وسط أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم في العصر الحالي بقطاع غزة، تقف الرواية الغربية الرسمية سدًا منيعًا يُبرر الجرائم الإسرائيلية، ويُعيد صياغتها ضمن إطار "حق الدفاع عن النفس"، دون اكتراث بحقائق الواقع أو أصوات الضحايا. هذه الرواية، التي تسيطر على الخطاب السياسي والإعلامي في الغرب، لا تعكس الواقع الكارثي الذي يُواجهه الفلسطينيون، بل تُغلف الانتهاكات الإسرائيلية بلغة قانونية وأخلاقية زائفة، ما يجعلها شريكًا غير مباشر في المأساة.
في أكتوبر الماضي، أرسلت الإدارة الأمريكية رسالة إلى إسرائيل تُطالبها بتخفيف الحصار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. الرسالة تضمنت تهديدًا غامضًا باتخاذ إجراءات إذا لم تستجب إسرائيل خلال 30 يومًا. مع ذلك، وبدلاً من الالتزام، قامت إسرائيل بتشديد الحصار وتصعيد العدوان. انتهت المهلة المحددة في 12 نوفمبر، ولم تتحرك واشنطن.
السيناتور الديمقراطي “كريس فان هولن” وصف الرسالة بأنها حيلة سياسية تهدف لاسترضاء الناخبين الديمقراطيين، في ظل تنامي الإدراك العام بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية. تقارير وكالات الإغاثة أكدت أن إسرائيل لم تستوفِ أيًا من المعايير الواردة في الرسالة الأمريكية، بل عمدت إلى تفاقم الأزمة.
واقع غزة أرقام لا تُغطيها الرواية، بينما يُبرر الساسة الغربيون أفعال إسرائيل، تُظهر الأرقام حقائق مؤلمة:
•    قُتل أكثر من 70% من الضحايا في غزة من النساء والأطفال، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
•    710  أطفال رُضع فلسطينيين إستشهدوا حتى سبتمبر الماضي، وأُبيدت 902 عائلة من السجل المدني.
•    شهادات أطباء دوليين، مثل الدكتور البريطاني “نزام ممودي”، أكدت استهداف الأطفال عمدًا عبر القناصة والطائرات المسيرة.
حتى الأمم المتحدة حذرت من أن سكان شمال غزة بالكامل معرضون لخطر الموت الجماعي. ومع ذلك، فإن هذه التحذيرات لا تجد أي صدى في الإعلام الغربي أو السياسات الدولية.
الرواية الغربية تُصرّ على تقديم إسرائيل كدولة ديمقراطية "تدافع عن نفسها"، بينما تتحاشى الحديث عن الجرائم الموثقة دوليًا. حتى صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وصفت ما يحدث في غزة بأنه "تطهير عرقي"، لكن هذه الحقيقة لا تجد طريقها إلى العناوين البارزة في الإعلام الغربي.
التقارير الأمريكية الداخلية أكدت أن إسرائيل تعمدت منع دخول المساعدات إلى غزة. ووفقًا للقانون الأمريكي، كان هذا يتطلب فرض حظر على توريد الأسلحة لإسرائيل، لكن إدارة بايدن تجاهلت هذه القوانين.
لو كان هناك التزام حقيقي بالقانون الدولي، لكانت إسرائيل تُوصف بأنها دولة ترتكب إبادة جماعية، ولكان المجتمع الدولي يفرض إجراءات عقابية واضحة. لكن، وبفضل الرواية الغربية، تبقى إسرائيل خارج دائرة المحاسبة، بينما يُترك الفلسطينيون لمواجهة مصيرهم وحدهم.
إن استمرارية هذه الرواية الزائفة لا تُشكل فقط تواطؤًا مع الظلم، بل تُكرس أيضًا معاناة شعب بأكمله. على المثقفين الفلسطينيين أن يستمروا في تفكيك هذا الخطاب وفضح زيفه، فالحقائق التي تُدفن اليوم تحت أنقاض غزة قد تكون مفتاحًا لتغيير المواقف يومًا ما.