صدى نيوز - يشير عدد من المعطيات إلى أننا أمام مرحلة إنهاء فترة الحروب والاشتباك العسكري، والتوجه نحو المخالصات السياسية. ويبدو أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال يخطط لجني المكاسب التي لم يحققها في الحرب من خلال تلك الاتفاقيات السياسية، تحت ضغط التهديد العسكري التدميري، والاستعانة بدعم حليفه الجديد في البيت الأبيض. ويشير اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان على ذلك، والذي اخترقته إسرائيل أكثر من مرة، بينما تمسك حزب الله بضبط النفس.
كما تشير إلى ذلك دعوات دونالد ترامب الرئيس الأميركي الجديد الذي هدد بتدمير الشرق الأوسط وضرب حركة حماس ضربة لم يشهدها تاريخ الولايات المتحدة إذا لم يتم الإفراج عن المحتجزين في غزة، دون أن يعطي أي اهتمام لحالة الغزيين والمعتقلين الفلسطينيين وحرب الإبادة الجارية في غزة والاحتلال. وإذا ما بحثنا في تطورات سورية الأخيرة وسيطرة المعارضة على أراض جديدة، فنجد أن التطور الأخير الذي كان متوقعاً ويمكن رصده وتتبعه إسرائيل وتركيا بشكل أساسي، يصب في مصلحة البلدين، فالوجود الإيراني في سورية يصبح أكثر تعقيداً مع تلك التطورات، وعمليات نقل السلاح للبنان تصبح أمراً أشد تعقيداً، وهو أمر يجعل قضية الضغط على لبنان للخروج باتفاق أكثر ملاءمة لإسرائيل اكثر امكانية. فهل تجري المخططات كما وضعتها إسرائيل ويدعم شريكها في البيت الأبيض أم تأتي متغيرات تقلب المشهد؟
جاء اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل الأسبوع الماضي ليوقف مناوشات حربية متبادلة ومتصاعدة منذ أكثر من عام، دون أن تصل فعلياً لحرب شاملة. وكان ترامب قد أوعز بعدم رغبته في رؤية المنطقة مشتعلة في لبنان وغزة عند وصوله للحكم، ويمكن أن يفسر ذلك توجه نتنياهو لعقد تلك الصفقة الآن وقبل وصول ترامب، في ظل عوامل أخرى داخلية. وكانت تصريحات إسرائيل بعد ابرام الاتفاق تشير لتعاليه على الاتفاق ونيته خرقه، فقد أكد أن الاتفاق يعطيه الحق بالرد على أي خرق للاتفاق من قبل حزب الله، رغم أن الاتفاق أشار إلى وجود لجنة برئاسة الولايات المتحدة وفرنسا للقيام بالنظر في تلك الخروق بعد التبليغ عنها من قبل الطرفين اللبناني والإسرائيلي، كما أننا لا نزال في الفترة الانتقالية المحددة في الاتفاق وهي ٦٠ يوما، والتي يفترض خلالها أن ينسحب الاحتلال من الأراضي اللبنانية، ويحل الجيش اللبناني محل قوات حزب الله، التي يفترض أن تتراجع لما وراء "الليطاني"، فأي تحرك من قبل تلك القوات أمر متوقع ومنطقي. وأبلغت فرنسا أحد أطراف اللجنة التي تتابع تنفيذ الاتفاق، بالإضافة للحكومة اللبنانية عن اقتراف الاحتلال عشرات الخروقات منذ بداية سريان الاتفاق الأسبوع الماضي، بينما لم يرد الحزب على تلك الخروقات إلا مرة واحدة مؤخراً. ويبدو جلياً أن حزب الله والدولة اللبنانية بكل طوائفها تنشد وقف الحرب، اذ يبدو ذلك ظاهراً للعيان، كما أن إيران التي أشارت إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار غير عادل ويصب في مصلحة إسرائيل، إلا أنها رحبت بوقف النار، وليس من مصلحة ايران أن يضعف حزب الله أو ينتهي وجوده العسكري. في حين هدّد يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه في حال لم يستمر سريان اتفاق وقف إطلاق النار ستعتبر إسرائيل أن لا فرق بين لبنان وحزب الله، أي ستوجه ضرباتها للدولة اللبنانية نفسها، مذكراً بالجرائم والتدمير التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة.
على الجانب الفلسطيني، جاءت تهديدات ترامب لغزة بشكل خاص لتؤكد على البعد التفاوضي المنشود في المرحلة القادمة، وإنجاز النتائج عبر الاتفاقيات السياسية، ولكن يبدو بنفس منطق وعلى منوال وقف إطلاق النار في لبنان، لكن ضمن اعتبارات أشد تعقيداً فيما يخص الفلسطينيين. ركزت تهديدات ترامب على إخراج المحتجزين في غزة، دون النظر لاي اعتبارات أو مطالب فلسطينية، الأمر الذي يعكس المطالب الاسرائيلية خلال المفاوضات السابقة، التي ركزت على هدنة مؤقتة لإخراج المحتجزين، لكن دون أن تنهي الحرب أو العمليات العسكرية أو الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة بعد ذلك، الأمر الذي يتعارض مع مطالب حركة حماس، التي لم تؤخذ في الاعتبار في دعوات ترامب. تريد إسرائيل في غزة إخراج المعتقلين، والاحتفاظ بالشمال لنفسها، دون سكان، ووضع باقي القطاع تحت سيطرة أمنية محكمة، مع وجود ادارة محلية، لم تقرر في تشكيلتها بعد، كما تضع مخططات لضم الضفة الغربية أيضاً، وليس من الواضح ضمن ذلك المخطط دور السلطة الفلسطينية ومستقبلها في اطاره. يبدو الوضع الفلسطيني أكثر تعقيداً، وذلك لأنه الهدف الأول المنشود للاحتلال ومخططاته، كما أن الوضع السياسي الفلسطيني غير راسخ مثل لبنان، الأمر الذي يعقد التفاهمات والاتفاقيات الرسمية، والضمانات الدولية في اطار ذلك. كما أنه ليس هناك معارضة أميركية خصوصا لإدارة ترامب لتوجهات إسرائيل التوسعية والمسيطرة في الأراضي الفلسطينية، وتشير تصريحات ترامب الأخيرة وتعييناته للمسؤولين الرسميين المختصين بمتابعة هذا الشأن ذلك، رغم توجه السلطة الفلسطينية لتحسين علاقتها مع الادارة الجديدة، إلا أنه ليس من الواضح حتى الآن إلى أي مدى سوف يكون ذلك مجدياً.
