، ونفقات سكان المناطق الفلسطينيين بالشيقل في إسرائيل.
*مساهمات الضرائب والمعاشات من خدمات العمل المستوردة التي تدفع للجانب المستورد ويعاد خصمها للجانب المصدر، لن تدخل في في تقديرات المبالغ التي سيتم تحويلها، سيما وأن ايرادات الصادرات من ايرادات العمل مسجلة في الإحصائيات التي تشملها مع أنها لم تتراكم للأفراد الذين قدموها.
أما البند (29) من البروتوكول فقد نص على أن" سلطة النقد الفلسطينية وبنك إسرائيل سيجتمعان سنوياً لمناقشة وتحديد المبلغ السنوي للشواقل القابلة للتحويل خلال السنة المالية المقبلة، ويجتمعان كل نص سنة لتعديل هذا المبلغ". المبالغ المحددة سنوياً والمعدلة كل نصف سنة ستتم وفق بيانات وتقديرات متعلقة بالفترة السابقة وعل التوقعات للفترة الحالية وفقاً للصيغة المذكورة في البند السابق، سيعقد اجتماع في أقرب وقت ممكن خلال ثلاثة أشهر بعد التوقيع على الاتفاق.
كما نص البند (30) من الاتفاق على:
أ-تبادل العملة الأجنبية مقابل الشيقل وبالعكس، من قبل السلطة النقدية الفلسطينية سيتم من خلال غرفة التعامل مع بنك اسرائيل وفق معدلات الصرف في السوق.
ب-بنك اسرائيل لن يكون ملتزماً في الشهر الواحد بتحويل أكثر من خمس المبلغ نصف السنوي كما هو مذكور في البند (30).
بروتوكول باريس وثغرات قاتلة!
وفي تعقيبه على هذه البنود الورادة في بروتوكول باريس الاقتصادي بخصوص تحويل فائض الشيقل إلى بنك اسرائيل، يقول الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي أيهم أبوغوش" صحيح أن الجانب الإسرائيلي استخدم قضية فائض الشيقل لدى البنوك العاملة في فلسطين كأداة ابتزاز سياسي كما استخدم المقاصة للغرض ذاته، وصحيح أن بروتوكول باريس الموقع بين الجانبين تضمن صراحة بنداً ينص على تحويل فائض الشيقل إلى بنك اسرائيل واستبدالها بعملات أجنبية، لكن بنود الاتفاق تضمنت فخاخاً للجانب الفلسطيني، من بينها أن بنك اسرائيل هو الطرف المسيطر في تحديد المبالغ التي يتم تحويلها، كما ترك بعض الأمور للتفاوض من خلال اللجنة الاقتصادية المشتركة التي تعطلت أعمالها منذ وقت طويل"، مشيراً إلى أن بنود البروتوكول حددت بشكل صريح المبالغ التي يتم تحويلها نتيحة التعاملات الاقتصادية والتجارية الرسمية بين الطرفين والتي تشكل الصادرات والواردات وأموال الضرائب ومتسحقات العاملين، ونفقات السياح وغيرها، وبالتالي أعطى الحق لبنك اسرائيل الاعتراض على أية تدفقات نقدية يراها خارج السوق الرسمي".
ويضيف"بكل تأكيد المبالغ التي تم الاتفاق عليها للتحويل إبان توقيع الاتفاق أخذت الظروف الاقتصادية في تلك الفترة، ولا يتم حالياً الأخذ في الاعتبار عمليات النمو التي جرت على الاقتصاد الفلسطيني، ومع ذلك مازلنا نرى أن مشكلة تكدس الشيقل حاضرة في وقتنا رغم توقف العمالة الفلسطينية داخل اسرائيل التي كانت تدر نقدا بنحو 1.5مليار شيقل شهريا أي قرابة 18 مليار شيقل سنويا"، منوهاً إلى أن عمليات مكافحة غسيل الأموال في اسرائيل من خلال تقليل عمليات التداولات النقدية تسببت في تدفقات نقدية إلى أسواق الضفة.
