صدى نيوز: أصدر مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي الورقة الأولى ضمن الأوراق السياساتية التي يصدرها المركز للعام 2025. تتناول هذه الأوراق قضايا سياساتية داخلية وخارجية تهم المجتمع الفلسطيني وصانع القرار.
المقدمة
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الرابع من آذار/ مارس 2025 في خطابه أمام القمة العربية (قمة فلسطين) عن "استحداث منصب وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، واتخاذ الإجراءات القانونية من أجل ذلك"؛ كالتزام أمام الزعماء العرب وعلى الملأ لعملية الإصلاح الشامل، وذلك في إطار إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة، وضخ دماء جديدة في المنظمة وفتح وأجهزة الدولة، وعقد المجلس المركزي الفلسطيني خلال الفترة القريبة القادمة. لكن إعلان الرئيس لم يفصح إنْ كان لنائب الرئيس المستحدث منصبه صلاحيات محددة أم أنّه لن يتمتع بصلاحيات دستورية في ظل وجود الرئيس على رأس عمله، وتقتصر مهمته على خلافة رئيس المنظمة والدولة في حالة وفاة الرئيس أو شغور المنصب لأسباب أخرى، أو أن هذا الاستحداث بغاية التهيئة الدستورية لعملية الاحلال في ظل وجود الرئيس.
جاء هذا الإعلان بعد ضغوطات عربية متعددة آخرها تغييب الجانب الفلسطيني عن قمة الرياض المنعقدة في 21 شباط/ فبراير بالإضافة إلى المطالبات المتكررة التي قدمت حول عملية إصلاح للسلطة الفلسطينية تضمنها أيضا بيان القمة العربية الطارئة "قمة فلسطين" (والتنويه إلى أن جهود الإصلاح داخل دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية هي خطوات ضرورية لتمكين المؤسسات الوطنية الفلسطينية من أداء مهامها بفعالية في مواجهة التحديات، والحفاظ على وحدة القرار الوطني، وتعزيز قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود وتحقيق تطلعاته المشروعة إلى الحرية والاستقلال."
إنّ أهمية معالجة هذا موضوع استحداث منصب نائي رئيس اللجنة التنفيذية ونائب رئيس الدولة" تكمن في التأثيرات المستقبلية للتغيرات المراد استحداثها ومسار النظام السياسي الفلسطيني وطبيعته، وفي الظرف السياسي الذي يعيشه النظام السياسي الفلسطيني والتدخلات في رسم مستقبله من قبل أطراف خارجية تشبه تلك الظروف والتدخلات التي جرت في العام 2003 وقت تعديل القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية واستحداث منصب رئيس الحكومة الذي منح تلك التعديلات صلاحيات واسعة مقابل تقليص صلاحيات الرئيس الدستورية هدفها إضعاف مكانة الرئيس الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات بغية تغييبه عن الحكم وإدارته.
تهدف هذه الورقة إلى تقديم مقترحات تساهم في نقاش مسألة التعديلات "الدستورية" المزمع القيام بها بناء على التزام الرئيس الفلسطيني أمام القمة العربية، وتضمن سلامة النظام السياسي الفلسطيني، وتركز على ضرورات المراجعة السياسية والدستورية بما يصوب مؤسسات النظام الساسي الفلسطيني، وتساعد على الانتقال نحو تجسيد الدولة وانهاء حالة النظام السياسي الفلسطيني الهجين.
تستعرض الورقة أسباب الاهتمام بشغور منصب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير/ رئيس الدولة، وتنظر في القواعد القانونية الحاكمة لاختيار رئيس الدولة والناظمة لصلاحيات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس الدولة، ثم تعرض الخيارات لاستحداث منصب نائب الرئيس، ومن ثم سيناريوهات طبيعة منصب نائب الرئيس، وأخيراً مخاطر استحداث منصب نائب رئيس الدولة على الانتقال من السلطة إلى الدولة.
(1) أسباب الاهتمام باستحداث منصب نائب الرئيس
يطرح شغور منصب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير/ رئيس الدولة تحدياً إضافياً أمام النظام السياسي الفلسطيني في ظل ظروف غاية في التعقيد، فمن جهة ضعف مشروعية النظام السياسي دون وجود للانتخابات، ومن جهة ثانية حالة الانقسام القائمة بين الفلسطينيين ومؤسسات الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن جهة ثالثة الصراع الداخلي الخفي على الخلافة وتعزيز مراكز النفوذ في مؤسسات المنظمة ومؤسسات الدولة المدنية والأمنية.
