تمظهرات الصراع في النظام السياسي الإسرائيلي الحالية؛ المتمثلة في طريقة التعامل مع المستشارة القضائية للحكومة أو تصريحات رئيس شعبة المخابرات الإسرائيلية الداخلية " الشاباك" المتعلقة بطلب بنيامين نتنياهو التجسس على بعض المسؤولين الإسرائيليين آنذاك، بالإضافة إلى أزمة التعديلات في الجهاز القضائي العام 2023، وتصريحات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري منتقداً تشريعاً أقره الكنيست بالقراءة الأولى خلال مؤتمره الصحفي خروجا عن دوره الذي لا يفترض فيه التطرق إلى أمور سياسية وتشريعية، وتحميل نتنياهو مسؤولية تأخير الوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى عبر تصريحات مباشرة سواء من المعارضة الإسرائيلية أو حتى حلفاء الجيش الإسرائيلية وحلفائه من العسكريين السابقين، أو غير المباشرة من خلال التصريحات المتعددة لقادة الجيش حول انتهاء الأهداف في قطاع غزة أو أنّ الظروف مهيأة لإجراء تبادل الاسرى، تأتي جميعها انعكاساً لأزمة بنيوية في طبيعة الدولة ومستقبلها.

لم تعد، كما يبدو، المشكلة في المجتمع الإسرائيلي في شقيه السياسي والمدني اليوم بشكل جوهري انعكاساً للفهم السابق حول الانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي أي تناقضية الصراع بين اليهود الشرقيين "السفارديم" واليهود الغربيين "الأشكناز" أي من يحصل على المراتب السياسية والاقتصادية العليا في الدولة، أو بين المتدينين والعلمانيين على هوية الدولة ومكانة الدين في تشريعاتها.   

 في ظني أنّ الصراع اليوم يأتي في سياقين آخرين تبلورا في السنوات العشرين الأخيرة على الأقل، يتعلق الأول في مسألة عدم المساواة بتحمل الأعباء والحصول على الامتيازات من الدولة بين الفئات "طبقات" الاجتماعية اليهودية؛ فاليهود العلمانيون الذين يقطنون المدن والبلدات الإسرائيلية يتحملون الأعباء المالية سواء ما يتعلق بدفع الضرائب أو تحمل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في هذه المدن مثل مدينة تل أبيب واعباء حماية الدولة عبر التجنيد في الجيش الإسرائيلي، فيما المتدينون تمنحهم الدولة اعفاء من التجنيد ومزايا الحماية الاجتماعية، في المقابل تحصل الفئة الثالثة "المستوطنون" على امتيازات متعددة في السكن  واعفاءات ضريبية تمييزية لصالحهم ما تجعلهم طبقة متميزة عن الآخرين في المجتمع الإسرائيلي.

أما السياق الثاني بين الذين ينادون بالمحافظة على طبيعة وتراث الدولة "الجمهورية الأولى" ومؤسساتها بما ينسجم مع وثيقة الاستقلال لعام 1948 بالإبقاء على إسرائيل "ديمقراطية يهودية" والحفاظ على رونق صورتها أمام المجتمع الدولي باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأولئك الذين ينادون بالجمهورية الثانية وهم تياران؛ الأول يقوده رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو والذي يهدف إلى إقامة دولة إسرائيل من النهر إلى البحر على غرار تيار الصهيونية التصحيحية لزئيف جابوتنسكي، والثاني تيار أحزاب اليمين "القومية الدينية" الفاشي (مثل الصهيونية الدينية والقوة اليهودية) التي تريد تكييف مؤسسات الدولة لصالح نظريتها سواء عبر السيطرة على مفاصل الحكم أو تطويع قواعد الحكم بما فيه مبدأ فصل السلطات في اطار نظام دكتاتوري لتحقيق الأحلام الأيديولوجية القائمة على التطهير العرقي للفلسطينيين بغض النظر عن صورة إسرائيلي أمام المجتمع الدولي تماشياً مع النزعة المتطرفة للمفهوم التوارتي "جوييم" بالنظر إلى غير اليهود باعتبارهم "أغيار" خلقوا للعمل لصالح اليهود "شعب الله المختار".