تذكرته قبل فترة عندما بدأ الاحتلال في منع اصحاب الأرض من فلاحة اراضيهم او حصادها منذ تشكيل حكومة اليمين التوسعية، كان يتحدث عن قريته وبيته في صفورية بشغف رغم انه لم يعش فيها  فمن لم يفقد ارضا لا يمكن ان يشعر بمشاعر بمن فقدها.

كان الراحل ابراهيم العابد الذي تصادف ذكرى وفاته في هذه الايام حيث توفي في 20 اكتوبر 2020 رجلا عاش حياته مخلصا لثلاث، بلدته صفورية وزوجته وعمله.لم أصادف أحدا أكثر إخلاصا منه  لعمله يقوم بأي مهمة دون تردد في الإعلام الداخلي والخارجي ووكالة الانباء والمجلس الوطني للاعلام. وكنت احيانا اذكره بأول لقاء لي معه في سنة 1978 حين زرت الامارات لأول مرة بدعوة رسمية من وكيل في الاعلام وقابلته وكان وقتها يعنى بالاعلام الخارجي ويرتدي ملابس عادية قبل الدشداشة  وفي تلك الزيارة قابلت وزراء في ابو ظبي ثم الشيخ محمد بن راشد وزير الدفاع  في دبي وخرجت بحصيلة من التحقيقات والمقالات نشرتها في الوطن الكويتية نالت اعجابه والمسؤولين خاصة وزير الاعلام والشيخ الواعد كما وصفته محمد بن راشد لانها كانت صريحة فيها المدح وفيها النقد البناء وإن كان حادا وتلقيت فور ذلك دعوة ثانية فاعتذرت رغم الالحاح بسبب اقتراب توقيع اتفاقات كامب ديفيد.

اتسم العابد بحسن الاخلاق وشغف  القراءة وظل وفيا للمنصب الذي استقر فيه حتى بات مكتبه مثل بيته يحيط نفسه بالكتب والصحف وقلما دخلت مكتبه عند زيارتي لابو ظبي دون ان يجبرني على الإطلاع على كتاب وتصفحه او دراسة ما او المشاركة في صياغة بيان رسمي حول مسألة ملحة بطلب من المسؤولين عنه او اقتراح فقرات من خطاب لمسؤول ما سيلقيه لاحقا في مؤتمر. كان يتابع الأخبار وينقل جديدها للمسؤولين ويقطع ملل الاخبار والكتب والمطبوعات بنكتة، لم ينصف  نفسه قط في عمله واعلم انه كان مخولا بتوزيع مكافآت على المشاركين في حدث ما او احتفالات رسمية  لكنه كان يستثني نفسه تواضعا وأنفة.

أكثر ايامه كآبة كانت عندما يداهم المرض زوجته، لم يدخر وسعا في سبيل علاجها وكان ملازما لها في سفرياتها للعلاج وظل ملازما لها في مرضها الاخير يوزع وقته بين المستشفى وبين مكتبه رغم التخفيف من مسؤولياته وتعيينه مستشارا لرئيس المجلس الوطني للاعلام  وتولي السيد محمد الريسي مسؤولية وكالة الأنباء الذي قام بها بكل ثقة. استجبت له ذات سنة وزرت الناصرة لكي التقي بأحد من صفورية القريبة منها  وبالفعل زرتها برفقة احد سكانها المهجرين الى الناصرة فقال لا يوجد اي أثر فيها لما كانت عليه فقد ابيدت بيوتها ودفنت حجارتها واختفت معالمها، وبنى بعض المستوطنين من حجارتها بيوتا لهم. واتصلت به من هناك وطلبت منه تحديد مكان بيتهم  فقال انه غرب المقبرة وذهبت فلم اجد بيوتا  بل اشجارا فقد محيت ولم يبق من البلدة الا كنيسة السيدة مريم التي يقال انها اقيمت في المكان الذي ولدت فيه مريم.

وفي حي الصفافرة في الناصرة جمع المهجرون من صفورية ما خرجوا به من مقتنيات وادوات واقاموا متحفا في الناصرة ومجلة تحكي تاريخهم فأخذت قبضة تراب من صفورية ومجلة وعدت بها اليه في ابو ظبي، فتلقفها واحتفظ بقبضة التراب في درج مكتبه. وفي فترة مرض زوجته كان يداوم في المستشفى ولا ينسى ان يمر على مكتبه. ظل على وفاء لزوجته الى ان سبقها في الرحيل ولحقت به وهي لا تعلم انه سبقها رحم الله العابد لتراب بلدته ولرفيقة عمره ولعمله في البلد الذي احتضنه.