صدى نيوز - الرئيس الأميركي ترامب الذي يعتقد أنه «مكلف بقلب أميركا والنظام العالمي الذي تقوده رأساً على عقب»، أعاد القول إنه ملتزم «بشراء قطاع غزة وامتلاكه وحتى إعطاء أجزاء منه لدول أخرى، وربط ذلك بالحاجة إلى مواصلة ضم الضفة الغربية وطرد حماس وعائلات أعضائها خارج الضفة الغربية.
في هذا الخضم وضع نتنياهو بالتوافق مع ترامب شروطاً جديدة لمواصلة تنفيذ صفقة الرهائن في المرحلة الثانية والثالثة، أهمها إبعاد قيادة حركة حماس وكل من يرتبط بها عن قطاع غزة، واستعداده لاستئناف القتال أو إطالة أمد الاستنفار الأمني والعسكري حفاظاً على سموتريتش والائتلاف الحكومي.
وقد تزامن وقف إطلاق النار في غزة يوم 19 كانون الثاني الماضي بشن حرب شاملة في الضفة يشارك فيها مستوطنون بشكل شبه يومي، في مفارقة غريبة عنوانها انقسام الساحة الفلسطينية بين حرب وهدنة بعد أن ذوت وحدة الساحات اللبنانية والسورية والعراقية واليمنية والإيرانية.
الحرب على جبهة الاقتصاد لا تقل خطورة، فقد جمدت حكومة نتنياهو 760 مليون شيكل بعد نجاح دعوى قضائية رفعها مئات ضحايا هجوم 7 أكتوبر 2023.
المشهد الفلسطيني شديد الحلكة، وينذر بكوارث لا حصر لها، بعد أن أصبح وجود شعب على أرض وطنه وخارجه وحقه في تقرير المصير وحقوقه المدنية والإنسانية في مهب الريح، حين تولى تقريرها طغمة من أصحاب التريليونات وآلة الحرب المتغطرسة كما حدث في عهود العبودية الغابرة والاستعمار المتوحش التي كانت تستند إلى عقيدة «حق الأقوياء في السطو والنهب والقتل والتشريد والاغتصاب وإذلال البشر. إن التهديد الوجودي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني يأتي في سياق انقلاب على النظام الدولي ومنظومة قوانينه وقراراته وعلاقاته التي كانت تتعرض لانتهاكات قوى الهيمنة بزعامة أميركا، وكان يتم التعامل معها بانتقائية وبمعايير مزدوجة، لكنها اليوم تُنسف في الشكل والمضمون بمبادرة من الرئيس ترامب.
الانقلاب يتحدى كل الشعوب تقريباً ومعظم الدول. هل يسمح العالم بنجاح التمرد والانقلاب الشامل ويترك المستهدفين يواجهون مصيرهم منفردين، يترك الشعوب الضعيفة لا سيما الشعب الفلسطيني وفقراء العالم لقمة سائغة تقع في فم أصحاب الانقلاب؟ أم سيقاومه ؟ وكيف سيتعامل الشعب الفلسطيني مع هذا التهديد المصيري؟
في البدء علينا الاتفاق على تعريف الخطر الداهم، والتعريف لحسن الحظ سهل ولا يحتاج إلى تحليل استشرافي. فعندما يتحدث ترامب عن السيطرة على قطاع غزة وتحويله إلى مشروع عقاري تجاري – ريفيرا -، ويتحدث عن توسيع مساحة إسرائيل التي تشكو من صغر المساحة في أراضي الضفة والقطاع، وتتولى حكومة نتنياهو تفكيك وتدمير الكيانية الفلسطينية وبنيتها على أرض الواقع، فهذا يعني باختصار تدمير وتهجير وضم وتصفية القضية الوطنية وإذابتها في المحيط وفي العالم. ويستدعي عمل كل ما من شأنه قطع الطريق على التصفية. واستبعاد كل عمل مرتجل وغير محسوب، وتغليب المصلحة العامة الوطنية على كل المصالح الفئوية الضيقة والأنانية.
وفي التطبيق نجد مشاكل في الاستجابات، مشكلة أولى: موقف حركة حماس الذي عبرت عنه مؤخراً في الشعار الذي رفعته أثناء تسليم ثلاثة أسرى إسرائيليين وهو: نحن الطوفان ..نحن اليوم التالي.