يعود الانشغال في مسألة شغور منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الدولة بشكل رئيسي لتمثيلة منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني أم المجتمع الدولي خاصة أنها عضوا في جامعة الدول العربية بالإضافة إلى أنها ممثلة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، والتخوفات من إمكانية عجز الرئيس محمود عباس عن قيامه بالمهام الموكلة له دستوريا بسبب العمر حيث ناهز الرئيس محمود عباس سن التسعين، ناهيك عن وجود انقسام سياسي حاد بين الفلسطينيين وصراع على التمثيل السياسي.
كما أن هذا الانشغال يعود لمحاولة معرفة وتحديد المجتمع الدولي لمعالم خليفة الرئيس وذلك بسبب الاهتمام المتزايد المتعلق بتوجهات الرئيس القادم أو المحتمل وتأثير سياساته على مستقبل العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، خاصة أن الرئيس محمود قد أمضى أكثر من عشرين عاماً في الحكم حيث تماهت، كما هو الأمر في دول العالم الثالث، الدولة بالنظام السياسي وشخص الزعيم. أما الحالة الفلسطينية فهي أعقد من ذلك حيث يتطلب أيضا فهم كنه العلاقة مع الاسرائيليين ومستقبلها، وكيفية إدارتها للمصالح الدولية المرتبطة بإسرائيل أكثر مما هي مرتبطة بالفلسطينيين.
(2) تنازع القواعد القانونية الحاكمة لاختيار رئيس الدولة
تتطلب عملية انتقال الحكم تفعيل القواعد الدستورية والقانونية واحترام دور المؤسسات السياسية القائمة بما يحترم سيادة القانون ويعزز دور المؤسسات بالحفاظ على مشروعية النظام السياسي لأحد أهم المناصب الدستورية. لكن استحداث أسس "دستورية" جديدة لضمان انتقال سلس للحكم سواء بخلافة الرئيس أو للإحلال الشخصي بملء الشاغر في منصب رئيس الدولة ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية مما سيخلق أزمة دستورية وسياسية داخلية في ظل تنازع القواعد الناظمة بالأصل لاختيار رئيس الدولة وفقاً للإجراءات المعمول بها في النظام القانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعتمد على قرار من المجلس المركزي لتعيين رئيس الدولة، وفي النظام القانوني للسلطة الفلسطينية؛ حيث نصت المادة 115 من القانون الأساسي المعدل للعام 2003 (دستور دولة فلسطين) على أنه "يعمل بأحكام هذا القانون الأساسي مدة المرحلة الانتقالية ويمكن تمديد العمل به إلى حين دخول الدستور الجديد للدولة الفلسطينية حيز التنفيذ".
يضيف القرار بقانون رقم (1) لسنة 2021 المعدل للقرار بقانون رقم (1) لسنة 2007م بشأن الانتخابات العامة إشكالية أخرى بعد إلغاء منصب رئيس السلطة الفلسطينية والإبقاء على منصب رئيس الدولة، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ فقد نص على انتخاب رئيس دولة فلسطين صراحة من الشعب الفلسطيني وهو ينطبق على الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ذات الوقت تنص المادة 3 من القرار المعدل لسنة 2021 على أنَّ الذي يدعو إلى الانتخابات هو: رئيس دولة فلسطين رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسب نص المادة 3 من القرار بقانون "عدل المادة (2) من القانون الأصلي، لتصبح على النحو التالي: يصدر رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مرسوماً رئاسياً، خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء مدة ولايته أو ولاية المجلس التشريعي، يدعو فيه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية أو أيّ منهما في دولة فلسطين، ويحدد فيه موعد الاقتراع، وينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية، ويعلن عنه في الصحف المحلية.
كما أنَّ الإعلان الدستوري رقم 1 لسنة 2024 القاضي بتولي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني رئاسة السلطة المؤقتة في حال شغور منصب رئيس السلطة الفلسطينية سيزيد من حالة تنازع القواعد الدستورية في حالة "شغور منصب رئيس الدولة/ السلطة الفلسطينية" في قادم الأيام الأمر الذي يضع النظام السياسي الفلسطيني في مأزق دستوري.
