تتمثل أبرز مآخذ إسرائيل على القمّة العربية في القاهرة في ما يلي بالأساس: أولاً، عدم إدانة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) باعتبارها "البادئة بشن الحرب"، وتجنّب المطالبة بنزع سلاحها وسلاح حزب الله في لبنان، وكذلك عدم ذكر ضلوع كل من الحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق وإيران في الحرب.
ثانيا، الدعوة إلى تدويل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بواسطة عقد مؤتمر دولي، والتي تعني إيلاء دور مركزي إلى الأمم المتحدة، فضلاً عن تعزيز دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ثالثاً، المطالبة بمحاسبة إسرائيل في الهيئات الدولية المعنية جرّاء ارتكابها جرائم حرب، بما في ذلك الإبادة والتجويع.
وخلصت عدة قراءات إلى أن الموقف العربي من إسرائيل، الذي جرى التعبير عنه في القمّة، يشتمل على المكونات الرئيسية الآتية: الخيار الإستراتيجي للسلام العادل والشامل في الإقليم يجب أن يتضمّن تسوية القضية الفلسطينية، من خلال حلّ الدولتين ونسج علاقات طبيعية تعتمد على التعاون بين كل الدول؛ معارضة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه التاريخيّة والحؤول دون نشوء ظروفٍ تؤدي إلى ذلك.
نظراً أيضاً إلى التهديد الذي يشكّله هذا السيناريو لاستقرار منطقة الشرق الأوسط؛ القيام بإصلاحات في السلطة الفلسطينية وتوحيد الصفّ السياسي الفلسطيني تحت رايتها، الأمر الذي ينطوي على إيجاد مخرج لاستمرار حُكم "حماس" في غزّة؛ الاتفاق على خطّة قدمتها مصر من أجل إعادة إعمار شاملة وتشكيل هيئة حكومية من التكنوقراط في غزّة، برعاية الحكومة الفلسطينية في رام الله، وتجنيد المجتمع الدولي من أجل دعم الخطّة، والطلب من الأمم المتحدة إرسال قوة لحفظ السلام، بهدف الحفاظ على أمن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. وفي هذا الصدد، جرت الإشارة إلى الحاجة الفورية إلى وقف الحرب في قطاع غزّة، وإعادة الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي، شرطاً أول من أجل تنفيذ خطة إعادة الإعمار.
بيد أن أكثر ما جرى التنويه به في القراءات الإسرائيلية، فضلاً عن التصريحات الرسميّة، أن صيغة البيان الختامي للقمة العربية اعتمدت، إلى حدّ بعيد، على مبادئ المبادرة العربية للسلام التي قدّمها العالم العربي إلى إسرائيل والمجتمع الدولي منذ عام 2002، والتي ما زال في الوُسع تلمّس مبلغ الإبهاظ التي تثيره لدى إسرائيل وتأثيرها غير الخفيّ على سياستها الإقليمية عموماً.
وليست هذه المرّة الأولى التي تضع فيها الدول العربيّة تحدّي هذه المبادرة أمام إسرائيل، وكانت المرّة الأخيرة في إبّان القمّة العربيّة في جدّة في مايو/ أيار 2023، وتمثّلت أول ردّة فعل إسرائيلية ضمن سياق تحليل نتائجها، وبالذات تجديد التمسّك بمبادرة السلام العربيّة، في استعادة الاستنتاج الفكري لما سُمّي "اجتماع النقب" الذي عقد في كيبوتس سديه بوكر، في صحراء النقب الجنوبيّة، يوم 28 مارس/ آذار 2022، وحضره وزراء خارجية كل من إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والمغرب والإمارات والبحرين، وتزامن مع مرور 20 عاماً على إقرار مبادرة السلام العربية في ختام القمّة العربية في بيروت في أواخر مارس 2002، وكذلك مع مرور 15 عاماً على إقرار هذه المبادرة مُجدّداً من الدول العربية في قمّة أخرى عقدت في الرياض، في نهاية مارس 2007.
ومؤدّى هذا الاستنتاج الفكري أن "اجتماع النقب" يدلّ بوضوح، من بين أمور أخرى، على أن القادة العرب قد نسوا هذه المبادرة تماماً، ولم يعودوا يُلزمون أنفسهم بها، بل ورُبّما باتوا مسلّمين بأنها أصبحت غير قابلة للإحياء أو حتى إعادة الترميم، وكذلك باتوا مسلّمين بأن إسرائيل نجحت في أن تجهضها، وهي التي لم تقبلها بشكل مطلق، ولم ترفضها رفضاً باتّاً.
وما يكشفه موقف إسرائيل من قمّة القاهرة أخيراً، مثلما كشفه موقفها من قمّة جدّة في السابق، هو أنها مُجرّدة من أي رؤية سياسية لتسوية الصراع تنأى به عن الوضع القائم الذي يتسبّب بانفجاره بين الفينة والأخرى.