صدى نيوز - بالتزامن مع عملية تأمين ناقلة النفط "إيفنتين"، أعلنت في نهاية الأسبوع الماضي ناقلة نفط أخرى بعد أن أبحرت من روسيا عن مشكلات لديها قبالة جزيرة روغن. حيث أبلغ طاقم ناقلة النفط "جاز" عن عطل في محركها. وذكرت الوكالة بعد ساعات قليلة أنَّ أفراد طاقم السفينة تمكنوا من حل المشكلات بأنفسهم.

والناقلة "جاز" تتواجد الآن قبالة مدينة سكاجين في شمال الدنمارك، ومن المفترض أن يتم إحضار الناقلة "إيفنتين" إلى هناك أيضًا. ولكن اعتبارًا من يوم الخميس، لا يُسمح لهذه الناقلة بمواصلة إبحارها بناءً على تعليمات من السلطات الألمانية.

وعلى العكس من "إيفنتين" فإنَّ الناقلة "جاز" غير مدرجة على قائمة منظمة السلام الأخضر البيئية الخاصة بالسفن المعروفة باسم أسطول الظل الروسي - والتي  يبلغ عددها بحسب معلومات الوكالة نحو 190 سفينة متهالكة تستخدمها روسيا لنقل نفطها.

وروسيا كما يُقال تستخدم ناقلات نفط ترفع أعلامًا أجنبية من أجل الالتفاف على حظر تصدير النفط المفروض عليها دوليًا بسبب حربها العدوانية ضد أوكرانيا. ومع ذلك فإنَّ هاتين السفينتين لديهما قاسم مشترك كبير: فهما تبحران تحت علم بنما. ولكن لماذا يعتبر علم بنما الواقعة في أمريكا الوسطى مفضلًا إلى هذا الحد؟.

إمكانية التسجيل بسهولة

يكمن أحد أسباب ذلك المحتملة في سهولة التسجيل: فبنما تستخدم ما يعرف باسم السجل المفتوح. وهذا يعني أنَّ بإمكان أي شخص طبيعي أو اعتباري تسجيل سفينة تحت علم بنما - بصرف النظر عن جنسيته. وعدد السفن المسجلة غير محدود أيضًا.

وبنما الواقعة في أمريكا الوسطى والتي يبلغ عدد سكانها 4.4 مليون نسمة، تحتل الصدارة في عدد التسجيلات. فبحسب منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) فإنَّ نحو 16 في المائة من السفن التجارية في جميع أنحاء العالم كانت ترفع علم بنما في عام 2023. وكذلك أكد الموقع الإلكتروني الخاص بـ"الهيئة التفيذية البحرية" الأمريكية على مركز بنما القياسي. وذكر أنَّ عدد السفن المسجلة في بنما قد ارتفع في عام 2023 إلى 8540 سفينة، وبهذا فإنَّ بنما تحتل المرتبة الأولى.

توفير في التكاليف بعلم "رخيص"

"تعتبر بنما دولة علم نموذجية رخيصة التكاليف"، كما يقول ألكسندر برولس، أستاذ القانون البحري الدولي بجامعة هامبورغ لـDW: "هذه الدول تسمح لشركات الشحن بتسجيل سفنها مقابل رسوم منخفضة نسبيًا وبرفع علمها". وهذا يمكّن شركات الشحن أيضًا من تجنب معايير أجور معينة وقواعد شحن أكثر صرامة. وفي المقابل تمثل التسجيلات الكثيرة بالنسبة لبنما تجارة مربحة.

وبصرف النظر عن الحرب العدوانية الروسية فإنَّ هذه مشكلة معروفة منذ عقود من الزمن ولا يمكن تغيير أي شيء فيها في ضوء مبدأ سيادة العلم في القانون البحري، كما يقول ألكسندر برولس. ويضيف أنَّ جميع المحاولات السابقة باءت في آخر المطاف بالفشل.

تقديم الكحول بدلًا من حظره

ومركز بنما القياسي في عدد التسجيلات له تاريخ يمتد لعقود من الزمن. فقد بدأت في نهاية الحرب العالمية الأولى الموجة الكبيرة الأولى مما يعرف باسم "علم المواءمة"، أي تغيير العلم الوطني من دون تغيير الملكية.

وخلال فترة حظر الكحول في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن مسموحًا للسفن الأمريكية بتقديم الكحول، ولكن ذلك كان مسموحًا لهذه السفن عند رفعها علم بنما. وفي هذا الوقت تم إدخال سجل السفن المفتوح، وذلك لأسباب منها تجنب الأجور المرتفعة وظروف العمل الأفضل، التي كان قد فرضها القانون الأمريكي. وبنما أول دولة بدأت باستخدام السجل المفتوح، ثم تلتها هندوراس وليبيريا. وبحسب مدونة من جامعة بريمن الألمانية فقد شهدت هذه الممارسة ازدهارًا كبيرًا في ثمانينيات القرن العشرين.

وقد تعرضت هذه الممارسة لانتقادات شديدة: فقد حاولت الدول الأوروبية مواجهتها بوضع سجلات بحرية هدفها تقديم شروط أفضل لشركات الشحن. وهذه السجلات البحرية هي سجلات في مناطق تابعة لدول العلم الأكبر؛ وفيها لوائح أقل صرامة وضرائب منخفضة. ولكن مع ذلك فإنَّ دولة العلم الأصلية تحتفظ لنفسها بالسيطرة الإدارية.

ومع أنَّ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تعتبر معاهدة متعددة الأطراف، وكثيرًا ما يطلق عليها اسم "دستور البحار"، تنص على ضرورة وجود "علاقة حقيقية" بين الدولة والسفينة التي ترفع علمها.

ولكن لقد أوضحت المحكمة الدولية لقانون البحار قبل عدة أعوام أنَّ هذا المعيار لا يحد من حق الدولة في منح علمها لسفينة ما. وهذا يهدف فقط إلى ضمان قيام الدولة صاحبة العلم بواجباتها بعد منح العلم.

لا يمكن منع استخدام "علم أجنبي"

وبشكل عام لا يمكن منع الإبحار تحت "علم أجنبي" وكذلك منع عبور مياه معينة. إذ إنَّ "فرض حظر عام على الناقلات المشبوهة لا يتوافق مع القانون البحري الدولي"، كما قال ألكسندر برولس لـDW. وعلى كل حال، قد يستطيع الاتحاد الأوروبي تنفيذ هذا القرار مع سفن تبحر تحت العلم الروسي.

ومن جانبها أعلنت حاليًا إدارة سجل الشحن في بنما أنَّها تبذل جهودًا على الأقل فيما يتعلق بالسلامة. وبحسب "الهيئة التفيذية البحرية" الأمريكية فقد قالت الإدارة إنَّها حذفت في عام 2022 نحو 160 سفينة من سجلها. وذكرت أنَّ متوسط ​​عمر السفن المحذوفة من السجل يبلغ نحو 17 عامًا. وتوجد من بين السفن المحذوفة من السجل 78 سفينة صيد مرتبطة بالصيد غير المسجل وغير المنظم.