(3) خياران لاستحداث منصب نائب الرئيس وصلاحيات رئيس الدولة ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
وفقا لإعلان الرئيس محمود عباس، فإنّه سيتم إجراء تعديلات من أجل استحداث منصبا نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب رئيس دولة فلسطين وهما منصبان مختلفان في طريقة الاختيار وفي المرجعية وفي الصلاحيات المفترضة وفي مدة الولاية القانونية . لم يفصح الإعلان عن نوايا الرئيس إن كان يريد أو يرغب بالفصل بين مَنْ يتولى المنصبين أو استمرار الجمع بينهما بحيث يكون ذات الشخص الذي يتولى المنصبين؛ كما هو الحال منذ الإعلان عن اختيار رئيس دولة فلسطين في العام 1989 عند اختيار الرئيس ياسر عرفات آنذاك رئيسا للدولة وكذلك في العام 2005 عن اختيار الرئيس محمود عباس، أو أنْ يتولى كل منصب شخصاً مختلفاً.
إنّ استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لا يحتاج لإجراء تعديلات دستورية للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية "دستور المنظمة" إنما توزيع مناصب داخل اللجنة التنفيذية بقرار منها، حيث تشير أحكام المادة 19 إلى قدرة اللجنة التنفيذية على إنشاء دوائر وفقاً للضرورة. كما أن المادة 13 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير تشير إلى طريقة اختيار رئيس اللجنة التنفيذية بالانتخاب من قبل أعضاء اللجنة ويتم توزيع أعضاء اللجنة على الدوائر المختلفة لمنظمة التحرير بالتوافق، وهي أي اللجنة التنفيذية هي مرجعية نائب رئيس اللجنة في حال تم استحداث هذا المنصب.
في المقابل لم يحدد النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية أيّ صلاحيات لرئيس اللجنة التنفيذية، بهذا المعنى فإنّ الرئيس هو الأول بين متساوين "أعضاء اللجنة التنفيذية" أو بمعنى أدق أنّ الرئيس في هذه الحالة هو متحدث باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ويشرف على متابعة تنفيذ قرارات اللجنة التنفيذية ويرأس اجتماعاتها، حيث تعتبر المادة (16) أنّ اللجنة التنفيذية هي أعلى سلطة تنفيذية للمنظمة، وتتولى تنفيذ السياسة والبرامج والمخططات التي يقررها المجلس الوطني، وتكون مسؤولة أمامه مسؤولية تضامنية وفردية. فيما أشارت المادة (17) إلى أنّ اللجنة التنفيذية تتولى: (1) تمثيل الشعب الفلسطيني. (2) الإشراف على تشكيلات المنظمة. (3) إصدار اللوائح والتعليمات، واتخاذ القرارات الخاصة بتنظيم أعمال المنظمة، على ألا تتعارض مع الميثاق أو النظام الأساسي. (4) تنفيذ السياسة المالية للمنظمة وإعداد ميزانيتها. وعلى وجه العموم، تباشر اللجنة التنفيذية جميع مسؤوليات منظمة التحرير وفق الخطط العامة والقرارات التي يصدرها المجلس الوطني.
فيما تم استحداث منصب رئيس الدولة بقرار من المجلس الوطني إثر إعلان وثيقة الاستقلال في عام 1988 وفوض المجلسُ الوطني المجلسَ المركزي آنذاك تعيين رئيس الدولة، أو بموجب قرار المجلس الوطني في الدورة الثالثة والعشرين المنعقدة بمدينة رام الله "دورة القدس وحماية الشرعية" في الفترة 30/4- 3/5/ 2018، القاضي بتفويض المجلس المركزي بجميع صلاحياته بموجب إعلان "القدس والعودة" الصادرة عنه "تفويض المجلس المركزي لمنظمة التحرير بكافة صلاحياته بين دورتي انعقاده بهدف تعزيز وتفعيل دور المنظمة وتطوير الأداء والقدرة على التحرك ومواجهة متطلبات مرحلة تتعاظم فيها التحديات".
فقد تمت عملية تنصيب الرئيس بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني دون وجود أية وثيقة "معلنة" تحدد صلاحيات ومسؤوليات رئيس الدولة. في المقابل فإن قرار المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1988 كلف "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لحين إعلان تشكيل الحكومة".
إنّ القوة التي يمتلكها الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات ومحمود عباس) تنطلق من كونه زعيم الحزب الحاكم "حركة فتح" والقائد العام للقوات العسكرية، وبحكم الصلاحيات المدونة في القانون الأساسي الفلسطيني والتي يمارسها كونه رئيساً للسلطة الفلسطينية.
