كتب رئيس تحرير صدى نيوز: فيتو أمريكا الذي استخدمته أمس ضد وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة لم يكن مفاجئاً. الإدارة الأمريكية شريك أساسي في العدوان على الشعب الفلسطيني، وقرار الفيتو أمس يؤكد هذا الدور بوضوح وما يثبت ذلك أيضا قوافل شحنات الأسلحة التي لا تتوقف لدولة الاحتلال. ولم تكن أمريكا يوماً وسيطاً نزيهاً، بل كانت تتعمد تضليل العالم، بداية من تصريحاتها التي تروج لقرب وقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية، بينما كانت في الواقع تعمل عكس ذلك تماماً.

لكن ما يثير الاستغراب الفصائل الفلسطينية وأقصد هنا تحديداً فتح وحماس الفصيلان اللذان لا يدخران جهداً من أجل افشال المصالحة وإنهاء الانقسام بينهما.

لقد حشدت الولايات المتحدة كل حلفائها لدعم إسرائيل ودعم عدوانها على الفلسطينيين. فكيف يمكن أن لا نجد مخرجاً لهذا الانقسام في هذا الوقت الحاسم، وفي وقت يُذبح فيه الفلسطينيون يومياً، وتُدمّر منازلهم، وتُقصف مدارسهم ومستشفياتهم؟ ومع كل ذلك لم تُحرّك صرخات أطفال ونساء غزة شعرة واحدة في قلوب قادة الفصائل الفلسطينية المتناحرة؟ وهل هناك شيء يستحق النزاع عليه بعد كل هذا الدمار أصلا؟ أم أن صراعنا هو على بقايا حكمٍ في ظل الجثث المبعثرة من رفح حتى جنين؟

منذ سنوات، بدأت حوارات المصالحة بين فتح وحماس، من مكة إلى القاهرة، ثم الدوحة، وموسكو، وحتى وصلنا للصين، لكن دون نتائج ملموسة. وما يزال السؤال قائماً: ما هو السبب الحقيقي لهذا الخلاف؟ ولماذا لا تُحقق هذه الحوارات أي تقدم؟

لقد سمعنا مؤخراً عن مفاوضات في القاهرة حول تشكيل لجنة إدارية لإدارة الوضع في قطاع غزة، غير مرتبطة بحركتي حماس أو فتح، مع التركيز على الإغاثة الإنسانية في القطاع المكلوم. لكن المفاوضات تظل سرية، والأسباب وراء ذلك واضحة: إنها مجرد وهم جديد يتم تسويقه للاستهلاك المحلي والإقليمي والدولي، حيث يسير الطرفان في نفس المسار الذي لا يؤدي إلى أي حل. 

الشعب الفلسطيني أصبح بالفعل غارقاً في اليأس من وحدة الطرفين، بل إن الغالبية أصبحت ترفض تصرفاتهما. لكن لا يمكن قبول فكرة وجود لجنة إدارية بدون قيادة سياسية وطنية حقيقية تحمي حقوق الشعب الفلسطيني وتحقق أهدافه. وهنا نتساءل هل ستظهر قيادة جديدة تستطيع أن توحد الشعب الفلسطيني وتحمل همومه، وتثبت موقفاً حازماً ضد الإبادة الجماعية المستمرة على الشعب الفلسطيني، وتعمل على إيجاد حل سياسي حقيقي يُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة؟

اللقاءات العقيمة بين فتح وحماس قد أصبحت موضوعاً للملل والإحباط. يوماً بعد يوم، يتم تسويق مبادرات لا تجدي نفعاً. يتم طرح تساؤلات سخيفة مثل: هل هذه اللجنة تابعة للسلطة الفلسطينية أم لحماس؟ ومن سيقود الأمن؟ وهل الحكومة ستكون تكنوقراط أو توافقية؟ وفي الوقت ذاته، إسرائيل تنفذ سياسة الأرض المحروقة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، بينما نشهد يومياً مشاهد مروعة من قتل وحرق النساء والأطفال على الهواء مباشرة. وقد أصبح شمال قطاع غزة خالياً من السكان، الذين أصبحوا لاجئين بلا مأوى، يموتون إما بالقصف أو بالجوع والبرد أو المرض.

لقد أسفر العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني عن استشهاد 44 ألف مواطن فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء، بينما دُمّرت مناطق بأكملها مثل قطاع غزة، وجنين، وطولكرم، ومخيمات اللاجئين في هذه المحافظات. ولكن ما تزال فتح وحماس غارقتين في صراعات على تفاصيل صغيرة مثل تبعية اللجان، بينما يتزايد عدد المجازر التي تطال الأبرياء.

مقابل هذا الصمت الفلسطيني، نجد أن دولاً مثل بريطانيا وأمريكا وألمانيا تشهد احتجاجات ضخمة ضد إبادة الشعب الفلسطيني، بينما يظل قادة الفصائل الفلسطينية غائبين عن الساحة، لا يعبرون عن آلام شعبهم ولا يكشفون حجم الجرائم التي يرتكبها الاحتلال.

الاستيطان ابتلع الضفة الغربية، ومشروع الضم الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية بدأ يتجسد على الأرض. والقدس حدث ولاحرج، هدم منازل ومصادرة أراضي وقريبا سنرى تقسيم مكاني وزماني للمسجد الأقصى وممكن ان يصل الأمر مع قادة دول الاحتلال الى الغاء دور الاوقاف الأردنية. وبالتزامن مع كل ما ذكرته، يواصل ترامب تسليم إدارته لأشخاص يسعون لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، وبرغم كل ذلك تبقى فتح وحماس غارقتين في صراعات على النفوذ والمناصب.

العالم بأسره، بقيادة أمريكا وحلفائها، يدعم إسرائيل بشكل كامل، بينما تواصل فتح وحماس النزاع على محاصصات السلطة. فلسطين بأكملها تُدمّر، القدس تُهوّد، وقطاع غزة أصبح خراباً. وفي هذا الواقع، هل لا تزال هذه الفصائل الفلسطينية قادرة على تقديم أي حل حقيقي؟