خاص اقتصاد صدى- حصلت شركات غير ربحية في فلسطين، على تمويلات بقيمة نحو 64 مليون دولار خلال العام الحالي 2024، من دول ومؤسسات دولية، هذا الرقم الكبير يثير تساؤلات أكبر، حول سير هذه الأموال؟ فأين صُرفت وهل لمس المواطن الفلسطيني فائدة عائدة على المجتمع من هذه الملايين على مدار هذا العام؟

دخلت هذه الأموال للبلاد بموافقات مسبقة جزء منها من وزارة الاقتصاد وجزء آخر من مجلس الوزراء الفلسطيني، بعد أن حصلت على موافقات أمنية بعد فحص مصادر التمويل، وآلية صرف الأموال.

تُشكل الشركات غير الربحية، التي يبلغ عددها 320، حوالي 8% من إجمالي قطاع المنظمات غير الربحية، وتتخصص هذه الشركات في مجالات: التنمية الاجتماعية، والدراسات والأبحاث، والتطوير والتعليم، علماً أن ليس كل تلك الشركات استطاعت الحصول على تمويلات خلال 2024. 

تأسست هذه الشركات في الأساس لأغراض غير ربحية ويكون الهدف منها تربوي أو اجتماعي أو ثقافي، وفي حال حققت عوائد لا يجوز أن توزعها على المساهمين فيها. 

وكان عام 2024 عاماً اقتصادياً صعباً على فلسطين، مع استمرار الحرب على قطاع غزة، وصرف رواتب منقوصة للموظفين، واستمرار إعاقة عمل العمال الفلسطينيين بالداخل المحتل، ومع هذه الظروف الصعبة هل لمس الشعب الفلسطيني الملايين التي دخلت عبر شركات غير ربحية والمنفعة من هذه الأموال عادت لمن؟

وزارة الاقتصاد الوطني قالت إن جزءاً كبيراً من الدعم الذي تلقته الشركات غير الربحية خلال عام 2024 خُصص لدعم الجهود الإغاثية والإنسانية في قطاع غزة.

ومؤخراً، أعلنت وزارة الاقتصاد الوطني بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والشركات غير الربحية، عن تشكيل لجنة مشتركة لمراجعة نظام الشركات غير الربحية رقم (20) لسنة 2022، بهدف تطوير بيئة تنظيمية تعزز المصلحة العامة وتلتزم بمبادئ الحوكمة والشفافية.

وتهدف وزارة الاقتصاد من هذا القرار إلى إشراك المؤسسات ذات العلاقة بالمراقبة والمتابعة على مشاريع هذه الشركات، مثلاً أي مشروع له علاقة في إطار القطاع الصحي، أن تقوم وزارة الصحة الفلسطينية بدور شريك في الرقابة مع وزارة الاقتصاد، عما إذا حقق هذا التمويل الهدف وعاد بالنفع أم لا. 

هذا ما تطالب به الشركات غير الربحية.. 

وعلم اقتصاد صدى أن ممثلين عن الشركات غير الربحية في فلسطين، يطرحون على الطاولة عدة مطالب، فهم يحاولون قدر الإمكان تبسيط الإجراءات المتبعة حالياً من الناحية الأمنية عند إصدار الموافقة على أي تمويل قادم، بأن لا يكون هناك حاجة للتوجه للأمن للحصول على موافقة، ويعتبرون ذلك تدخلاً وبأنه مخالف لحقوق الإنسان. 

ولا تقتصر مطالب الشركات غير الربحية على ذلك فحسب، بل ينادون لضرورة رفع سقف موافقة وزارة الاقتصاد (ممثلة بوزيرها) وبأن لا ترتكز كل الموافقات الكبيرة على مجلس الوزراء فقط. 

فوزير الاقتصاد الوطني يتمتع بصلاحية الموافقة على إدخال تمويلات بقيمة 100 ألف دولار فقط، وعندما تأتي تمويلات بقيمة أكبر تذهب لمجلس الوزراء لأخذ الموافقة عليها، والشركات غير الربحية تُطالب بتغيير هذا النظام لتصبح موافقة وزير الاقتصاد على تمويلات بقيمة نصف مليون دولار.

كما تطالب هذه الشركات أن لا يقتصر كل تمويل على سلسلة من الموافقات، فبعض هذه الشركات تتلقى أحياناً منحة بمبالغ معينة، والأمر بالنسبة لها مرهق، بأن تقتصر كل حركة مالية على موافقة أمنية وحكومية، وترى أن بعض المشاريع تتأخر لأنها مرهونة بالموافقات. 

ومن مطالب هذه الشركات أيضاً وفق ما علم به اقتصاد صدى السماح لها بفتح حسابات ادخار بالبنوك للعاملين فيها كالتأمين وغيره. 

