وَضَعَ الانهيارُ السريع لنظام الاستبداد "لعائلة الأسد" سورية "الدولة والشعب والقوى السياسية والاجتماعية" أمام وجه جديدة ما زالت معالمها غير واضحة قد تكون مجهولة وفي ذات الوقت مفتوحة على وجهات متعددة. وبذات القدر من الأمل والتفاؤل في الحرية والتخلص من الاستبداد وبناء نظام جديد، فإن الأوضاع في سورية تشي بمخاوف جديدة في ظل غياب وجوه التعدد في المشهد السياسي القائم اليوم على مدار الأسبوع الفائت، وعلى ما يبدو أن القائمين اليوم في الحكم هم من جماعتين هما: جماعة هيئة تحرير الشام وحكومتها الانتقالية في ادلب، والعاملين في المؤسسات المدنية للنظام السابق، وذلك دون رؤية لوجوه التعدد التي خاضت على مدار سنوات طويلة النضال ضد نظام الاستبداد خاصة منذ العام 2011 المدنية منها والمسلحة.
ناهيك عن المسحات الدينية من دخول أحمد الشرع قائد هيئة العمليات كالفاتح للجامع الاموي بدمشق، أو كأنه انتصار للسنة على الشيعة "الطائفة العلوية وهي مكون من مكونات الشعب العربي السوري"، وجلسة المسجد لرئيس الهيئة التي يتبعها مسؤولو الجماعات الدينية المتطرفة، ورفع العلم الأبيض إلى جانب علم "دولة سورية" (ذي الألوان الأخضر والأبيض والأسود والنجوم الثلاثة)، إضافة إلى الخلفيات الفكرية لهيئة الشام جميعها تشي بتبني نظاما دينيا أو قد تفتح المزيد من الضغط على سلوك المواطنين والطوائف والجماعات العرقية المتعددة والمتنوعة للخضوع لمثل هكذا نظام يؤسس لاستبداد جديد من نوع آخر.
في المقابل فإن سلاسة انتقال الحكم، وضمان الأمان للمواطنين كافة، ومنع الانتقام، والتصريحات المتعاقبة من قبل هيئة تحرير الشام وأقطباها خاصة تصريحات زعيمها أحمد الشرع، والمشاركة الواسعة من قبل السوريين في الاحتفالات والترحيب بالمقاتلين تشي بأن السوريين مقبولون على الحياة من أجل المستقبل وضمان حريتهم ومنع الاستبداد.
إن الفرحة بالتحرر والتخلص من الاستبداد، وهي واجبة ومحط تقدير، لا تعفي الجميع "جميع السوريين" من تحمل مسؤولية النهوض لضمان هذا التحرر وحمايته وتصويب الصورة بفتح آفاق الشراكة الوطنية للأطياف السياسية والاجتماعية بما يخلق نظاماً سياسياً تعددياً بجوهره يحافظ على حقوق المواطنة ويعزز مشاركة المواطنين في الحكم؛ لخط وكتابة عقد اجتماعي لسورية الخالية من الاستبداد أو بمعنى أدق إقامة نظام ديمقراطي بمرتكزاته الثلاث؛ بإعمال مبدأ فصل السلطات الذي يفتت كتلة السلطة ويُفعل آليات الرقابة بين مكوناتها لضمان التوازن، وضمان سيادة القانون ببناء مؤسسات لخدمة المواطنين وليس السلطة الحاكمة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تضمن مشاركة واسعة للمواطنين من جميع أطيافهم. وعدم الإرتكان للحصول على مباركة القوى الإقليمية أو ارضاء الولايات المتحدة الأمريكية فهي تهتم بمصالحها بغض النظر عن مصلحة أبناء سوريا.
سورية اليوم في لحظة تاريخية حاسمة وهي لحظة فاصلة تحتاج السوريون كافة؛ لضمان مستقبل المواطنين السوريين، وإزالة الألم والظلم الذي عاناه السوريون على مدار أكثر من نصف قرن، ومنع أو تحييد المخاطر المحدقة بالدولة السورية من أطماع دول إقليمية دولية أو تقسيمها.