مأزق حركة حماس في التوفيق بين المقاومة المسلحة والسلطة في نفس الحيز الجغرافي الخاضع لإسرائيل ليس بالأمر الجديد بل هي عالقة في مفترق طرق منذ سيطرتها على السلطة في قطاع غزة 2007، ومنذ ذلك الوقت وهي تحاول الجمع بين الأمرين وكان الشعب يدفع ثمن فشلها.
ومع ذلك ما زالت حماس مصرة على التمسك بالسلطة في قطاع غزة بالرغم من حرب أدت لتدمير غاليية قدراتها العسكرية من صواريخ وأنفاق ومقتل الآلاف من عناصرها واغتيال قياداتها العسكرية الميدانية وتفكك محور المقاومة الإيراني وانكشاف محدودية الفعل الإسنادي للحلفاء الآخرين مثل تركيا وقطر وتزايد المطالب الشعبية وخصوصاً في قطاع غزة بتنحيها عن السلطة؟ 
من المعروف في عالم السياسة ومن تجارب الشعوب بما فيها التي تمر بمرحلة التحرر الوطني أنه عندما يتمسك حزب أو حركة سياسية بالحكم والسلطة فيجب أن تكون هناك مبررات وأسباب ليقنع بها الشعب والعالم بأحقيته بالسلطة، مثل : تجربته الناجحة في السلطة والحكم والتزامه بالدستور والحكم الرشيد، قدرته على إدارة مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات العامة للجمهور، قدرته على حماية الشعب والدفاع عنه في مواجهة التهديدات والمخاطر الخارجية، علاقته الناجحة مع دول الجوار وبقية دول العالم، والأهم من ذلك أن يحظى بقبول وتأييد شعبي.
فأين سلطة حماس من كل ما سبق؟ 
لقد استولت حماس على السلطة في قطاع غزة وتسببت بالانقسام وحاولت بطريقة عجائبية أن تجمع بين كونها حركة مقاومة ترفع شعارات عدم الاعتراف بإسرائيل والقضاء عليها من جهة وكونها سلطة وحكومة في منطقة تخضع كلياً لإسرائيل التي تتحكم في كل المنافذ  والمعابر بحيث كل ما يدخل القطاع سلع غذائية ووقود ودواء يمر من خلال جيش الاحتلال ،من جهة أخرى، ،واستمرت بالسلطة طوال ١٧ عام تحت عنوان أنها سلطة مقاومة مع أن استمرارها بالسلطة كان بقبول إسرائيل عبر قطر، ولم تقدم حكومتها أية خدمات عامة لأهالي قطاع غزة بل كانت تجبي الضرائب دون تقديم خدمات ،وكانت كل الخدمات العامة تأتي من السلطة الفلسطينية والمشاريع الأجنبية أما مال حماس فكان لحماس كما قال خليل الحية ،كما فشلت حماس ليس فقط في تحرير فلسطين أو القدس بل حتى في حماية قطاع غزة من العدوان الصهيوني و تسببت بطريقة غير مباشرة في تدمير ٨٠% من القطاع وفقدان حوالي ربع مليون ما بين شهيد ومفقود وجريح وأسير في الحرب الأخيرة كما تمارس القمع والإرهاب ضد سكان القطاع الذين يطالب غالبيتهم بخروج حماس من المشهد، بالإضافة الى مخاطر التهجير وعدم الإعمار في حالة إصرارها على البقاء كجماعة مسلحة في القطاع.
اذاً لماذا تُصر قيادة حماس على بقاء الحركة بأسلحتها في القطاع وترفض أي تواجد لمنظمة التحرير أو قوات عربية بينما تقبل أن تحكم في ظل وجود قوات الاحتلال في محوري فيلادلفي ونتساريم وأن تستمر إسرائيل بالتحكم في كل معابر ومنافذ القطاع؟
يبدو أن المكابرة والمعاندة والجهل الاستراتيجي عندها جعلها لا تُعير اهتماماً بكل معاناة الشعب وتناور في المفاوضات مع العدو حول الهدنة معتقدة أن استعراضاتها العسكرية في حفلات تسليم أسرى وجثث العدو غيرت نتائج حرب الإبادة لصالحها وأرهبت العدو والوسطاء وبالتالي لا داع للعجلة ولا تهم معاناة الشعب وسقوط الشهداء يومياً، فشعب فلسطين في نظرهم (شعب الشهداء) كما قال أحد قادتهم وحتى لو مات كل الشعب فالمهم بالنسبة لهم أن تبقى حماس وقياداتها !.