وتسعى الشركات غير الربحية في فلسطين أن تتحرك قدر الإمكان بحرية أكبر وأوسع وأشمل وأن تكون الرقابة على الأداء أكثر من كونه (إعطاء مؤسسة الموافقة على التمويل وأخرى لا) أي جزئية المؤسسة الأمنية كما ذكرنا أعلاه. 

منصة عامة! 

وعلم اقتصاد صدى من مصادره الخاصة أن مؤسسات فلسطينية تطالب بأن يكون هناك ما أشبه بالمنصة، ويتم عليها نشر أسماء الشركات غير الربحية والتمويلات التي تحصل عليها وأين تصرفها، في محاولة لكشف الأوراق على الملأ وأمام جميع المواطنين باعتباره حقا خالصا لهم.

ماذا تقول وزارة الاقتصاد؟

مراقب عام الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني، طارق المصري قال إن هذه الأموال أتت باسم الشعب الفلسطيني للشركات غير الربحية، مضيفا أن هذه الشركات أُسست لغايات محددة لخدمة الاقتصاد والتنمية المجتمعية.

وأوضح المصري في اتصال هاتفي مع "اقتصاد صدى"، أن هذه الشركات عندما أُسست كان هدفها تقديم خدمة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو تربوية لرفع مستوى المواطنين في المجتمع فبالتالي هذه الأموال صُرفت للغايات التي أُسست من أجلها الشركات كل حسب اختصاصه.

وبيّن أن هذه الأموال صرفت بمجالات صحية وتنموية وزراعية وشبابية وغيرها، وأشرفت عليها شركات غير ربحية بالإضافة لجهات الاختصاص والرقابية.

وقال: "هناك مشاريع قائمة لا زالت مستمرة وهناك مشاريع لم تنتهِ، بعض المشاريع يكون تنفيذها على مراحل، وبالتالي بعض الشركات لم تنهي مراحل تنفيذ هذه المشاريع"

وأضاف: "ليس جميع الشركات تعمل بالوضع الحالي والتي تعتمد على المنح والمساعدات والتمويلات التي ترد إلينا من الجهات المانحة سواء كانت محلية أو دولية، ربما البعض منها لم يستطع الحصول على تمويل من أجل تغطية أنشطته ولكن بالمقابل نحن نتابع عمل هذه الشركات بالإضافة إلى جهات الاختصاص".

وتابع: "كل شركة غير ربحية وفقا لغاياتها وأنشطتها لدينا جهة اختصاص حكومية تتابع أعمالها وتنفيذها للمشاريع التي منحت تمويلات بموجبها موافقة على التمويل؛ بالإضافة إلى أنها تتابع مراحل تنفيذ المشروع مع تقديم هذه الشركات لتقارير إدارية ومالية وفنية عن أعمالها ونشطاتها ومصادر تمويلها سنويا".

وقال: "لم يرد لنا أن هناك شركات غير ربحية تعمل بدون أن تكون مسجلة لدى وزارة الاقتصاد، حتى وإن كانت هذه الشركات تعمل لن تستطيع الحصول على أي تمويل أو فتح حساب بنكي ولا التعامل مع أي جهة رسمية؛ لأن أي جهة رسمية سواء كانت محلية أو أجنبية تتعامل وفق الأصول بموجب تسجيل رسمي صادر عن الجهة المختصة وهي وزارة الاقتصاد الوطني".

وحول أسباب تشيكل وزارة الاقتصاد الوطني لجنة لمراجعة نظام الشركات غير الربحية، قال المصري: "هناك بعض الشركات وجدت في النظام الذي أقر بالعام 2022 بالإضافة لبعض مؤسسات المجتمع المدني وجدت بأن يكون هذا النظام مُصاغ بطريقة أفضل بحيث يسهّل عمل وإجراءات وحصول هذه الشركات على التمويل".

وأضاف: "من هذا الباب بادرت الوزارة بتوجيهات من وزير الاقتصاد والحكومة الفلسطينية بالحوار مع مؤسسات المجتمع المدني والشركات غير الربحية والجهات ذات العلاقة من أجل إعادة النظر في نظام الشركات غير الربحية الساري المفعول بما يخدم أهداف هذه الشركات التي أُسست من أجلها وبما يحقق الشفافية والحوكمة بعملها".

وتابع: "لهذه الأسباب قمنا بعقد ورشة عمل في 17- 12-2024  دعونا لها كل الجهات ذات العلاقة سواء شركات غير ربحية أو مؤسسات مجتمع مدني وناقشنا معهم وخرجنا بتوصيات بأن صياغة نظام جديد يسهّل عمل هذه الشركات يكون من خلال لجنة مصغرة ولجان موسعة من أجل تحقيق هذه الغاية".