صدى نيوز - تلقت الإدارة الأميركية ما يقرب من 500 تقرير يزعم أن إسرائيل استخدمت أسلحة زوّدتها بها الولايات المتحدة في هجمات تسببت في أضرار غير ضرورية للمدنيين في قطاع غزة، لكنها فشلت في الامتثال لسياساتها الخاصة التي تتطلب تحقيقات سريعة في مثل هذه الادعاءات، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
ووفق تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، قال هؤلاء الأشخاص، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، لأنهم غير مخولين لمناقشة المداولات الداخلية، إن بعض هذه الحالات على الأقل التي عُرضت على وزارة الخارجية على مدار العام الماضي ربما ترقى إلى انتهاكات للقانون الأميركي والدولي.
ويتم تلقي التقارير من منظمات الإغاثة الدولية والمنظمات غير الربحية وتقارير وسائل الإعلام وشهود العيان الآخرين. وتشمل العشرات منها توثيقاً بالصور لشظايا القنابل المصنوعة في الولايات المتحدة في المواقع التي استشهد فيها عشرات الأطفال، وفقاً لمناصري حقوق الإنسان المطلعين على العملية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من إرشادات وزارة الخارجية الداخلية للاستجابة لحوادث الأذى المدني، التي توجّه المسؤولين لإكمال التحقيق والتوصية بالتحرك في غضون شهرين من بدء التحقيق، لم تصل أي حالة واحدة إلى مرحلة «التحرك»، كما قال مسؤولون حاليون وسابقون للصحيفة.
ولفتوا إلى أن أكثر من ثلثي الحالات لا تزال دون حلّ، مع انتظار كثير من الردود من الحكومة الإسرائيلية، التي تستشيرها وزارة الخارجية للتحقق من ظروف كل حالة. ويقول منتقدو إمداد إدارة بايدن المستمر بالأسلحة لإسرائيل، التي دخلت الآن 13 شهراً من الحرب، التي أسفرت عن استشهاد 43 ألف شخص، وفقاً للسلطات الصحية في غزة، إن التعامل مع هذه التقارير هو مثال آخر على عدم رغبة الإدارة في تحميل حليفها الوثيق المسؤولية عن الخسائر الفادحة في الصراع.
وقال جون رامينغ تشابيل، المستشار القانوني والسياسي الذي يركز على المساعدات الأمنية الأميركية ومبيعات الأسلحة في «مركز المدنيين في الصراعات»: «هم يتجاهلون الأدلة على الأذى والفظائع التي تلحق بالمدنيين على نطاق واسع للحفاظ على سياسة نقل الأسلحة غير المشروطة إلى حكومة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو».
وأضاف: «عندما يتعلق الأمر بسياسات الأسلحة التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فإن كل شيء يبدو جيداً على الورق، ولكنه أصبح بلا معنى في الممارسة العملية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل».
رفضت وزارة الخارجية تفصيل حجم الحوادث قيد التحقيق. وقال مسؤول أميركي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بموجب المبادئ التوجيهية التي وضعتها الإدارة، إن الحكومة تتابع عن كثب الحوادث المحالة إلى وزارة الخارجية وتسأل الحكومة الإسرائيلية عنها.
وأسفرت غارة إسرائيلية، أمس (الثلاثاء)، على مبنى سكني عن استشهاد أكثر من 90 شخصاً، بينهم 25 طفلاً، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن الولايات المتحدة «تشعر بقلق عميق إزاء خسارة أرواح المدنيين»، وإن واشنطن تسعى إلى الحصول على «تفسير كامل».
وقال الجيش الإسرائيلي إنه «على علم بتقارير تفيد بإصابة مدنيين». ورفض أورين مارمورستين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، مناقشة التحقيقات الأميركية أو جهود واشنطن للحد من إلحاق الضرر بالمدنيين. وقال في بيان: «كجزء من التحالف الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، هناك اتصال مستمر ووثيق مع واشنطن فيما يتصل بنضال إسرائيل ضد الهجمات الإرهابية ضد مواطنيها».
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يبذل «جهوداً كبيرة» لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين، ولكنه زعم وجود مقاتلي حركة «حماس» المختبئين بين المدنيين كمبرر لتنفيذ تفجيرات على المدارس والمستشفيات والمساجد والخيام. وتقول وزارة الصحة في غزة إن أغلب الشهداء من النساء والأطفال.
في وقت سابق من هذا الشهر، أرسل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن، رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية، يهددان فيها بـ«تداعيات» سياسية إذا لم تسمح إسرائيل على الفور بدخول مزيد من المساعدات إلى غزة، حيث يقول الأطباء والمحللون إن الآلاف ماتوا جوعاً.
وقد فُسِّر التحذير على نطاق واسع على أنه يعني أن واشنطن قد تفكر في حجب نقل الأسلحة ما لم يتحسن الوضع الإنساني بشكل ملحوظ. وفي رسالتهما، أقرّ بلينكن وأوستن أيضاً بفشل الجهود الأميركية للتخفيف من الخسائر المدنية في إسرائيل. وكتبا: «من المهم أن تنشئ حكوماتنا قناة جديدة يمكننا من خلالها إثارة ومناقشة حوادث إلحاق الضرر بالمدنيين. ولم تسفر مشاركاتنا حتى الآن عن النتائج اللازمة». ومنحا إسرائيل 30 يوماً لتقديم النتائج، الأمر الذي من شأنه أن يؤخر أي إجراء حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الأسبوع المقبل.
