أظهرت الصور والفيديوهات لمقتل زعيم حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي، أمس في مدينة رفح، أن طريقة استشهاده حققت ما كان يتمناه السنوار ذاته في المواجهة بين مقاتليه ومعهم، وخارج الانفاق دون الأسرى الإسرائيليين. كما تدل العملية التي أدّت إلى مقتل السنوار على أنّ الأجهزة الاستخبارية لم تكن لديها معلومات حول تحركاته أو بمعنى أدق شكلت عملية القتل بالصدفة في مواجهة مباشرة في منطقة قتال فشلاً استخبارياً للأجهزة الأمنية الإسرائيلية والأمريكية. كما أظهرت المحتويات التي بجعبته زهد الرجل وعيشه مع جماعته من بأقل التكاليف والإمكانات والتمسك ببندقيته.
إن المعرفة بطريقة تفكير قيادة حركة حماس ومقاتليها نؤكد أنّ هذه الصورة "أي الاستشهاد مقبل غير مدبر" هي التي يرغبون بها عند موتهم وفقاً للعقيدة التي يؤمنون بها؛ وذلك لتسجيل أسمائهم في سجل الشهداء الخالدين، وترتفع هذه الميزة للقيادات السياسية والعسكرية باعتبارها صورة الملهمة للأجيال القادمة وللشعوب المضطهدة كقائد مقاتل ومضحي. وهي أيضا لها معاني هامة لسيكولوجية الجمهور الفلسطيني التي تمنح مكانة رفيعة لصورة القائد المضحي الذي يتقدم الصفوف في المواجهة مع قوات الاحتلال، وهي ذاتها دافع للكثير من الفلسطينيين للالتحاق بفصائل المقاومة الفلسطينية، والتحفيز للمواجهة.
مما لا شك فيه أنّ مقتل يحيى السنوار تشكل ضربة قاسية لحركة حماس لما لها من تأثير على الحالة النفسية لمقاتلي حركة حماس، لكن عملية الاغتيال والقتل للقيادات السياسية والعسكرية في التنظيمات السياسية العسكرية لا تؤثر في قدرة التنظيم أو المواجهة مع الاحتلال بل أنّ عمليات الاغتيال والقتل كانت تزيد من عنفوان المقاتلين للانتقام من الاحتلال وهذا الأمر قد يحدث في قطاع غزة كما أنّه محتمل في الضفة الغربية من خلال عمليات عسكرية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، وقد يؤدي إلى عودة العمليات التفجيرية في المدن والبلدات الإسرائيلية. في المقابل قد ينزع بعض مقاتلي حماس لقتل بعض الأسرى الإسرائيليين انتقاماً لمقال السنوار وهو سيناريو محتمل في المقابل يبدو أنّ أغلبهم يدركون أنّ وجود الأسرى هي الورقة الأهم الرابحة في هذه المعركة.
يثار في وسائل الإعلام المختلفة بشكل واسع مسألتين؛ الأولى: أنّ غياب السنوار قد يؤدي إلى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، في ظني أنّ هذا الأمر وهمٌ بسبب أنّ المشطل في الطرف الإسرائيلي وليس الفلسطيني؛ فرئيس الحكومة الإسرائيلية، كما جاء في خطابه أمس، لا يرغب بوقف إطلاق النار إنّما يريد الاستمرار في الحرب لتحقيق النصر المطلق القاضي بالقضاء على المقاومة الفلسطينية بشقيها الفصائل الفلسطينية وحكم حماس في قطاع غزة من جهة، واستسلام الفلسطينيين وبحثهم عن خلاصهم الفردي؛ وذلك من خلال دعوته لاستسلم الأشخاص الذين لديهم أسرى إسرائيليين لضمان حياتهم وابعادهم من القطاع من جهة ثانية.
والثانية تتعلق بخليفة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وهو أمر يتعلق بالمكتب السياسي لحركة حماس لكن الاختيار بذاته يحدد توجهات السياسية والحرب للحركة في المستقبل القريب، وعلى الأغلب أنْ يكون رئيس المكتب في حال اختياره ممن يقيمون في الخارج ليتكمن من التحرك السياسي والتواصل مع الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية، كما أنّه سيمثل مدى الثقل للساحات الرئيسية المكون منها المكتب السياسي (قطاع غزة والخارج والضفة الغربية). في ظني أننا أمام شخصيتين رئيسيتين الأكثر احتمالا حتى الآن لتولي منصب رئيس المكتب السياسي هما (1) خليل الحية الذي يتصرف كرئيس لحركة حماس في ظل وجود يحيى السنوار سواء في اتصالاته مع الأطراف الخارجية أو المفاوضات وإلقاء خطاب حركة حماس في ذكرى مرور عام على "طوفان الأقصى" وقربه من القيادات السياسية والعسكرية في قطاع غزة، (2) خالد مشعل الرئيس الأسبق للمكتب السياسي والذي يتمتع بعلاقات دافئة مع عدد من الزعماء العرب وهو يتمتع بتجربة وخبرة أوسع مقارنة بأقرانه من أعضاء المكتب السياسي. في المقابل هناك احتمال أنْ يمتنع المكتب السياسي التريث في اختيار رئيس المكتب السياسي إلى حين على غرار ما حصل في حزب الله.
في ظني أنّ الاحتلال الإسرائيلي ماضياً في حربه في قطاع غزة وهو يعتقد أن الضغط العسكري العالي في ظل الحالة النفسية لمقاتلي حركة حماس بعد مقتل السنوار قد تؤدي إلى تحقيق مسألة الاستسلام، وإمكانية السيطرة التامة على قطاع غزة واستعادة الأسرى الإسرائيليين دون دفع أثمان مقابلهم، مما يشير إلى استمرار الحرب وآلة الحرب التي تمعن تقتيلا وزيادة في معاناة المواطنين في شمال غزة وجنوبه.