هذا الشعار يلخص موقف حماس سواء لجهة التغني بالطوفان الذي استخدمته دولة الاحتلال في تحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة، واستخدمه ترامب وائتلاف نتنياهو الكاهاني الحكومي في مشروع التهجير والتملك العقاري، أو لجهة التمسك بحكم قطاع غزة الذي تحرص الحركة على تقديمه على كل المهمات الأخرى، من خلال استعراض القوة أثناء مراسم تسليم الأسرى، والحرص على وضع القطاع في قبضتها، دون التوقف عند تجربة استخدام دولة الاحتلال لأي وجود ونشاط لحركة حماس في القطاع لارتكاب المجازر والتهجير قبل وقف إطلاق النار، ولا لإمكانية استخدام دولة الاحتلال إعلان حماس استعادة السيطرة على القطاع لاستئناف الحرب ووضع التهجير على سكة التنفيذ، وبمستوى أقل منع إعادة الإعمار والتحكم في المساعدات الإنسانية، ومقايضة استمرار سيطرة حماس المدنية بإبعاد قيادة وكوادر حماس العسكرية وسيطرة أمنية إسرائيلية على القطاع شبيهة بالسيطرة على الضفة، وباستمرار فصل القطاع عن الضفة.
إن دخول حماس في مقايضة البقاء في الحكم يتناقض مع الأهداف التي وضعتها بوصفها حركة مقاومة، والأخطر من ذلك أنه لا يساهم في منع أهداف حرب الإبادة والتصفية ولا في إعادة الإعمار وإعادة البنية التحتية وبخاصة أنظمة الصحة والتعليم والإنتاج.
لا شك في أن الخسائر التي لحقت بالحركة وبقيادتها واستمرارها في مقاومة المحتلين طوال 15 شهراً شكلت حافزاً قوياً للاستمرار في السيطرة على القطاع، لكن الخسائر التي لحقت بالمواطنين وبمجتمعهم ومؤسساتهم ومعنوياتهم ومستقبلهم كانت أشد وأخطر، ويشكل وقفها والبدء في عملية الإنقاذ والبقاء معياراً حاسماً عند اتخاذ أي موقف سياسي من قبل حماس وغيرها.
بقاء حماس السياسي واستمرارها لا يقاس بالبقاء في الحكم وإنما يقاس بمدى مساهمتها في إنقاذ شعبها وقطع الطريق على استمرار الإبادة والتهجير، ويقاس بعدم تكرار الأخطاء والمغامرات غير المحسوبة.
لا تزال المفاهيم المتداولة لمواجهة الخطر الوجودي تنتمي إلى ما قبل 7 أكتوبر والتي لم تكن صالحة للعمل المشترك قبله وبالتأكيد بعده. فعند التوقف عند الدعوة إلى تشكيل قيادة وطنية مؤقتة، أو العمل في إطار قيادي مؤقت كما ورد في بيان بكين والذي طالما دعت إليه التنظيمات اليسارية المنضوية في منظمة التحرير. هذه الدعوة تعني بصريح العبارة القفز عن الشرعية الفلسطينية المعترف بها عربياً وعالمياً، لكن حماس وحركة الجهاد الإسلامي لا تعترف بها. الحل خارج الشرعية يجعلنا نخسر الشرعية من الناحية العملية.
تقول تجربة محور المقاومة إنها تجاوزت شرعية دولها وبلدانها لصالح بدائل بمسمى المقاومة ومن خلال السيطرة على الدولة، وانعزلت تلك البلدان وفقدت دعم وتضامن بلدان عديدة.
للأسف حذت حماس حذو فصائل محور المقاومة في بناء أطر موازية أو بديلة وفي فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
بعد حرب مريرة استعادت الدولة اللبنانية دورها كإطار شرعي معترف وكان حزب الله من مكوناتها، وتحول لبنان من ساحة بأجندة خارجية إلى بلد له أجندة وأولويات ومصالح.
وبالمثل فإن الحل الفلسطيني يكون بمجيء حماس والجهاد الإسلامي إلى الشرعية الفلسطينية وتعاملها الجدي مع استحقاقاتها، - وبخاصة اعترافها بمنظومة القوانين والاتفاقات الدولية -.
الشرعية الفلسطينية جاءت كحصيلة للنضال الفلسطيني وعلاقاته مع الحلفاء والأصدقاء، ولا غنى للشعب الفلسطيني ولحركته السياسية عن هذه الشرعية التي ترتبط بنمو وتطور الكيان الفلسطيني وتقرير المصير.
صحيح أن مؤسسات الشرعية شائخة وتحتاج إلى تطوير وتجديد والى ديناميات عمل جديدة، ولكن لا يمكن وضع شروط مسبقة للمشاركة في الشرعية، فالتطوير يأتي من داخلها عبر نضال ديمقراطي يمارسه ديمقراطيون وبمشاركة وإشراك الكفاءات من داخل المجتمع والتجمعات الفلسطينية خارج الوطن. وللحديث بقية.