قرار محكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرة اعتقال نتنياهو ووزير حربه غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب ما بين الثامن من أكتوبر 2023، والعشرين من مايو 2024 مهم جداً من الناحية المعنوية والقانونية والأخلاقية والسياسية خصوصاً أنه جاء بعد يوم واحد من إفشال واشنطن مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف الحرب في غزة، هو مهم من هذا الجانب وليس من جهة إمكانية الاعتقال بالفعل. ولا يضير أن القرار شمل أيضا محمد الضيف قائد الجناح العسكري لحركة حماس والذي لا يعرف إن كان حيا أو ميتا.

صحيح, إن كثيرا من الدول بما فيها أوروبية كبريطانيا أعلنت التزامها بتنفيذ مذكرة الاعتقال في حالة دخول هذين المجرمين لأراضيهم وهو موقف ينسجم مع مواقفها وتصريحاتها الدائمة بالتزامها بالشرعية الدولية وقراراتها ، وهي شرعية  على كل حال لم تحترمها هذه الدول فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية،  ولكن أمام إسرائيل وواشنطن فرصاً كثيرة للالتفاف على تنفيذ هذا القرار كتقديم طلب استئناف للمحكمة الدولية أو التحايل بتشكيل لجنة تحقيق داخلية أو من خلال ممارسة واشنطن ضغوطات وفرض عقوبات على المحكمة الخ كما ان المحكمة لا تملك قوة خاصة بها لتنفيذ قراراتها ويترك امر التنفيذ للدول الأعضاء فيها وعددهم ١٢٤ دولة . .

في جميع الحالات صدر القرار الذي يتهم دولة الاحتلال وقادتها بممارسة جرائم حرب من إبادة وتطهير عرقي وتجويع للسكان وهو الأمر الذي سيٌعري هذا الكيان ويزعزع روايته وصورته في العالم وقد يتبعه قرارات أخرى ضد قادة وأفراد جيش مارسوا جرائم حرب أو حرضوا عليها.

وهنا يجب التذكير بأن المحكمة أصدرت قبل ذلك عديد قرارات الاعتقال بحق رؤساء وقادة دول ولكنها لم تنفذ ولم يتم اعتقال أي منهم وعلى سبيل المثال: في بداية مارس 2023 صدرت مذكرات اعتقال بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ووزير الدفاع آنذاك، سيرغي شويغو، إلى جانب عدد من المسؤولين في روسيا، وما بين عامي 2009 و2010 أصدرت المحكمة مذكرتي اعتقال بحق الرئيس السوداني السابق، عمر حسن البشير، طبقاً لتهم بالمسؤولية وراء جرائم الإبادة الجماعية وجرائم حرب في إقليم دارفور، بالإضافة إلى جرائم ضد الإنسانية، ولم يتم تنفيذ القرار حتى الذين انقلبوا عليه في السودان لم يسلموه لمحكمة الجنايات، وفي يونيو عام 2011 صدرت مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية ضد معمر القذافي ،صحبة ابنه سيف الإسلام، وعدد من المسؤولين في نظامه، على رأسهم، عبد الله السنوسي، مدير المخابرات.

والملاحظ أن كل بعض هؤلاء سافروا خارج بلدانهم دون أن يتم اعتقالهم كما أن محكمة الجبايات لم تتخذ أي عقوبة للدول التي لم تلتزم بقراراتها.

ومع ذلك فهذا القرار بالإضافة إلى المظاهرات المنددة بحرب الإبادة على غزة، والتحولات في الرأي العام العالمي، تحتاج لحاضنة فلسطينية شعبية ودبلوماسية تنسق جهودها مع حاضنة دولية غير حكومية حتى يستمر الزخم العالمي المناصر لعدالة قضيتنا الوطنية قبل أن تلتف عليها وتضعف تأثيرها مناورات وضغوط واشنطن والحركة الصهيونية العالمية.