صدى نيوز - قام الرّئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسحب المقعد كي يتيح لبيبي نتنياهو الجلوس عليه، وذلك خلال زيارة نتنياهو الأخيرة إلى البيت الأبيض، وهي إشارة تعني الاحترام الكبير الذي يكنّه ترامب لنتنياهو، ورسالة إلى الإسرائيليين ومجموعات الضغط الصهيونية والأميركيين وغيرهم، بأنّ العلاقة بينهما على أفضل ما يكون، وتزكية لموقفه هذا فقد وقّع على صفقة سلاح جديدة بثمانية مليارات دولار لإسرائيل، وهذا تحصيل حاصل لا يعترض عليه أي رئيس أميركي.

دونالد ترامب يريد علاقات دولية تصبُّ جميعها لصالح الخزينة الأميركية، هذا يشمل علاقته بالعرب فهم مصدر مالي هام نتيجة وجود دول البترول العربي، ولكنه لا يتوقف عند العرب.

فقد التفت إلى بنما، وأعلن أنّه سيحتل قناتها، على طريقة الصفقة، تنازل عن احتلالها، وقرّر أن يكتفي بإعفاء السُّفن الأميركية من رسوم عبور قناة بنما.

الآن يطالب الرئيس الأوكراني، زيلنسكي، بإعادة مبلغ ثلاثمئة مليار دولار التي تلقاها كدعم له في مواجهة الغزو الرّوسي، وسيضطر زيلنسكي تحت هذا الطّلب، إلى قبول صفقة مع بوتين، وهذا ما يسعى إليه ترامب، الذي لا يريد خصمًا كبيرًا مثل روسيا، بل يريد أن يحيّدها على الأقل، من خلال منحها قطعة من الكّعكة في أوكرانيا، وكي يقيم علاقات مصالح مشتركة مع بوتين.

لقد لوّح ترامب لنتنياهو بأنّ السّعودية سوف تطبّع العلاقات معه، ولوّح له بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وفتح له مخازن السّلاح ليقدّم الأحدث منها والأكثر تدميرًا، كي يغريه ويمنحه غطاءً لقبول وقف إطلاق النار من غير النصر الكامل على حماس.

وفي الوقت ذاته، أعلن أنّ أميركا هي التي ستتولى أمر قطاع غزّة، لكي يصنع منها "ريفيرا" المنطقة! ونتنياهو لم يستطع إلا أن يشكر ويتحدّث عن أنّها فكرة عظيمة خارج الصندوق، ولكن السّيطرة الأميركية تعني أنّ الاحتلال لن يكون هناك، ولن يكون استيطان إسرائيلي في قطاع غزّة.

نتنياهو يريد أن يستأنف الحرب، فهو يملك جيشًا قويًّا، وهي فرصة للقضاء على حماس حتى النهاية، ولاستعادة هيبته، إلا أن ترامب يريد وقف إطلاق نار طويل، كي يسجّل كواحدٍ من إنجازاته الكبيرة أمام العالم، وخصوصًا أمام حلفائه من العرب المحرَجين من كونها حرب إبادة، وليست حربًا ضد حماس، يستطيع ترامب أن يأتي إليهم، ويطالب بحقوقه، وأن يقول لهم بصوت قوي "أنا الذي أوقفت حرب الإبادة".

بهذا يمنح ترامب حلفاءه قدرة على المناورة، وألا يتركهم تحت رحمة نتنياهو الذي يشعر بالقوة والخيلاء والعظمة كلما أمعن في إهانتهم. السّيسي الذي أسهم في حصار قطاع غزة، وانتظر استسلام حماس، لا يستطيع أن يتقبّل خطة التّهجير، لأن شعب مصر لن يتقبّل هذا، على الرغم من حديث ترامب عن أن مصر والأردن سوف يساعدوننا.

نتنياهو لم يعد حرّا في قراره بما يتعلق في العودة إلى الحرب، على الرغم من حديثه عن وجود خروقات من قبل حماس.

أما غضبه يوم تحريرّ الدفعة الأخيرة، السّبت، بادعاء أن المحرّرين مرهقون، فإنّ غضبه الحقيقي هو لاستعراض حماس العسكري، الذي يقزّم إنجازاته، يكاد يقول لهم لا تستعرضوا قوّتكم، كذلك لصورته التي كتبوا عليها بسخرية "النّصر المطلق"، وفوق رأسه المثلّث الأحمر. نتنياهو توعّد بالرّد، وهو قادر، ولكنه لن يستطيع العودة إلى حرب شاملة كما كان الوضع قبل وقف إطلاق النار، لأنَّ القرار بات لترامب وليس له.

يستطيع نتنياهو أن يسخر من السُّعودية لرفضها التّهجير بقوله إنّ عندهم مساحة كبيرة، فليأخذوا الفلسطينيين إليهم.

يستطيع نتنياهو أن يزعم بأنّ العدو الأساسي للسّلام في المنطقة هو إيران، وليس الاحتلال والتوسّع الإسرائيلي، ولكن ترامب لا يريد مواجهة عسكرية مع إيران؛ لأنّها مُكلفة اقتصاديًا، بينما هو يريد صفقة تعود في نهاية المطاف بأرباح على خزينة الدولة الأميركية.

ترامب يقدّم مكافآت ترضية إلى نتنياهو، فيعاقب محكمة الجنايات الدولية بقطع الدعم عنها، وسبق أن نقل السّفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بالجولان كأرض لدولة إسرائيل، ولكنّه في نهاية المطاف يريد صفقات مربحة له ولمن حوله ولأميركا، وعلى نتنياهو أن يمتثل لما يطلبه منه، ولن يستطيع نتنياهو مهما "شبَط ولبَط" أن يتمرّد على رغبة دونالد ترامب.