خاص صدى نيوز: أثار المرسوم الرئاسي حول دفع مخصصات لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، جدلاً كبيراً في الشارع الفلسطيني، فمنذ سنوات تُعاني فلسطين من أزمة مالية خانقة لم تشهد مثلها من قبل، بسبب تمسكها وبقوة بهذا الملف ورفضها للتحريض الإسرائيلي والأمريكي للتخلي عنه، واليوم ماذا سيحدث بعد اتخاذ هذا القرار، وما السبب وراء توقيته؟ 

وللتذكير فإن المرسوم الرئاسي الذي نُشر أمس قضى بإلغاء المواد الواردة بالقوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى، والشهداء، والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك نقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، وهي مؤسسة أهلية ليست جزءاً من الحكومة الفلسطينية. 

واجهت السلطة الفلسطينية منذ سنوات طويلة طلبات من أمريكا وأوروبا والمجتمع الدولي بتحريض من إسرائيل، بوقف صرف رواتب الشهداء والأسرى والجرحى، بحجة أن السلطة تدفع أموالاً لفلسطينيين ينفذون هجمات تضر بالإسرائيليين أو تقتلهم. 

والسؤال الذي يطرحه الفلسطينيون حالياً، هو لماذا تم اتخاذ هذا القرار بهذه المرحلة الصعبة التي تواجهها القضية الفلسطينية اليوم؟

تمر السلطة الفلسطينية بأزمة مالية خانقة جداً، ووصل سقف دينها لأعلى مستوياته، والبنوك الفلسطينية لم تعد قادرة على إقراض الحكومة أكثر من ذلك، ولا توجد شبكة أمان عربية أو دعم خارجي كبير ينشلها من أزمتها، بالإضافة لاستمرار الاقتطاع الإسرائيلي من عائدات الضرائب الفلسطينية (أموال المقاصة). 

الاتحاد الأوروبي يفرض شروطه

من المقرر أن يجتمع مجلس السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي خلال الشهرين المقبلين لإقرار موازنة جديدة للسلطة الفلسطينية تقدر بـحوالي 2 مليار يورو لمدة عامين.

 ويشار إلى أن الأوروبيين طالبوا السلطة مراراً وتكراراً بوقف صرف الرواتب للأسرى والشهداء، بتحريض واسع من إسرائيل.

وأكد مراقبون لصدى نيوز أن الموازنة الجديدة المرتقب اعتمادها من أوروبا للسلطة الفلسطينية ستكون مهددة في حال استمرار صرف الأموال للشهداء والأسرى الفلسطينيين.

واشنطن أيضاً.. 

علقت واشنطن دعمها للميزانية الفلسطينية في الربع الأول من 2017، بأمر من الرئيس دونالد ترامب، بعد حملة شنتها السلطة الفلسطينية ضده عقب إعلانه بأن القدس عاصمة لإسرائيل، ومن وسط أسباب تردي العلاقات الأمريكية الفلسطينية كان التحريض الإسرائيلي لأمريكا بإلزام السلطة الفلسطينية بوقف دفع المخصصات للشهداء والأسرى، وهو ما رفضته السلطة على مدار سنوات. 

ومع تزايد التوتر في العلاقة الأمريكية الفلسطينية، قررت أمريكا في عام 2018 إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، الذي فُتح هناك منذ 1994، بحجة أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تتخذ أي خطوة لدعم البدء في مفاوضات مباشرة وجادة مع إسرائيل ورفض الفلسطينيين لخطة ترامب للسلام في حينه. 

كما قطعت الولايات المتحدة تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي تقدم الدعم لملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط. 

احتجاز المقاصة

يواصل الاحتلال الإسرائيلي باعتبار أموال المقاصة الفلسطينية سلاحاً يهاجم فيه السلطة الفلسطينية، حيث يقتطع منذ سنوات ما يقارب الـ40 مليون شيكل شهرياً بحجة أنها تدفع كمخصصات لأهالي الشهداء والأسرى والجرحى.