ويتابع"مشكلة فائق الشيقل قديمة جديدة، وهناك أسباب مختلفة لمشكلة فائض الشيقل منها رفض الجانب الاسرائيلي متذرعاً بعدة أسباب لاستقبال كميات من النقد أعلى من التي يحددها بنفسها، وثانيها تخوفات رؤوس أموال ومواطنين في ظل الظروف السياسية والأمنية السائد وقيامهم بتحويل بعمليات تحوط ببيع عملة الشيقل وتحويلها إلى عملات أجنبية أو عملات ثمينة، وكذلك متسوقو فلسطينيي 48 الذي يدفعون فقط نقداً في السوق الفلسطينية في ظل القوانين الصارمة في اسرائل بخصوص حيازة النقد، كما لا يمكن تجاهل رفض رؤوس الأموال في فلسطين وخاصة بعض أصحاب محطات الوقود للدفع عبر عمليات الدفع الإلكتروني ويصرون على الايداعات النقدية ما يرسم علامات استفهام بشأن إن كان هناك عمليات تهرب ضريبي أو القيام بعمليات غير مشروعة".
وتقبل اسرائيل تحويل قرابة 3 مليارات شيقل من سلطة النقد بشكل ربعي أي كل 3 أشهر، بمعنى أنها تسقبل عادة سنويا قرابة 12 مليار شيقل وكثيراً ما تقوم بإعاقة هذه العملية او تأخيرها، لكن تقديرات سلطة النقد تؤكد أن هذه المبالغ لا تكفي إذ يبلغ متوسط فائض عملة الشيقل سنويا قرابة 20 مليار شيقل (5.47 مليارات دولار)، تتكدس في خزائن البنوك، وتتحمل عليها كلفة نقل وتخزين وتأمين.
مصدر مصرفي: أموال مصدرها عمليات تهريب
وبعد تواصل فريق التحقيق مع مصدر مصرفي مطلع فضل عدم الكشف عن اسمه، أكد أن هناك أسباباً متداخلة لمشكلة تكدس الشيقل في البنوك، من بينها تزايد عمليات تهريب الدخان عبر معبر الكرامة. وقال" منذ بدء العدوان الحالي على قطاع غزة والضفة الغربية وحرمان الاحتلال لقرابة نحو 200 ألف عامل من التوجه إلى اعمالهم داخل الخط الأخضر، بدأ عدد كبيرمن هؤلاء العمال يعملون في تهريب الدخان عبر معبر الكرامة، وهذا يعني تلقائيا إخراج ملايين الدولارات من البلد وتحويلها للخارج ومن ثم تحويلها لعملة شيقل من خلال بيعها لصالح فلسطيني الداخل والقدس"، مشيراً إلى أن فارق سعر الدخان بين فلسطين واسرائيل نتيجة ارتفاع الضرائب على السجائر بشكل أكبر في اسرائيل تسبب في تزايد عمليات تهريب الدخان، ما فاقم من أزمة تكدس الشيقل.
وأضاف" كما أن فارق سعر المحروقات بين فلسطين واسرائيل دفع أصحاب المركبات العمومية والخاصة، لا سيما تلك الشاحنات التي تنقل البضائع من الموانئ والمعابر إلى المناطق الفلسطينية إلى تعبئة خزان مركباتهم بالوقود من المحطات في الضفة الغربية، وهو ما زاد من استهلاك المحروقات في الضفة بشكل كبير"، مشيراً إلى أن رفض بعض أصحاب محطات الوقود عمليات الدفع الإلكتروني والاصرار على الايداعات النقدية يضع تساؤلات كبيرة حول وجود عمليات تهرب ضريبي.
وأوضح المصدر أن أحد أسباب نشوء الفائض مؤخراً، يتمثل في حدوث إقبال متزايد من المواطنين والشركات والتجار لإيداع ما لديهم من عملة إسرائيلية، في أعقاب إطلاق الجانب الاسرائيلي تهديدات بقطع العلاقة المصرفية مع البنوك الفلسطينية، مشيراً إلى أن هذا الأمر تسبب بتكدس العملة الورقية في خزائن المصارف، بما يفوق طاقتها الاستيعابية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعا وزير المالية الاسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ومحافظ بنك إسرائيل أمير يارون ورؤساء سلطة الضرائب وهيئة مكافحة الجريمة في المجتمع العربي إلى عقد جلسة نقاش حول إلغاء ورقة الـ200 شيقل، ما يضع مليارات الشواقل في الأراضي الفلسطينية أمام خطر تعنت البنوك الإسرائيلية في استقبال الشيقل من البنوك العاملة بها، الأمر الذي خلق تخوفات ودفع مواطنين إلى التخلص من هذه العملة.