(4) سيناريوهان لطبيعة منصب نائب الرئيس
إنّ استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب رئيس دولة فلسطين، سواء كان من سيتولى المنصبين شخصاً واحداً أو شخصين، يحتاج ابتداءً إلى تحديد الصلاحيات والمهام والمسؤوليات لهما، ومن ثم إجراء تعديلات دستورية وتشريعية للقواعد المنشأة والناظمة لعملها؛ وذلك في سياق التزام الرئيس محمود عباس في مؤتمر القمة العربية "قمة فلسطين" المنعقدة في العاصمة المصرية القاهرة بتاريخ 4 آذار/ مارس 2025.
السيناريو الأول: استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين للخلافة
هذا السيناريو يقتضي إجراء تعديل على كل من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وقرار المجلس الوطني الفلسطيني المتعلق بانتخاب رئيس دولة فلسطين بحيث ينصاً على أنْ يتولى نائب "الرئيس" الرئاسة في حالة وفاة الرئيس أو شغور المنصب لأسباب أخرى لاستمرار الولاية القانونية للرئاسة، ودون منح نائب الرئيس صلاحيات محددة طالما كان الرئيس على رأس عمله؛ وبذلك يخلف نائب الرئيس رئيس الدولة ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو ما يشبه مقترح التعديل الدستوري الذي تم تقديمه في العام 2005 لتعديل القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية لاستحداث منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية؛ ويضمن استحداث منصب نائبا للرئيس منتخبا مباشرة من الشعب ليعاون الرئيس في تصريف المهام ويكمل الفترة المتبقية للرئيس في حال شغور منصبه، مع وجود استثناء للرئيس الحالي يسمح له بتعيين نائبه بحيث تتم المصادقة عليه من قبل المجلس التشريعي بأغلبية عدد أعضائه. اقترح التعديلات خلق منصب نائب رئيس، بدون صلاحيات محددة طالما كان الرئيس على رأس عمله. يحل نائب الرئيس محل رئيس السلطة المنتخب في حالة وفاة الرئيس أو شغور المنصب لأسباب أخرى.
السيناريو الثاني: استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين بصلاحيات مقدمة للإحلال محل الرئيس
يقتضي هذا السيناريو إجراء تعديل على كل من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وقرار المجلس الوطني المتعلق بانتخاب رئيس دولة فلسطين بحيث ينصا على أن يتمتع نائب "الرئيس" بصلاحيات واسعة مفوض بها في ظل وجود الرئيس سواء بالقانون أو بقرار من الرئيس، كما يتولي الرئاسة حال شغور منصب الرئيس لاستمرار الولاية القانونية للرئاسة. هذا السيناريو قد يحمل في طياته إمكانية إحلال نائب الرئيس محل الرئيس بذراع مختلفة دون وجود لأي من مبررات شغور المنصب.
(5) الخلاصة
مما لا شك أن توحيد مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني وتجسيد الدولة وتكريسها، بما ينسجم مع الانتقال من الوسيلة "منظمة التحرير الفلسطينية" والسلطة الانتقالية "السلطة الوطنية الفلسطينية" إلى الغاية "دولة فلسطين العتيدة"، يشكل أحد أوجه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة، وينسجم مع عملية الإصلاح الشامل للنظام السياسي الفلسطيني من جهة ثانية، والتحلل من الضغوط الخارجية من جهة ثالثة، وتتويج الجهود السياسية والدبلوماسية المتواصلة للفلسطينيين على مدار أكثر من عقد بمنح دولة فلسطين امتيازات الدول الأعضاء استثنائيا في هيئة الأمم المتحدة وزيادة اعترافات الدول بالدولة الفلسطينية من جهة رابعة. فيما خلق منصب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولرئيس الدولة في ظل توفر آليات انتقال سلمي للحكم تضمنها قواعد دستورية وقانونية تشكل ضرباً للمنظومة السياسية والمؤسسية للنظام السياسي الفلسطيني على علاته.
