عاد الحديث، مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن الحادية عشرة للمنطقة، من جديد عن صفقة "صغيرة" في قطاع غزة يتم بموجبها إطلاق سراح أربعة إسرائيليين مقابل تهدئة لمدة أسبوعين يتم خلالها بحث إطلاق عملية تفاوض حول الهدنة أو الوصول إلى اتفاق، وعن الإعلان عن إرسال وفود إلى الدوحة يوم غد الأحد سبقتها لقاءات في القاهرة لوفد إسرائيلي وآخر من حركة حماس مع مسؤولين في جهاز المخابرات المصرية يبدو تحضرياً للقاء الدوحة المزمع عقده بين رباعي قادة الوفود "قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل".
واضح أنّ الإدارة الامريكية تريد أنْ يكون هناك تحرك في ملف الحرب على قطاع غزة بوقف إطلاق النار لمدة محدودة وإدخال المساعدات الإنسانية في الأسبوعين القادمين؛ وذلك بسبب احتياج انتخابي لصالح المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الأمريكية الرئاسية للحصول على أصوات الناخبين من الجاليات العربية والإسلامية والديمقراطيين "القاعدة الديمقراطية من الليبراليين والعرب" الذي أعلنوا أنّهم غير ملتزمين بالتصويت للمرشحة كاملا هاريس قبيل إجرائها خلال الخمسة عشر يوماً القادمة من جهة، ومحاولة لفك الارتباط بين جبهات المواجهة خاصة مع الجبهة اللبنانية من جهة ثانية.
في ظني أنّ الطرفين بحاجة إلى مثل هذه الصفقة دون دفع أكلاف ذات مغزى في هذه الصفقة؛ فحركة حماس تمسك بورقة الأسرى وتظهر قدرتها على إدارة الحكم في قطاع غزة في المقابل الحكومة الإسرائيلية لن تنسحب من المواقع الموجودة فيها خاصة ممر نتساريم ومحور صلاح الدين "فيلادلفيا" فيما إمكانية الوصول إلى هذه الصفة مرهون بترجيح كل طرفٍ للمزايا التي تتيحها.
تأتي استجابة رئيس الحكومة الإسرائيلية بإرسال وفد برئاسة رئيس جهاز الموساد للدوحة للتهرب من الضغوط الأمريكية التي جاء بها وزير الخارجية الامريكية وكذلك رداً على الدعم العسكري الواسع لإسرائيل إثر تركيب منظومة الدفاع الجوي الأمريكية "THAAD" استعداد للدفاع عن إسرائيل في حالة ردت إيران على الضربة الإسرائيلية لمواقع مختلفة في المدن الإيرانية، ومحاولة منع ضربة إيرانية بالقول إنّ الاستعدادات جارية لعقد صفقة مع حركة حماس في قطاع غزة، ومحاولة فك الجبهات خاصة اللبنانية عن قطاع غزة.
في المقابل فإنّ قيادة حركة حماس قد ترى أن هذه الصفقة تعد استراحة محارب تساعد على إعادة ترتيب أوراقها في قطاع غزة من جهة، وإعادة التواصل بيّن من تبقى من القيادات العسكرية تحديداً بعد الضربات القاسية التي تعرض لها الجهاز السياسي والعسكري في القطاع خاصة اغتيال عدد كبير من القيادات العسكرية من جهة ثانية. كما تساعد "الصفقة" على إدخال المساعدات لقطاع غزة مما يخفف من المعاناة التي تفتك بالمواطنين خاصة في شمال غزة، ناهيك عن وقف عمليات القتل والتهجير ولو مؤقتاً للسكان في المناطق المختلفة في القطاع. إضافة إلى أنّ هذه "الصفقة" قد تتيح فرصة للبدء في مفاوضات تتعلق بالهدنة الشاملة بما فيها وقف إطلاق النار وتأمين انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة وتبادل الأسرى، وهي قد تشير إلى نوايا حسنة من قبل المجلس القيادي لحركة حماس الذي تشكل بعد استشهاد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للوصول لهذه الهدنة.
ليس بالضرورة أنْ تنجح هذه الجهود للوصول إلى صفقة بين الطرفين بعد التجربة الطويلة لعرقلة رئيس الحكومة الإسرائيلية المفاوضات ومنع الوصول إلى هدنة ومحاولة استخدام هذه المفاوضات لإطالة أمد الحرب. لكن على ما يبدو أنّ إلزام الإدارة الامريكية بسقف الضربة لإيران قد يكون أحد المؤشرات على تأثير هذه الإدارة أخيراً للوصول إلى الصفقة الصغيرة التي اقترحتها لتحقيق غايات أمريكية داخلية.