وكانت اسرائيل بدأت في عام 2022 عمليات تقليص مدفوعات "الكاش" إلى 6 آلاف شيكل كحد أقصى، في المرحلة الثانية من قانون "لوكر" الذي أقر نهاية 2018، وتم البدء بتنفيذه في مرحلته الأولى بسقف 11 ألف شيقل اعتبارا من 2019.
ولفت المصدر المطلع إلى أن نسبة ايداعات أصحاب محطات الوقود في حسابتهم البنكية من المبيعات تبلغ نحو 70% نقداً مقابل 30% فقط عبر عمليات الدفع الإلكتروني، مبيناً أن ذلك من الأسباب التي فاقمت من مشكلة تكدس الشيقل لدى البنوك العاملة في فلسطين.
عمليات تخلص واسعة من عملة الشيقل
الهئية العامة للبترول، وعلى لسان رئيسها مجدي الحسن رفض حصر مسألة فائض الشيقل على موضوع المحروقات، مشيراً إلى أن استهلاك المحروقات في الضفة الغربية ضمن المعدلات الطبيعية ويصل إلى نحو مليار لتر سنويا، مشيراً إلى رفض فكرة أن فارق السعر بين فلسطين واسرائيل كان سبباً في تدفقات الشيقل الفائضة، قائلا" كميات الاستهلاك ضمن الكميات المعتادة، وهناك مركبات تحمل اللوحة الاسرائيلية تعبئ من محطات وقود في فلسطين وهذا أمر طبيعي، كما أن مركبات فلسطينية يمكنها أن تعبئ من محطات وقود اسرائيلية"، مستهجناً تركيز المشكلة على موضوع المحروقات، في ظل وجود مصادر مالية متعددة بعملة الشقل من السوق السوداء.
ويضيف" هل يعقل مثلا أن نطلب من أخوتنا من فلسطينيي 48 بعدم تعبئة مركباتهم بالوقود من الضفة لخفض مشكلة فائض الشيقل؟!"، منوهاً إلى أن هذه ليست نقطة مركزية في مشكلة فائض الشيقل، وأن إثارتها لا يخدم الاقتصاد الفلسطني، كما أن أسواق الضفة حاليا لا تشهد اقبالا كبيرا من قبل متسوقي فلسطينيي 48.
ويتابع" يجب التحقيق في مصادر ادخال تدفقات نقدية بعملة الشيقل إلى البلد بطرق مختلفة، فهناك أراض وعقارات تباع بالشيقل تسببت برفع أسعار الأراضي والعقارات، وهناك عمليات واسعة لتهريب الدخان"، لافتا إلى أن هناك عمليات تخلص واسعة من عملة الشيقل لدى فئات اجتماعية مختلفة وهذا يعمق من الأزمة. ويقول"الهيئة العامة للبترول ليست طرفا في المشكلة، وأعان الله البنوك التي تعاني هي أيضا من هذه المشكلة، لكن الحل يكمن في ايجاد حلول مع الجانب الإسرائيلي".
من جهته، يقول تاجر الذهب (ع.ح) من مدينة رام الله إن فلسطينيي 48 تحديداً يقبلون بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة على شراء الذهب من السوق الفلسطينية ويدفعون نقدا. ويضيف"رغم أن المبالغ التي تدفع في ثمن قطع ذهب مرتفعة وتصل إلى عشرات آلاف الشواقل غيرأنهم لا يدفعون إلا نقدا، وحينما نشير إليهم إلى امكانية الدفع الإلكتروني يرفضون ذلك، ويصرون على النقدي، وهذا مؤشر على نيتهم التخلص من مبالغ نقدية".
فائض الشيقل أكثر من قدرة البنوك على استيعابها
مشكلة فائض الشيقل ليست جديدة، ودوما يتكدس فائض شيقل في خزنات البنوك تصل أحيانا إلى 4-5 مليارات شيقل، ترتفع وتنخفض حسب الإيداعات النقدية، وحسب الكمية التي يقبل الجانب الاسرائيلي شحنها إلى البنك المركزي الاسرائيلي، الذي عادة ما يقبل 3 مليارات شيقل كل 3 أشهر، وأحيانا يقبل برفعها إلى أعلى من ذلك ضمن استثناءات خاصة، لكنه في ظل الحرب العدوانية على شعبنا بدأ يرفض رفع السقف عن ثلاثة مليارات، ما فاقم المشكلة وجعل الشيقل المتكدس يصل إلى أكثر من 7 مليارات شيقل، وهوما يعني رفع تكلفة حفظ تلك الأموال لدى البنوك وتعطيلها عن دورة الاقتصاد، وعدم تمكين فئات اجتماعية مختلفة من تحويلها إلى عملة أخرى يمكن الاستثمار فيها.