 وزادت إسرائيل من هيمنتها على الأموال الفلسطينية بإصدار قرارات من المحكمة بسحب المزيد من أموال المقاصة لتعويض عائلات إسرائيلية تعرضت للضرر من عمليات نفذها فلسطينيون. 

ماذا بعد هذا القرار؟ 

الباحثون عن جواب لهذا السؤال، أمامنا عدة سيناريوهات متوقعة، أولاً قد يوافق الاتحاد الأوروبي بعد (المرسوم الرئاسي الفلسطيني الأخير) على تجديد الدعم للسلطة الفلسطينية في اجتماعه المرتقب بعد شهرين، فعدا عن إصلاح السلطة والحكومة الفلسطينية، طالب الاتحاد الأوروبي دوماً بوقف صرف الرواتب لعائلات لشهداء والأسرى والجرحى الفلسطينيين.
 
أما إسرائيلياً، فلا يبدو أن إسرائيل ستقتنع بأن هذا القرار سيجعلها تُفرج عن الأموال الفلسطينية، خاصة بوجود الوزراء المتطرفين كوزير المالية الإسرائيلي بتسئليل سموتريتش وتلميحات بن غفير بالعودة للحكومة الإسرائيلية.

وسط مطالباتهم وغيرهم الكثير من الوزراء المتطرفين، بفتح باب الهجرة الطوعية أمام الفلسطينيين سواء بقطاع غزة أو حتى الضفة الغربية، فهذه الحكومة تسعى قدر الإمكان لتجريد الفلسطيني من حياة طبيعية في أرضه، وتحاول بشتى الطرق التضييق عليهم لدفعهم للهجرة وترك بلدهم، فمع كل هذا التطرف هل ستوافق على التخلي عن سرقة المقاصة وإعادة دوران العجلة الاقتصادية في فلسطين وصرف رواتب كاملة للموظفين الذين يحركون بدورهم السوق، وسداد كل ديون السلطة للقطاع الخاص؟

أما أمريكياً، مع وجود دونالد ترامب الذي قطع بنفسه الدعم الأمريكي للسلطة الفلسطينية قبل 8 سنوات، والذي يهدد علناً ويتحدى العالم بـ"شراء غزة" وتهجير الفلسطينيين، هل سيوافق الآن على دعم السلطة وتقويتها وتحسين ظروف معيشة الفلسطينيين وأن يعيد بيديه تمرير الأموال للفلسطينيين؟ 

وهل سيقتنع الكونغرس الأمريكي بأن السلطة الفلسطينية قطعت الأموال عن عائلات الشهداء والأسرى وبأن هذا الملف "شُطب" نهائياً؟  وهل سيُجمع على إعادة تمرير الدعم لفلسطين وفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن مجدداً؟ 

والسؤال أيضاً، هل سيبنى الموقف الأمريكي تجاه السلطة الفلسطينية مع إدارة ترامب الجديدة مستنداً على خطوة "المرسوم الرئاسي الفلسطيني" ما يفتح الباب أمام استئناف الدعم وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية أم أن واشنطن ستنتظر أولاً موقف إسرائيل من تلك الخطوة؟

مطالبات فلسطينية بسحب المرسوم..

طالبات مؤسسات الأسرى في فلسطين وعلى رأسهم، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس بسحب المرسوم الرئاسي، مؤكدين أنهم يرفضونه. 

وقال فارس في مؤتمر صحفي اليوم تابعته صدى نيوز: "نوجه مناشدة للرئيس محمود عباس أن يستمع لصوت الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني الرافضة لهذا المرسوم، ولا يجمع الناس على ضلالة "مش معقول كلنا غلط"، وأن يسحب هذا المرسوم وإشراك المؤسسات في دراسته".

ولفت إلى أن مؤسسة التمكين الاقتصادي التي نقلت إليها (مخصصات الأسرى والشهداء) هي مؤسسة أهلية وليست حكومية أو جزءاً من الحكومة.

وقال: "أناشد اللجنة المركزية لحركة فتح والمجلس الثوري، والأقاليم أن يقفوا عند مسؤولياتهم".