أحدثت الحرب الاسرائيلية القائمة تحولات متسارعة قد تغيير حدود دول، ومعالم شعوب في المنطقة، وطبيعة التداخلات بينها، ناهيك عن مستقبل المنطقة وآفاق الاستقرار والسلام. فما هي العبر والدروس على الفلسطينيين استشفافها من التجارب الحديثة للدول المجاورة لتجاوز الاخطار المحدقة بهم.
(1) لبنان انتصر الحرص على الدولة على المصالح الفئوية
تمكن المجلس النيابي اللبناني، بعد أكثر من عامين على شغور منصب رئيس الجمهورية، من انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون بعدد مرتفع من الأصوات (99 صوتا من 128 صوتا) في الجلسة الثانية متجاوزا العدد المطلوب 86 صوتا بكثير.
الأهم من الانتخاب ذاته التي شاهدها العالم عبر شاشات التلفزة هي العملية السياسية والتحالفات وكيفية اخراج هذه العملية، فعلى الرغم من أن التحالف الذي يقف خلف الرئيس الجديد ذات قوة مهمة لكنه لا منحه الفوز في الانتخابات والاعتراضات على مدى دستورية عملية الانتخاب في الجلسة الثانية إلا أن المفاوضات خلف الكواليس كانت بائنة لناحية فوز الرئيس المرشح.
فقد أشار تصويت نواب حزب الله وحركة أمل في المجلس النيابي لصالح جوزيف عون إلى انتصار الحرص على الدولة وإعادة الحياة السياسية ومؤسسات الدولة وتوحيد الجهود لاحترام الالتزامات الدولية التي تعهد بها الدولة بما فيها اتفاقية وقف الحرب مع الجانب الإسرائيلي.
(2) تحولات نحو الحرية في سوريا العلاقة الفلسطينية معها
انقضى شهراً على سقوط النظام البعثي الدموي في سوريا، وتولي مجموعات مسلحة بخلفية دينية إسلامية بقيادة أحمد الشرع وتشكيل حكومة مؤقتة لثلاثة أشهر، وبدء الحديث عن التحضير لمؤتمر وطني جامع للشعب السوري المتنوع والمتعدد، وعن مرحلة انتقالية يمكن أنْ تمتد لثلاثة سنوات يتم خلالها كتابة الدستور من جمعية تأسيسية أو لجنة تحترم التنوع والخبرات القانونية. وفي ظني أن الدولة السورية الجديدة أمام فرصة تاريخية لاستعادة اشعاعها الثقافي والقومي بما يساهم في اعلاء مكانة الحرية والمساواة في إطار الدولة بما يحقق مصلحة المواطنين عبر عقد اجتماعي لبناء النظام الديمقراطي.
على الرغم من استمرار عدم الوضوح في الحالة السورية حتى الآن، فهي ما زالت على مفترق طرق ما بين الاستقرار والفوضى والانشطار والتدخلات الخارجية، إلا أن الأحداث والتحولات في مواقف الدول العربية والأجنبية، بما فيه الزيارات التي قامت بها وزراء خارجية لدول عربية وأوروبية وازنة واستقبال دول عربية هامة لوزير خارجية سوريا الجديدة، تشير إلى الحرص على استقرار هذه الدولة من جهة، ومساعدة الشعب السوري للخروج من الأزمات الإنسانية التي تعرض لها على مدار السنوات الفارطة.
ومع ذلك كان ينبغي على الفلسطينيين الإسراع بإرسال مبعوثا رفيع المستوى لمقابلة القيادة الجديدة فيها لفحص مسألتين الأولى الحفاظ على مصالح أبناء الشعب الفلسطيني "اللاجئين" المقيمين فيها، والثانية معرفة موقف القيادة الجديدة من القضية الفلسطينية؛ وذلك بعدم الارتكان إلى ظواهر الأمور، والاعتماد على الموقف الشعب السوري التقليدي بدعم الشعب الفلسطيني دائما، أو عدم قدرة النظام المؤقت على التخلي عن القضية الفلسطينية.
مما لا شك فيه أن إنقاذها الدولة اللبنانية من خلال الحرص على التصويت الواسع لانتخاب الرئيس، ونقاذ الدولة السورية من خلال الدعوة لمؤتمر وطني ينشأ لجنة إعداد الدستور ويؤسس لمرحلة انتقالية تحفظ التنوع والتعدد في المجتمع السوري هما درسان مهمان للفلسطينيين يقضيان بضرورة النظر لانقاض الدولة الفلسطينية من خلال إنهاء حالة الانقسام السياسي من جهة، والحفاظ على المجتمع الفلسطيني من الانهيار والضياع بسبب النكبة الجديدة التي حلت به بعد الحرب الإسرائيلية من جهة ثانية، ورسم معالم المستقبل للفلسطينيين من جهة ثالثة.
هذا الأمر يعني إقامة مجلس تأسيسي لكتابة الدستور للدولة الفلسطينية والاتفاق على وسائل وأساليب مقاومة الاحتلال الإسرائيلي؛ بما يحقق البرنامج السياسي للفلسطينيين المتمثل بإقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وذلك بتجسيد جميع النضالات الفلسطينية وتحركاتهم السياسية على مدار السنوات الطويلة وتحديد توجهات الشعب الفلسطيني.