ويقول الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس أن البنوك في فلسطين وسلطة النقد تستطيع استيعاب ايداعات بنحو 3 مليارات شيقل، لكن في الغالب تصل قيمة الشيقل المتكدس إلى أكثر من 6.5 مليار شيقل، ما يعني أن هناك فائضا لدى البنوك وسلطة النقد ثلاث مليار ونصف، وهذا الفائض ناتج عن رفض الجانب الإسرائيلي استلام المبلغ النقدية الفائضة عن حاجة السوق الفلسطينية وتحويلها الى البنوك الإسرائيلية.
ويقول" هذا الفائض الآن يشكل عبئاً كبيراً على سلطة النقد الفلسطينية نظراً لارتفاع تكلفة الاحتفاظ به لأنها لا تملك المساحة الكافية، وهناك تكلفة إضافية للاحتفاظ بالنقد الزائد الذي لا يمكن تحزيله إلى عملات أخرى تمكن الاقتصاد الفلسطيني من الاستثمار فيها وتحريك العجلة الاقتصادية".
ويشير إلى أن الحل القانوني هو الضغط على الجانب الاسرائيلي بسحب هذا الفائض لأن الجهة المصدرة لهذه العملة هو البنك المركزي الاسرائيلي، وهو ملزم قانونياً باستقبال فائض العملة التي يصدرها".
ويضيف أن اندفاع مواطنين على عمليات تحويل ضخمة من عملة الشيقل الى دينار ودولار أدى إلى تعميق تعميق هذه المشكلة، منوهاً إلى أنه في ظل ضبابية المشهد السياسي يتوجه المستثمر نحو الملاذات الآمنة وفي سوق العملات يكون الدولار او الدينار ملاذاً آمنًا أفضل من الشيقل، وبالتالي يزيد من عمق هذه المشكلة.
المشكلة تتفجر في العلن
المشكلة خرجت إلى العلن بأن دعا نقيب أصحاب محطات الوقود، عبر بيان غير مروس وزع على الإعلام إلى تعطيل محطات الوقود يوم الأحد الموافق 6-10-2024م، بحجة أن البنوك ترفض استقبال ايداعات بعملة الشيقل، وبالتالي لم يعد هناك إمكانية لدى أصحاب المحطات القدرة على ايداع مبالغ لشراء الوقود من الهيئة العامة للبترول.
ولدى توجه فريق العمل إلى نزار الجعبري نقيب اصحاب محطات الوقود، والاستفسار منه حول مدى قبول أصحاب محطات الوقود لعمليات الدفع الإلكتروني كبديل عن الدفع النقدي، قال" خضنا نقاش مع سلطة النقد منذ نحو عامين، وطلبوا تركيب ماكينات الدفع الإلكتروني في محطات الوقود، وبالفعل تم تركيب 270 ماكينة في محطات الضفة، ونحن لا نمانع عمليات الدفع الإلكتروني، على العكس فهي عمليات تقلل من مخاطر حمل النقد، غير أن تعزيز عمليات الدفع الإلكتروني لا يمكن أن تصبح بديلا بين ليلة وضحاها، فالمواطنون في المجتمع الفلسطيني ما زالوا يميلون إلى الدفع النقدي، وليس عبر البطاقات الإلكترونية".
ويضيف" نحن نطالب بأن تطلع البنوك على الفواتير الضريبية من عمليات شراء المحروقات وتستلم نقداً بهذه القيمة ليس أكثر من ذلك".
ونوه إلى أنه في جلسات خاصة مع البنوك وسلطة النقد قدمت البنوك اقتراحاً بأن يلتزم أصحاب محطات الوقود بنسبة بيع تصل إلى 20% من خلال عمليات الدفع الإلكتروني، و80% نقداً، مشيراً إلى أنهم وافقوا على ذلك، لكن سلطة النقد لم تستطع الزام البنوك.
