خاص صدى نيوز: إن كنت تعتقد أن معاناة أهالي قطاع غزة ستنتهي بمجرد خروجهم من آخر شبر بالقطاع، هرباً من الموت، فأنت مخطئ، فالتعب والحرمان والحقوق المسلوبة، كلها أمور تُلاحق هؤلاء الناس، حتى بعد خروجهم من قطاع غزة، بعد أكثر من عام كامل على حرب دموية لم يشهد مثلها التاريخ. 

دفع أهالي قطاع غزة أموالاً باهظة للسفر إلى مصر، خلال الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر الماضي 2023، ولكن معاناة جديدة بدأت تتكشف أمام هؤلاء التاركين لغزة المدمرة، والذين يُقدر عددهم بـ100 ألف شخص، وصعوبات ستتحدث عنها صدى نيوز يعيشها هؤلاء الناس الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب.

 الإقامة ممنوعة..

يعيش الغزيون في مصر الذين تركوا قطاع غزة خلال أكثر من عام على الحرب المستمرة، بلا إقامة، أي أنهم لا يستطيعون حتى شراء شريحة اتصالات باسمهم، ويلجأون إلى أي مواطن مصري ليسجل الشريحة على اسمه. 

كما أن أي مواطن غزاوي يرغب في شراء شقة في مصر، لا يتم تسجيلها باسمه، ولا يتم السماح للأطفال بدخول المدارس المصرية، وإنما تم التحاقهم عن بعد، إلكترونياً، مع مدارس الضفة الغربية، ولا يخفى على أحد عند المقارنة بين التعليم الوجاهي داخل المدرسة نفسها، وبين التعليم الإلكتروني خلف شاشات الحاسوب. 

يقول مواطن من قطاع غزة مضى على وجوده في مصر أكثر من 7 أشهر في حديثه مع صدى نيوز: "الجميع يتحدث بأن السلطة الفلسطينية لا تريد إقامات لأهالي قطاع غزة في مصر، حتى لا يقدمون لعمل فيزا ومن ثم المهاجرة وعدم العودة، ولكن من خرجوا من قطاع غزة يقولون إنها لم تعد تصلح للعيش".

وتابع: "بعيداً عن ملف الهجرة، هناك طلبة يحتاجون لإقامة ولفيزا للسفر للخارج للتعلم في الجامعات، وغيرهم يحتاج للسفر للعلاج، وأي سفارة في العالم تسأل بالبداية عن الإقامة في مصر كشرط مطلوب لإتمام معاملة السفر". 

ولفت متسائلاً: "الكثير من أهالي قطاع غزة في الأردن أو الإمارات مثلاً يملكون إقامة، فلماذا في مصر نواجه هذه المشكلة؟". 

"عقود زواج".. رحلة متعبة ومكلفة! 

قبل ما يقارب شهرين، أعلنت سفارة دولة فلسطين لدى مصر أنه بتعليمات من د.محمود الهباش قاضي قضاة فلسطين ورئيس مجلس القضاء الشرعي، سيتم إجراء عقود الزواج والمعاملات لمن يرغب من الفلسطينيين المتواجدين في مصر، والذين لايحملون إقامة أو من يرغبون بإجراء العقد مباشرة بدون توكيلات، بإشراف "ديوان قاضي القضاة"، على أن يتم تقديم طلباتهم بمقر السفارة الفلسطينية.

وعلمت صدى نيوز أن هذا الإعلان كان مؤقتاً لوقت قصير فقط، جرى خلاله إتمام 50 عقد زواج فقط، ثم عاد الشيخ المكلف بهذه المهمة إلى رام الله، ولم يعد بعدها أي شخص لهذه المهمة من جديد. 

ويواجه أهالي غزة في مصر من يرغبون في إتمام عقد الزواج هذه الأيام مشكلة كبيرة، فيقع على عاتقهم عمل عقد الزواج في مدينة رام الله، وبالتالي إيصال أوراقهم الرسمية إلى رام الله، لمصادقة قاضي القضاة عليها، ووزارة الخارجية وغيرها.

وتبدأ رحلة من الإرهاق لكل فلسطيني من غزة يريد إجراء عقد زواج في مصر، ويبدأ بالبحث عن أحد أهالي الضفة الغربية لتوكيله، والبحث عن آخرين لإرسال الأوراق المطلوبة معهم. 
فهل تعجز السلطة الفلسطينية أو ديوان قاضي القضاة أو السفارة الفلسطينية في مصر عن تخصيص موظف داخل السفارة لإتمام عقود الزواج والتسهيل على الغزيين هناك؟ 

سفارة فلسطين في مصر "ضعيفة" 

أحد المواطنين من قطاع غزة، الذي توجه لمصر لإنقاذ عائلته من الموت، يقول لصدى نيوز إنهم لا يجدون في السفارة الفلسطينية بمصر أي ملجأ لهم، وعندما يواجهون مشكلة ما، فلا تتحرك هذه السفارة لمساعدتهم. 

ويتابع في حديثه لصدى نيوز: "سفارة فلسطين في مصر يجب أن تكون بمثابة (دولة) وأن تملك وزناً كبيراً، بسفير قوي جداً، لكن سفارتنا ضعيفة للأٍسف".

ولفت خلال حديثه إلى أن أشخاصاً يشغلون مناصب في تلك السفارة، بناء على قرابتهم مع مسؤولين فلسطينيين، أي ليس من منطلق الكفاءة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على خدمتهم وتعاملهم مع الغزيين في قطاع غزة.

مناشدات لا تتوقف.. 

تتنوع المناشدات التي يطلقها أهالي قطاع غزة في مصر، ووصل عدد منها لصدى نيوز، فمنهم من يُطالب بفرشة لوالدته المُصابة التي لم تعد تحتمل النوم على الأرض، وتحتاج لجلسات علاج وإبر وأدوية.

سيدة أخرى تشتكي الفقر، فزوجها في قطاع غزة لم يعد قادراً على إرسال الأموال لها ولأطفالها، ومنذ بداية الحرب لا تملك أي "جنيه"، وتطالب بمساعدتها. 

وهناك مناشدة أطلقتها طفلة (16 عاما)، تُطالب بملابس دافئة مع اقتراب الشتاء. وغيرهم المئات من القصص المستمرة، فهذا جزء بسيط فقط من المناشدات التي تصل. 

يشار إلى أن بعض الجمعيات الخيرية المصرية تلعب دوراً في تقديم مساعدات إنسانية لأهالي قطاع غزة الذين جاءوا لمصر هرباً من الحرب.

وحالياً يتواجد في مصر أكثر من 100 ألف فلسطيني، موعد عودتهم لقطاع غزة غير معروف، وحتى لو عادوا سيعودون لمكان مدمر، بلا مدارس أو مستشفيات أو بنية تحتية سليمة، أو مياه شرب نظيفة. فقد عمد الاحتلال على مدار عامل كامل لتدمير كافة مناحي الحياة في قطاع غزة. 

والمطلوب من كافة الجهات الرسمية المختصة وضع حلول فعالة ودائمة لهؤلاء الناس، وليست حلولاً مؤقتة أو معدومة.