لم يكن تحرك المعارضة السورية بقيادة "هيئة تحرير الشام" واستيلاؤها على محافظة ادلب بالكامل ومحافظة حلب تقريباً ومساحة شاسعة من شمال حماة خلال أيام قليلة معدودة مفاجأة، إلا أن توقيت ذلك تزامن مع اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وتهديد نتنياهو لبشار الأسد بسبب عبور الأسلحة لحزب الله عبر الحدود السورية اللبنانية، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات، خصوصاً وأن أكثر المستفيدين من ذلك إسرائيل وتركيا. لقد طورت قوات المعارضة قدراتها العسكرية خلال العام الماضي، تحت أنظار جهات عديدة كانت تعلم بذلك، خصوصاً إسرائيل التي تخترق الاجواء وتتبع التطورات على الأرض بحرص، وتتصيد الأهداف المنشودة بدقة، وكذلك القوى الأخرى المتواجدة في المنطقة سواء كانت تركية أو روسية أو إيرانية، بالإضافة لقوات النظام السوري نفسه، الا أن كثيرا من تلك القوى خصوصاً الإيرانية والروسية كانت منشغلة بقضايا أشد تعقيداً لأجندتها. ويبدو أن المعارضة كانت تتابع التطورات الاقليمية باهتمام، فانشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، وما ترتب عليه من خفض درجة اهتمامها الاستخباري ومتابعتها الجوية للأجواء السورية، وانسحاب معظم قوات حزب الله من الأراضي السورية منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي في ظل تطور حالة الاشتباك مع إسرائيل، وانشغال القوات الإيرانية خلال العالم الماضي كجبهة إسناد لحزب الله في حربها مع إسرائيل، بالإضافة للضربات الجوية التي تلقتها من إسرائيل، جعلت الأرض مهيأة لتحرك المعارضة، التي كانت تطور قدراتها العسكرية، وتراقب ضعف أندادها. كما قد يكون وصول ترامب للحكم وعقد اتفاق وقف إطلاق النار اللبناني الإسرائيلي من ضمن عوامل التسريع في تقدم المعارضة الأخير، لفرض معطيات جديدة يتم وضعها في الاعتبار في أي اتفاقيات وترتيبات قادمة في سورية. استهدفت عمليات قوات المعارضة السورية المسلحة المناطق الخاضعة لنفوذ "قوات سورية الديمقراطية" في ريف حلب الشمالي والشرقي، في ظل فشل محاولات عقد قمة بين الرئيسين السوري والتركي، بعد اشتراط الأسد انسحاب القوات التركية تماما من الأراضي السورية، بينما لا تثق تركيا بقدرات الجيش السوري، وتبقى المسألة الكردية الهاجس التركي الأكبر في سورية، حيث تتمركز قوات سورية الديمقراطية "قسد" قرب الشريط الحدودي مع تركيا. ويبدو جلياً أن الوجود الإيراني في سورية لم يعد مرغوباً، وهناك توجه أميركي في ظل الادارة الجديدة للانسحاب من سورية، الأمر الذي يضعف الميليشيات الكردية المدعومة أميركياً لصالح تركيا ومخططاتها بترتيب منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين. ويعتبر محللون إسرائيليون أن سقوط شمال سورية في أيدي المعارضة يضعف البنية التحتية للإيرانيين وحزب الله، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل، إلا أنها ترى أيضاً أن انهيار النظام السوري قد يخلق فراغًا أمنيًا، قد يتحول إلى بيئة خصبة لنمو تهديدات عسكرية جديدة لإسرائيل. إن كل تلك التطورات قد ترجح تفاهمات أميركية روسية وقد تكون تركية أيضاً تضمن مصالح كل طرف في سورية، بعد التخلص من الوجود الإيراني واللبناني، الأمر الذي يصب ضمن هدف اتفاق وقف إطلاق النار اللبناني الإسرائيلي.
يبدو أن المنطقة ستشهد العديد من التطورات، في ظل عهد ترامب، والتي تميل للتفاهمات أكثر من ميلها للمواجهة، رغم أن ذلك ليس مضموناً تماماً، في ظل رغبة نتنياهو لتحصيل جميع المكاسب التي كان يسعى لجنيها بالحرب لتحصيلها بالاتفاقيات أو التفاهمات، تحت ضغط التهديد ودعم ترامب. فهناك أطراف ثانية لم تقل بعد كلمتها.