اقتصاد صدى- قالت صحيفة فايننشال تايمز إن جمهورية ألمانيا الاتحادية -التي طالما اعتبرت حجر الزاوية في الصناعة الأوروبية- تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة طالت قطاعاتها الحيوية، مثل السيارات والصناعات الكيميائية والهندسة.

ويصف رئيس شركة "أليكس بارتنرز" في ألمانيا أندرياس روتر للصحيفة الوضع الحالي بأنه "غير مسبوق" و"من مستوى مختلف تماما"، معترفا بأن شركته -التي تقدم خدمات إعادة الهيكلة- تواجه ضغوطا كبيرة تجعلها ترفض استقبال عملاء جدد.

ووفقا لإحصاءات نقلت عنها الصحيفة، فقد انخفض الإنتاج الصناعي -باستثناء قطاع البناء- بنسبة 16% منذ عام 2017، في حين لم يشهد الناتج المحلي الإجمالي أي نمو ملموس منذ نهاية عام 2021، كما شهدت استثمارات الشركات تراجعا في 12 ربعا من الأرباع السنوية الـ20 الماضية.

توقعات اقتصادية قاتمة ومؤشرات مقلقة

وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن نموا محتملا للناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بمعدل متواضع يبلغ 0.8% فقط في العام المقبل، مما يضعها في مستوى قريب من إيطاليا التي تأتي ضمن أبطأ الاقتصادات نموا بين الدول الكبرى.

وأشار روبن وينكلر كبير الاقتصاديين في "دويتشه بنك" في حديث لفايننشال تايمز إلى أن "التراجع في الإنتاج الصناعي هو الأكثر حدة في تاريخ ألمانيا الحديث بعد الحرب".

ويتوقع زيغفريد روسورم رئيس اتحاد الصناعات الألمانية (بي دي آي) أن 20% من الإنتاج الصناعي الألماني الحالي قد يختفي بحلول عام 2030، محذرا من "خطر حقيقي يتمثل في إزالة التصنيع".

قطاع السيارات الألماني

وتقول الصحيفة إن قطاع السيارات -الذي يعتبر رمزا للقوة الاقتصادية الألمانية- يواجه الآن تحديات هائلة تهدد استمراريته، ولأول مرة في تاريخها حذرت "فولكسفاغن" من احتمالية إغلاق مصانعها على الأراضي الألمانية.

كما تسعى شركة "كونتيننتال" إلى التخلي عن أعمالها في مجال السيارات، والتي تقدر قيمتها بنحو 20 مليار يورو (قرابة 21.76 مليار دولار).

ووفقا لرابطة صناعة السيارات الألمانية (في دي إيه)، انخفض إنتاج السيارات في ألمانيا من 5.7 ملايين سيارة في عام 2016 إلى 4.1 ملايين سيارة في العام الماضي، مما يمثل انخفاضا بأكثر من 25%.

وفقد القطاع نحو 64 ألف وظيفة منذ عام 2018، مع توقعات بفقدان عشرات الآلاف من الوظائف الإضافية بسبب ضعف الطلب على السيارات الكهربائية.

علاقات متدهورة مع الصين

ومن التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد الألماني -وفق الصحيفة- العلاقة المتدهورة مع الصين التي كانت تعد في السابق سوقا مربحا للصادرات الألمانية.

ففي عام 2020 كانت الصين تستورد نحو 8% من جميع الصادرات الألمانية، ولكن هذه النسبة تراجعت إلى 5% هذا العام مع تزايد المنافسة من الشركات الصينية.

وأشار إيبرهارد ويبلن مدير "بورشه كونسلتنغ" للصحيفة إلى أن الأرباح السهلة في السوق الصيني دفعت الشركات الألمانية إلى الاستمرار في النهج نفسه لسنوات، قائلا "الآن، تواجه هذه الإستراتيجية صعوبة كبيرة".

أما شركات السيارات الصينية الناشئة مثل "بي واي دي"، و"نيو"، و"إكس بنغ" فقد نجحت في جذب المستهلكين الصينيين بفضل المركبات الكهربائية المتقدمة تقنيا، والتي تباع بأسعار أقل بكثير من نظيراتها الألمانية.

خلافات داخل الحكومة الألمانية

وفي خضم هذه الأزمة الاقتصادية زادت التوترات السياسية داخل الحكومة الألمانية، إذ يواجه ائتلاف المستشار أولاف شولتس -والذي يضم الحزب الديمقراطي الاجتماعي والخضر والحزب الليبرالي- خلافات حادة تهدد بانهيار التحالف وإجراء انتخابات مبكرة، وفق فايننشال تايمز.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي وصف رئيس اتحاد الصناعات الألمانية سيغفريد روسورم الوضع بأنه "خطر وشيك"، في حين قال ثيودور ويمر الرئيس التنفيذي لبورصة فرانكفورت في خطاب شديد اللهجة إن ألمانيا قد تتحول إلى "دولة نامية" إذا استمرت هذه السياسات، واصفا الحكومة بأنها "غبية" في نظر المستثمرين الدوليين.
وعلى الرغم من التحديات فإن بعض المراقبين يرون بارقة أمل، إذ أشار رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل إلى انخفاض نسبة البطالة في ألمانيا إلى أدنى مستوى لها خلال العقد الأخير، إذ يبلغ عدد العاطلين عن العمل 2.8 مليون فقط.

ويؤكد ناغل أن "مكانة ألمانيا كموقع تجاري أفضل مما يتصورها البعض حاليا"، في حين يشير هولغر شمايدنغ كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرغ إلى أن ألمانيا ما زالت تتمتع بموارد مالية قوية مقارنة بأزمات سابقة.

ويضيف شمايدنغ أن "الوعي بوجود مشكلة اليوم أعلى مما كان عليه في التسعينيات"، مما يمنح الأمل في أن السياسات الجديدة يمكن أن تحسن الوضع.