استحداث منصب نائب للرئيس تراجع عن الانتقال من السلطة إلى الدولة
فَتَحَ إعلان الرئيس محمود عباس عن استحداث منصب نائب رئيس الدولة ورئيس منظمة التحرير النقاشَ على الآليات المستحدثة في بنية النظام السياسي الفلسطيني الهجين "المنظمة والدولة /السلطة" لانتقال الحكم في حال شغور منصب الرئيس بديلاً عن تجسيد الدولة؛ فقد جاء الإعلان الدستوري رقم 1 لسنة 2024 القاضي بتولي رئيس المجلس الوطني رئاسة السلطة المؤقتة في حال شغور منصب رئيس السلطة الفلسطينية كخطوة "دستورية" خشية من الفراغ الدستوري في حال شغور منصب رئيس السلطة، وتجنب لصراع داخلي على خلفية سن الرئيس بعد غيابه. كما أنّها جاءت بمثابة خطوة لتجاوز لحظي للضغوط الخارجية، وشكلت رفضاً غير مباشر للضغوط الخارجية على الرئيس الفلسطيني لتعيين نائب له لضمان الخليفة. لكن هذه الخطوة ما زالت تحتاج إلى تدقيق دستوري في صوابية الإعلان وضعف مشروعية الخطوة التي قامت بدمج هجين بين المؤسسات الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير وتلك التابعة للسلطة الفلسطينية.
في الوقت ذاته شكلت خطوةً لتراجع الجهود عن التحولات في طبيعة النظام السياسي التي تمت على مدار الثلاثة عشرة عاماً الماضية لإحلال مؤسسات منظمة التحرير في النظام السياسي بديلا عن هياكل السلطة الفلسطينية التي تم انشاؤها في العام 1994 المنصوص عليها في القانون الأساسي بهدف تجسيد الدولة العتيدة بالانتقال من مؤسسات السلطة إلى مؤسسات الدولة، وهذه التحولات هي:
• التحول الأول بدأ إثر رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 19 /67 الصادر في 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2012. وقد كان أحد تجليات تجسيد هذا القرار استبدال اسم "السلطة الوطنية الفلسطينية" بدولة فلسطين في المؤسسات الفلسطينية الرسمية، ومن ثم شطب كلمة رئيس السلطة الوطنية من توقيع الرئيس على القرارات بقوانين والمراسيم والقرارات الرئاسية وتذيلها برئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
• أما التحول الثاني فقد كان إثر قرار حل المجلس التشريعي، وفقا لقرار المحكمة الدستورية التفسيري في الثاني عشر من كانون أول/ ديسمبر 2018 الذي قضى "بحلّ المجلس التشريعي والدعوة إلى انتخابات تشريعية خلال ستة شهور من تاريخه" ، فقد تجلى ذلك بتغيّر على الصياغة التشريعية التي تصدر بموجبها التشريعات الفلسطينية الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية بدءاً من العدد 152 من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 19/2/2019 ، حيث تم شطب النص الاستناد إلى أحكام المادة 43 من القانون الأساسي المعدّل لسنة 2003م وتعديلاته" من مقدّمة القرارات بقانون وأصبحت هناك صياغة أخرى هي: "استناداً إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، واستناداً إلى احكام القانون الأساسي المعدّل لسنة 2003م وتعديلاته" كما تم شطب المادة في الأحكام الانتقالية في القرارات بقوانين والتي تنص على أنّ القرار بقانون يُعرَض على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها لإقراره والتي يجب أن ترد في كلّ قرار بقانون.
• فيما التحول الثالث فقد جاء في قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بدورته الحادية والثلاثين المنعقدة في بتاريخ 6-8 شباط/ فبراير 2022 القاضي بـ"ضرورة مواصلة العمل على تكييف الوضع القانوني لمؤسسات الدولة الفلسطينية وعلاقاتها الدولية تنفيذاً لقرار الجمعية العامة رقم 19/67 للعام 2012" الخاص برفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة، وبضرورة ممارسة المجلس المركزي لصلاحياته الدستورية وولايته الرقابية على الجهات التنفيذية في المنظمة وأجهزتها ومؤسساتها، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وعمل الاتحادات والنقابات والجمعيات وفق القوانين التي تنظم عملها. وكانت إحدى تجليات قرار المجلس المركزي أعلاه إصدار الرئيس قراراً يقضي بـ"وضع الأمانة العامة للمجلس التشريعي ومكوناتها ومرافقها كافة تحت مسؤولية رئيس المجلس الوطني".
• والتحول الرابع فكان إصدار القرار بقانون رقم (1) لسنة 2021 تعديل قرار بقانون رقم (1) لسنة 2007م بشأن الانتخابات العامة نص على انتخاب رئيس دولة فلسطين صراحة من الشعب الفلسطيني وهو ينطبق على الضفة الغربية وقطاع غزة، واستبدل كلمة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية برئيس دولة فلسطين.