لكن مصدر مصرفي مطلع نفى ذلك، وأكد أن الاقتراح كان يتضمن أن تكون 20% عبارة عن عمليات تحويل عبر بطاقات الدفع الإلكتروني، لكن بعض أصحاب محطات الوقود وافقوا محاولين إفراع المقترح من مضمونه من خلال رهن نسبة الـ20% لتشمل عمليات الدفع عن طريق الشيكات، وهو أمر افرغ المقترح من مضمونه لتعزيز عمليات الدفع الإلكتروني التي يمكن أن تحد من أزمة فائض الشيقل.
وفي إشارة إلى خلافات حادة بين أصحاب محطات الوقود، خرج بيان إلى الإعلام موقع من أصحاب محطات وقود في محافظة رام الله والبيرة يرفض تنفيذ الاضراب الذي دعا إليه نقيب أصحاب محطات الوقود، مشيرين إلى أن ذلك البيان الصادر عن أصحاب محطات الوقود تم اصداره بدون تنسيق، وأن القرار لا يشملهم.
يؤكد محمد زيد النبالي نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية لمحافظة رام الله والبيرة أن مشكلة الايداع بعملة الشيقل محصورة على عدد من محطات الوقود ولا تشمل كافة المحطات. ويقول في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك"هناك مشكلة لدى عدد قليل من المحطات في ايداع الشيقل في البنوك، والتي يجب أن يتم متابعتها بعيداً عن استغلال المواطنين وتخويفهم، والكل عليه أن يتحمل المسؤولية في هذه الأوضاع الصعبة التي تواجه المواطن والاقتصاد الفلسطينيني".
واستنكر بيان يدعو أصحاب محطات الوقود للاضراب قائلا"ممنوع اصدار مثل هذه البيانات لخلق الفوضى، ما حدا يفكر البلد لحاله، ولا دكان بيفتحها ويسكرها على كيفه"، مشيراً إلى أهمية الحوار مع سلطة النقد والجهات المختصة لحل مثل هذه الخلافات.
بدوره يقول الخبير المصرفي د. عاطف علاونة "بعض المحطات ترفض الدفع الإلكتروني كما حصل معي شخصياً، حيث رفض العامل السحب من بطاقة الفيزا".
سلطة النقد: وفرنا أدوات دفع إلكتروني حديثة
وعبرت سلطة النقد عن استيائها من قيام بعض أصحاب محطات المحروقات بالإعلان عن إغلاق المحطات أمام الجمهور بحجة توقف البنوك عن استقبال الشيقل، مؤكدة أن البنوك تقبل الإيداعات النقدية من جانب أصحاب محطات المحروقات بما يتواءم مع مشترياتهم من خلال هيئة البترول.
وأوضحت سلطة النقد أنها وفّرت أدوات دفع إلكتروني حديثة وبدون أي رسوم أو عمولات في محطات الوقود باستخدام نقاط البيع الإلكتروني ونظام الدفع الفوري.
وبينت أن ظاهرة التعامل النقدي أصبحت ترهق الاقتصاد الوطني، مشددة على أن الحلول بشأن شحن الشيقل هي في أيدي الجانب الإسرائيلي، ونعمل مع المؤسسات الدولية للتخفيف من آثارها.
ويقول محمد مناصرة نائب محافظ سلطة النقد" قبول النقد مرتبط بحجم المشتريات وطبيعة الحساب ونسب المبيعات من خلال القنوات الإلكترونية، لا يوجد قبول مطلق للإيداعات".
ولفت إلى أن الإعلان عن "مسرحيات الإعلان" عن إغلاق محال البيع لا يخدم شعبنا في هذه المرحلة. ويضيف" سنوات ونحن نعمل مع أصحاب المحطات لتشجيعهم على الدفع الألكتروني، لكن لا يوجد تجاوب وفي المقابل يتم تأليب الرأي العام ضد البنوك وسلطة النقد وكانّها العائق". وتابع"ما نعاني منه من تراكم الشيقل سببه الاحتلال، لمصلحة من يتم إعفاؤه من المسؤولية ويتم توجيه الاتهام للجهاز المصرفي الفلسطيني، المسألة بحاجة لمكاشفة والمكاشفة صعبة جداً".
*هذه المادة ضمن مساق "التحقيقات الاستقصائية" لطلبة كلية الإعلام في جامعة "القدس المفتوحة"