إرشادات وزارة الخارجية بشأن الأضرار المدنية، التي كشفت عنها إدارة بايدن في أغسطس (آب) 2023، توجه الوزارة حول كيفية تقييم ما إذا كان أي جيش أجنبي قد انتهك أياً من مجموعة متنوعة من القوانين الأميركية وتقديم توصيات واضحة للعمل.
من خلال التحقيق في مثل هذه الحالات، يجب أن يكون المسؤولون قادرين على «تحديد التوصية وتوثيق الإجراءات التي يمكن للوزارة اتخاذها وستتخذها رداً على مثل هذه الحوادث»، وفقاً لوثيقة السياسة المكونة من 21 صفحة، التي حصلت الصحيفة على نسخة منها ولكن لم يتم الكشف عنها للعامة.
وشعر بعض المسؤولين الأميركيين والديمقراطيين في الكونغرس بالإحباط إزاء ميل وزارة الخارجية الواضح إلى الاعتماد على إسرائيل لإثبات الاتهامات الموجهة إليها. وقال مايك كيسي، الذي عمل في قضايا غزة في مكتب الشؤون الفلسطينية التابع لوزارة الخارجية في القدس، إن كبار المسؤولين يعطون الانطباع بشكل روتيني بأن هدفهم في مناقشة أي انتهاكات مزعومة من جانب إسرائيل هو التوصل إلى كيفية تأطيرها في ضوء أقل سلبية.
وأضاف أن كبار المسؤولين غالباً ما يرفضون مصداقية المصادر الفلسطينية، وروايات شهود العيان، والمنظمات غير الحكومية، والروايات الرسمية من السلطة الفلسطينية، حتى الأمم المتحدة. وقال المسؤول الأميركي، الذي تناول الأسئلة حول تعامل الإدارة مع هذه التقارير، إن وزارة الخارجية تأخذ في الاعتبار الأصوات الفلسطينية والإسرائيلية أثناء تقييمها مزاعم إلحاق الضرر بالمدنيين.
وقال أشخاص مطلعون على العملية إن ربع الحالات على الأقل تم رفضها في المرحلة الأولى من 3 مراحل تحقيقية، إما لأنها تعدّ غير موثوقة، أو لأنه لم يكن هناك ما يشير إلى استخدام الأسلحة الأميركية. وقد انتقلت الأغلبية إلى مرحلة «التحقق».
وقال السيناتور كريس فان هولين (ديمقراطي من ماريلاند)، الذي التقى بمسؤولي الإدارة في عدة مناسبات لمناقشة هذه القضية، إنه يشعر بالإحباط الشديد بسبب ما أسماه الافتقار إلى المتابعة. وقال فان هولين: «لا يوجد جدول زمني محدد للحصول على ردود على كثير من الاستفسارات المخصصة التي تم إجراؤها».
وقال بلينكن، في قطر الأسبوع الماضي، إن إدارة بايدن تركز بشدة على «التأكد من احترام معايير القانون الإنساني الدولي»، مضيفاً: «كل ما نركز عليه يتضمن التأكد، بأفضل ما في وسعنا، من احترام هذه المعايير، والعمل على تعظيم القدرة على حماية الناس والتأكد من حصولهم على المساعدة التي يحتاجون إليها».
وتعدّ إسرائيل أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات العسكرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد قدّمت لها إدارة بايدن ما لا يقل عن 17.9 مليار دولار من المساعدات العسكرية في العام الماضي وحده، وفقاً لدراسة حديثة أجراها معهد «واتسون» للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون.
ولكن على الرغم من تزايد القلق بين مسؤولي الإدارة والمشرعين بشأن سلوك إسرائيل في حرب غزة، فإن كل المساعدات العسكرية تقريباً، باستثناء شحنة متأخرة من القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل، استمرت في التدفق دون انقطاع. ويقول المحللون إن وتيرة وحجم الأسلحة يعني أن الذخائر الأميركية تشكل جزءاً كبيراً من ترسانة إسرائيل، مع وجود أسطول من الطائرات الحربية المصنوعة في أميركا لتوصيل أثقل القنابل إلى أهدافها.
وقال ويليام د. هارتونغ، أحد مؤلفي تقرير معهد «واتسون» وخبير في صناعة الأسلحة والميزانية العسكرية الأميركية في معهد «كوينسي»: «من المستحيل تقريباً ألا تنتهك إسرائيل القانون الأميركي نظراً لمستوى المذبحة الجارية، وغلبة الأسلحة الأميركية».
ومن بين الحالات التي قُدِّمَت إلى وزارة الخارجية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، مقتل فتاة تبلغ من العمر 6 سنوات وعائلتها في سيارتهم في يناير (كانون الثاني)، مع العثور على قطع من قذيفة دبابة أميركية الصنع عيار 120 مليمتراً في مكان الحادث. وكانت هناك شظايا قنابل أميركية الصنع صغيرة القطر تم تصويرها في منزل عائلة وفي مدرسة تؤوي مدنيين نازحين، بعد أن قتلت الغارات الجوية في مايو (أيار) عشرات النساء والأطفال.