لن نناقش قانونية الترقيات التي هبت رحاها منذ ان تشكلت حكومة الدكتور محمد مصطفى، ولن نقول ان كانت السلطة تعاني من عجز مالي وازمة غير مسبوقة، فعدد من الترقيات جاءت مستحقة مثل المسابقات التي حصلت لتعيين وكلاء لعدد من الوزرات، ومثلت اول تجربة للمنافسة بين المتسابقين، ولن نتحدث عن تعيين عدد من قادة الاجهزة الامنية والتي تمت بتعليمات من الرئيس ذاته. ولن نناقش لماذا تغيب الحكومة عن عدد من هذه الترقيات والتي تتم من الرئيس مباشرة بناء على تنسيبات من جهات متعددة ودون تنسيب من الحكومة حسب ما نص على ذلك قانون الخدمة المدنية .
 قد يجادل البعض ان قوانين اخرى سارية اتاحت لهذه الجهة او تلك تملك الصلاحية للتنسيب للرئيس مباشرة دون المرور بموافقة وتنسيب الحكومة، هذا ان صح من حيث النصوص الواردة في هذه القوانين او تلك، الا اننا نجد ان اغلب هذه القوانين تم تنسيبها ايضا دون عرضها من خلال الحكومة. ان صح هذا الادعاء فاننا نكون امام تنازع في القوانين، يجب حلها وايجاد صيغة موحدة كي تكون الحكومة هي بوابة التعديلات القانونية مصداقا لما ورد في المادة (70) من القانون الاساسي الفلسطيني. كما ان هذه الترقيات تدفع من الخزينة العامة وليست من خزينة خاصة بهذه الجهة او تلك.
بعيدا عن هذا الجدل الذي على ما يبدو لم يعد منه طائل، حيث اننا سنبقى نعيش بحالة من الاختلال في العمل المؤسساتي، والتي رفعت كافة الحكومات شعار المأسسة وتعزيز الحوكمة ومحاربة سوء الادارة للمال العام، فاننا نتساءل عن سبب حجب الترقيات للموظفين الحكوميين الذين يعملون بجد واستحقت لهم الدرجات او انهم مكلفون بادارات عامة منذ سنوات، وتحت شعار الازمة المالية ووقف الترقيات وعدم التسكين على سلم هيكلي باتوا يتساءلون عن عدالة مثل هكذا خطوات، حيث ظهر للعيان ان هناك نوع من التمييز بين من يستطيع ان يصل الى  الرئيس والتوقيع على ترقية او امتياز هنا او هناك او ان قانون اخر منح امتياز لجهات اخرى على الموظفين المدنيين والعسكريين الذين يخضعون لقانون الخدمة المدنية وقانون قوى الامن ، وبين من يلتزم بالعمل المهني والتسلسل الاداري وينتظر لوزارته ان تنصفه او تمنحه حق هو مستحق له وفقا للقانون وللاصول.
اما ان تحدثنا عن العسكريين والذين هم من يحمون السلطة من مخاطر الانهيار او الاستهداف،ويعرضون حياتهم للخطر واحيانا يدفعون حياتهم ثمنا للحفاظ على الامن الداخلي من كافة اصناف الجريمة ما زالت رتبهم معلقة وتنتظر المصادقة والترفيع بسبب الازمة المالية، مع العلم ان العديد منهم قد استحقوا الترقيات والرتب واثرها المالي، فان كان ولا بد من القيام بالترقيات فالاحرى ان يتم المصادقة على النشرة المتعلقة بالضباط والافراد العاملين بقوى الامن، وقد تكون هذه الخطوة رسالة مهمة بحفظ حقوق الضباط والافراد العاملين في الاجهزة الامنية، وبذات الوقت من الممكن ان يتم الدفع للمذكورين عند انتهاء الازمة المالية وترصيد هذه الحقوق المالية لمن استحقوا الترقيات وفقا للقانون، دون اي حاجة للحصول على استثناءات.
ان انصاف الموظفين المدنيين المستحقين للترقية والتسكين في وزاراتهم وفقا للجهود التي يبذلونها هو اهم من اي استثناءات لعدد محدود من اصحاب النفوذ والقرب من صناعة القرار، كما ان ترقية العساكر والافراد بقوى الامن يعد من اهم مقومات الحفاظ على ثبات المنظومة، وبذات الوقت ترسل رسالة مهمة ان القرب من القانون هو المعيار وليس من صانع القرار فقط.
المطلوب من الحكومة ان تقول كلمتها وبشكل واضح حول هذه المسائل، التي بات واضحا ان هناك عدد من المؤسسات التي تعمل خارج اطار الازمة المالية ولا تلتفت اليها، بل ان الترقيات واقرار الهيكليات لعدد من المؤسسات يمضى وكأننا بالف خير.
فالاولى ان يتم انصاف الجميع دون تمييز او اي اعتبار الا للقانون، كما ان هذا الموقف الايجابي من الحكومة ان تم مثلما نقترح تجاه الموظفين المدنيين والعسكريين ستعزز من ثقتهم بالحكومة، اما الجهات المانحة او ما تبقى منها في ظل هذه الازمة عليها ان تفهم ان هذه الترقيات هي استحقاقات قانونية وليس لها اخلال بعملية الاصلاح التي تقوم به الحكومة. وستوجه رسالة لمن يحصلون على الترقيات بحكم خضوعهم لقوانين اخرى انكم على قدم المساواة مع البقية.
اما اذا ارادت الحكومة ان تفتح هذا الامر على مصراعيه، فعليها ان تجد صيغة مع الرئيس حول عدد من القوانين لدى منظومات داخل مؤسسات لا تخضع للحكومة واشرافها المباشر، كي يكون هناك تجسيد فعلي لمبدأ المساواة وعدم التمييز الذي نص عليه القانون الاساسي الفلسطيني او ما تبقى منه!