قرار وقف أعمال فضائية "الجزيرة" في مناطق السلطة الفلسطينية يوم الأربعاء 2-1-2025، بحجة بث الجزيرة مواد تحريضية وتقارير تتسم بالتضليل وإثارة الفتنة والعبث، والتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، باعتقادي أنه قرار بحاجة إلى اعادة دراسة، فقد فتح المجال أمام مختلف الدول والمؤسسات باتهام السلطة الفلسطينية بأنها تمارس كتم الآفواه، وعدم وجود حرية للصحافة، في الوقت الذي ننتقد فيه سلطات الاحتلال بمنع الصحفيين من ممارسة أعمالهم، والإعتداء عليهم.
 
"الجزيرة" منذ انطلاقها في العام 96 إلى أيامنا هذه ظلت بالنسبة لـ "فتح" طرفاً منحازاً لخصوم الحركة ومنافسيها، وأحيانا معادية. ومع ذلك فقد تعامل معها الرئيس الراحل ياسر عرفات، رغم الأصوات والهتافات التي تعالت داعية لإغلاقها. وحيث قد راودته فكرة حظرها أكثر من مرة في مناطق السلطة، إلا أنه تجنب حظرها، رغم مواصلة "الجزيرة" نهجها المنتقد بشدة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وخصوصاً في برنامج (الاتجاه المعاكس)، بل انه كان يقبل الظهور على شاشاتها، مع وضوح تحيّزها الظاهر لخصوم السلطة من المعارضة، الذي كان الإسلام السياسي مجسداً بحركة "حماس". 

"الجزيرة" تعتبر قرار الاغلاق حدثاُ قد نجح مهنياً ويخدم مصالحها، لذا وضعت المشهد الذي سُجل بالصوت والصورة على شاشاتها، وقد أرفقته بقرار ومشاهد إغلاق سلطات الاحتلال مكتب قناة الجزيرة في رام الله يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي واقتحامه بموجب أمر عسكري. "الجزيرة" سوف تستمر بتناوله مستقبلاً، وبمخاطبة المنظمات الاعلامية الدولية لسحب القرار، كما انها بدأت تعمل منه مشاهد إثارة تستقطب مشاهدين كثر، وتخلق رأي عام معاد للسلطة، مما سوف يغطي على ما تمارسه سلطات الاحتلال من قتل وتدمير ومصادرة للأراضي في غزة والضفة الغربية. 

نحن الإعلاميون وكثير من الناس ندرك واقع وتأثير الاعلام في المنطقة والعالم، وقوته الإعلامية المتحالفة مع القوة الاقتصادية والأمنية والسياسية المهيمنة في المنطقة، "سلطة خامسة" بديلاً عن السلطة الرابعة (الصحافة)، سلطة وفق مخططات أجهزة الأمن والدفاع الكوني والإقليمي، وهذا ما تمثله الكثير من الفضائيات ووسائل الاعلام، ومنها "الجزيرة". لذا فهي تستمر في البث، بأساليب وطرق كثيرة ، ويساعد ذلك التطور التكنولوجي في مجال البث الفضائي، حيث يجعل من المستحيل إلغاء أي منبر، فكل مواطن يصوّر ويبث بجهاز جواله هو اعلامي، وبامكانه التواصل مع وسائل الاعلام.

أعتقد أن قرار وقف أنشطة  "الجزيرة" غير قانوني لآنه لم تتخذه السلطة القضائية، وهو مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني. وليس من مصلحة القضية معالجة الموضوع هكذا، بغض النظر عن صواب أو خطأ القرار، ولهذا أطلب بسرعة معالجته بما يخدم مصالحنا الوطنية. اتخاذ القرار ربما حرف البوصلة عن تغطية آخبار الآحداث ومعاناة الناس، وخلق مسار علني معاد للسلطة. كما أن الأمم المتحدة ومنظمات دولية وحقوقية ودول غربية أعربت عن "قلق عميق" بعد تعليق نشاطات "الجزيرة" ومراسليها في الضفة الغربية، وطالبت السلطة التراجع عن مسارها، وباحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي.

الوضع الراهن يؤكد وجود فراغ اعلامي لدينا بحجم الوطن، يتطلب منّا جميعاً اعلاميين ومؤسسات عقد ورشات عمل عبر نقابة الصحفيين في مختلف المحافظات، لتدارس الواقع المعاش، ووضع خطة استراتيجية اعلامية راسخة، وللعمل بمهنية ومسؤولية، ولمواجهة المخططات المعادية. والأجدر بدل إغلاق "الجزيرة" بهكذا قرار أطلب بأن تنتج السلطة إعلاماً مهنياً منافساً، وخطابا واضحاً بحجم التحديات، اعلام يقتطع من جمهور الجزيرة نسبة من المتابعين، بدلا من قرارات تستفيد منها الجزيرة وغيرها كثيراُ ومن مختلف الزوايا، فقد ضاعفت عدد مشاهديها، وازداد تسويقها عالمياً، وفق قاعدة "إذا ما أردت مضاعفة جمهور منبر ما، اجعل منه مشكلة يتداولها الناس".

أطالب الزملاء في قناة "الجزيرة" ومعي اعلاميين كثر، بتصويب عمل "الجزيرة" المهني وسياستها التحريرية، وفقا لميثاقها الأخلاقي المعلن، ومسؤوليتها الوطنية والإنسانية، وضروري أن تعالج انتقاد شريحة واسعة من الشعوب العربية لها، والتي تنبع من حجم أخطاء وتجاوزات الجزيرة، حيث تضر بالقضية الفلسطينية كثيراُ، كونها الأكثر متابعة. 

ونذكر أن مما يؤخذ على فضائية "الجزيرة" هي الأحكام المسبقة التي يصدرها محاوروا الجزيرة، وعدم احترام حقوق الضيف، والنبرة العدائية التي يستخدمها مقدموا برامجها، وتغريدات ومنشورات كبار العاملين في القناة، وغير ذلك. نطالبها الإلتزام بأخلاقيات الإعلام الأساسية، ومن بينها واجبها في منع التضليل المتعمد، وحظر تمجيد العنف، وإنهاء التحريض على التمرد المسلح، ناهيك عن نهج التطبيع الذي تمارسه، خدمة للمصالح المعادية.

نحن ندرك بأن، الجزيرة تعتبر مصدرا قيما للمعلومات عن فلسطين بما فيها غزة، وتوثيق استهداف الاحتلال الصحفيين الفلسطينيين وقتلهم. أتمنى أن لا يطول أمد قرار إلإيقاف، وأطلب من الجزيرة احترام القوانين الفلسطينية، وأن لا تثقل على الفلسطينيين، الذين يعيشون في ظلم كبير وحرب تدمير وابادة من المحتل وأعوانه... أدعو سلطتنا العودة عن قرارها. 
نريد للصحفيين أن يمارسوا عملهم بحرية وأمان، وكذلك وسائل الإعلام في الضفة الغربية أن تكون قادرة على العمل دون عراقيل، وبأهمية وحرية مضاعفة خصوصاً في مناطق الصراع.

نترحم على مئات الزملاء الصحفيين الذين استشهدوا وجميع الشهداء، ونتمنى الشفاء العاجل لجرحانا، والحرية لأسرانا.