 في حالة استمرار حماس في السلطة والمشهد السياسي لا نعرف شكل التعايش والتجاور الذي سيكون بينها وإسرائيل بعد كل ما جرى من موت ودمار وتحريض بين الطرفين؟ وهل يتصور أي عاقل حتى في حالة فشل مخطط التهجير امكانية أن تسمح إسرائيل بدخول المساعدات وإعادة إعمار القطاع مع وجود حركة حماس بسلاحها وشعاراتها وتحالفاتها الخارجية؟
نكررها مرة أخرى، إن حماس حركة مقاومة ولكنها ليست المقاومة وهي حركة اسلامية ولكن الإسلام في غزة غير مرهون بوجودها، و بالتالي ومن أجل المصلحة الوطنية ولحماية ما تبقى من شعب وأرض وكرامة لسكان غزة يجب أن يكون قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح وأن تتخلى حماس وكل الفصائل عن السلاح وأن ترابط قوات عربية ودولية، ولتأخذ حركة حماس وكل الشعب استراحة مقاتل أو هدنة طويلة المدى ما دامت هذه الهدنة ستوقف حرب الإبادة والتطهير العرقي في الضفة وغزة وتمنع التهجير وتوقف المعاناة عن أهلنا في القطاع.
واذا حاولنا الإجابة المباشرة عن سبب تمسك حماس بالسلطة فسنكون أمام ثلاث فرضيات:
الأولى: إن الحركة، ومن يؤيدها في فلسطين وخارجها، تؤمن بصحة نهجها بأنها حركة مقاومة اسلامية ووطنية وما تقوم به واجب وفرض ديني ووطني وما يسقط من ضحايا وخسائر مادية ضريبة وثمن يجب دفعه ،وهي تستشهد بتجارب من التاريخ الإسلامي أو تجارب حركات التحرر في العالم كالتجربة الجزائرية. الخلل في هذه الرؤية أو وجهة نظر المعارضين كما يلي:
١- إن الشعب الفلسطيني لم يفوضها للقيام بهذه الحرب.
٢-تجاهل خصوصية الحالة الفلسطينية من حيث طبيعة الاحتلال الصهيوني وتحالفاته الدولية، والاختلاف الجيواستراتيجي زماناً ومكاناً بين فلسطين وبقية حركات التحرر.
٣-عند قيامها بطوفان الأقصى لم تأخذ بعين الاعتبار القوى الوطنية وخصوصية الحالة العربية وتحالفت مع إيران الفارسية الشيعية ومحور المقاومة التابع لها.
الفرضية الثانية: إن الحركة تشتغل خارج الإطار الوطني ولغير صالح فلسطين بل تعمل كجماعة اخوان مسلمين هدفها إنجاح سلطة ومشروع للجماعة ولو على حساب فلسطين وشعبها، ومن المعلوم أن جماعة الإخوان المسلمين لا تؤمن بفكرة الأوطان وبالدولة الوطنية، كما أن جزءاً من الحركة يعمل لصالح أجندة إيران، وهناك خلاف بين التيارين داخل الحركة.
الفرضية الثالثة: إن الحركة تعرف أن دورها الوظيفي انتهى بعد قيامها بعملية الطوفان الملتبسة وتعلم أنها فقدت كل أوراق القوة إلا ورقة الأسرى الاسرائيليين وهي ورقة ضعيفة توظفها إسرائيل وأمريكا لاستكمال الهدف الاسرائيلي الحقيقي من الحرب وهو التدمير والتهجير، وقيادة الحركة تعرف ذلك ولكنها تناور لإمكانية تحقيق أحد الأمرين:
١- تقديم مزيد من التنازلات لإسرائيل وواشنطن في موضوع الأسرى والهدنة ووقف الحرب في غزة والضفة حتى وإن أدى الأمر لتصفية القضية الوطنية في مقابل استمراها بالسلطة في قطاع غزة ضمن الشروط الإسرائيلية.
٢- تسعى لاستسلام مشرف من وجهة نظرها بحيث يحل محلها سلطة في غزة تضمن سلامة مقاتليها من الملاحقة وأمن قياداتها في الداخل والخارج وعدم مصادرة أو حجز أموال الحركة. 
وختاما ،ميوعة قرارات قمة القاهرة والتباس موقفها من حركة حماس وأسلحتها، وعدم صلابة مواقف قيادة المنظمة في مواجهة حماس والحكومات التي تقف معها، وحديث مسؤولين إسرائيليين بأن حماس ما زالت قوية وتشكل خطراً على إسرائيل ولا يمكن اختراقها، أيضاً ما يدور من حديث عن مفاوضات مباشرة بين المبعوث الأمريكي وقيادات حماس في الدوحة ... كل ذلك يرسل رسائل قد تفهمها حماس الداخل بشكل خاطئ وقد تشجعها على مزيد من المناورة لإطالة عمر وجودها في المشهد ،ولكن عليها الحذر لأنها رسائل مظللة وخصوصا لحماس الداخل هدفها تعزيز الانقسام والفتنة الداخلية وتحرير الأسرى الاسرائيليين ثم استكمال مخطط التدمير والتهجير ،و نتمنى ألا تقع الحركة في حبائل هذه المخادعة، وسيكون المخرج الوطني للحركة من مأزقها هو التنسيق مع منظمة التحرير ومصر وهو الأسلم لها وللشعب .