• بينما التحول الخامس يتعلق بالمرسوم الرئاسي بشأن توجه رئيس دولة فلسطين وأعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة بتاريخ 21/8/2024، الذي كلف اللجنة المشكلة بموجب المرسوم في البند الخامس من المادة الثالثة للمرسوم "وضع الآليات للخطوات الملموسة باتجاه تجسيد دولة فلسطين والإعلان الدستوري والمجلس الانتقالي".
توصيات
إنّ تقليل مخاطر عدم المشروعية في النظام السياسي الفلسطيني الهجين الناجم عن احتمالية شغور منصب الرئيس سواء بسبب العجز عن القيام بالمهام أو الوفاة، وتجنب المخاطر التي قد تنشأ من هذا الشغور في ظل غياب مجلس تشريعي منتخب، واحتمالية بروز صراع بين مراكز القوى والنفوذ، ومنع التدخل الخارجي في صياغة أو إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني باستحداث منصب نائب رئيس الدولة ونائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطيني، يتطلب الأخذ بأحد الخيارين التاليين:
• إجراء الانتخابات التشريعية المسبقة كي يتم توفير آليات الانتقال المنصوص عليها في القانون الأساسي التي تحترم القواعد الدستورية، وتضمن المشروعية للنظام السياسي، وتقلل من مخاطر صعوبات خلافة الرئيس محمود عباس التي قد تؤدي إلى تعرض أمن المواطنين للخطر وعدم الإيفاء بتقديم الخدمات الأساسية اللازمة لرعاية المواطنين. كما أن خيار إجراء الانتخابات التشريعية المسبقة يحترم قرار المحكمة الدستورية القاضي بإجراء الانتخابات البرلمانية، ويجنب الفلسطينيين خطر المقاطعة الدولية أو انهيار الاتفاقيات الموقعة مع الطرف الاسرائيلي. وفي ذات الوقت ضمان حق المواطنين في اختيار ممثليهم في الحكم.
• إنشاء مجلس تأسيسي لمرحلة انتقالية ؛ بمدة محددة ومحدودة تجري في نهايتها الانتخابات العامة، مهمته اعتماد دستور دولة فلسطين العتيدة. هذا المقترح يتطلب عدداُ من الإجراءات منها؛ (1) إصدار إعلان دستوري لمرحلة انتقالية تحدد مدتها يعطل بموجبه العمل بالقانون الأساسي للسلطة الفلسطينية والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويتضمن الإعلان الدستوري انشاء مجلس تأسيسي. (2) تشكيل حكومة دولة فلسطين وفقاً لقرار المجلس الوطني المنعقد في الجزائر عام 1988 حين إعلان وثيقة الاستقلال، ورسالة المراقب الدائم لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة السفير زهدي الترزي آنذاك للأمين العام للأمم المتحدة المؤرخة في 9/12/1988 التي تتضمن أنّ "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مكلفة بصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لحين إعلان تشكيل الحكومة". (3) توحيد المؤسسات القائمة "كافة مؤسسات النظام السياسي" وضمها تحت مسؤولية الحكومة الانتقالية.
مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي
مؤسسة بحثية، تأسست في العام 2023 كمركز مستقل للبحوث ودراسات السياسات العامة وتقديم الاستشارات العامة. وهو مؤسسة ناشئة من أجل الاستثمار الأمثل في البحوث والمسوح وجمع البيانات ومنهجيات وضع العينات الممثلة وتحليل البيانات، وكتابة التقارير والأوراق البحثية والخبراء في المجالات المختلفة من أجل الوصول إلى أعلى مستويات من الدقة والمصداقية.
يقوم المركز بالعديد من النشاطات البحثية منها؛ إعداد الدراسات والأبحاث التطبيقية ذات العلاقة بالسياسات الفلسطينية الراهنة، وإجراء استطلاعات الرأي حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني، وتقديم الاستشارات والتقييمات المؤسساتية والبرامجية والحكم المحلي والقطاع الخاص، وعقد المؤتمرات والمحاضرات والموجزات المتعلقة بشؤون الساعة، ونشاطات أخرى.
يلتزم مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي بالموضوعية والنـزاهة العلمية، والاستثمار الأمثل في الخبراء بالإشراف على البحوث السياسية والحكم والاقتصادية والبحوث الميدانية والباحثين ذو الخبرة في المجال.
((جهاد حرب))