من الأهمية بمكان أن أصدر حزب التجمع الوطني الديمقراطي (4/4/2025) بيانه الذي يدحض فيه ما ورد في تقريرين للصحفي في "معاريف"، بن كسبيت.

 

سعى الإعلامي كسبيت إلى الربط بين الإخفاق المأساوي في وحدة الأحزاب العربية في الانتخابات الأخيرة 11/2022، والتي فقد فيها التجمع تمثيله السياسي البرلماني، وبين الفضائح التي تعصف بمكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وتورط أهم مستشاريه فيما أطلق عليه "قطر غيت".

لقد تمكن نتنياهو من تشكيل ائتلاف أقصى اليمين الحاكم بالائتلاف مع حزبي الصهيونية الدينية والكهانية والحزبين الدينيين الحريديين.

دون الخوض في حيثيات إخفاق الأحزاب العربية في التوصل إلى اتفاق لقائمة مشتركة موسعة أو قائمتين انتخابيتين، فقد نجح نتنياهو بالعودة إلى الحكم نتيجة ثلاثة عوامل؛ الأول هو اتساع نفوذ اليمين الإسرائيلي وحصريا أقصى اليمين، والثاني هو هزالة المعارضة الإسرائيلية الشريكة في الإجماع القومي الصهيوني الذي ينحو نحو اليمين، والثالث هو خسارة كل من حزبي التجمع و"ميرتس" للتمثيل البرلماني.

سعى بن كسبيت إلى الربط ما بين فضيحة قطر-غيت في مكتب نتنياهو، والتي يتورط فيها كبار مساعديه، وبين عدم تجاوز حزب التجمع لنسبة الحسم مشككا في كون نتيجة الاقتراع وكأنها نتاج تواطؤ من الحزب ومن رئيسه المؤسس، د. عزمي بشارة.

طبعا، لم يتطرق كسبيت إلى ما وراء خسارة حزب ميرتس مثلا، ولا إلى غياب المشروع السياسي لمركبات ائتلاف حكومة بنيت - لبيد، والتي لا تزال مركباتها تفتقر إلى أي مشروع سياسي بديل لنتنياهو ولحكومة أقصى اليمين.

سوف يكون مجال إذا اقتضى الأمر للتوقف عند هذه الأمور، لكن من الجدير الإشارة هنا أيضا إلى ثلاثة مَنَاحِي راهنة:

الأول هو وجود حوار جدي بين الأحزاب والحركات السياسية، ويجمع كل الطيف السياسي العربي دونما استثناء أو إقصاء، وهو كما يتضح مطلب الأوساط الأوسع بين الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل من أجل وقف حرب الإبادة في غزة ومواجهة التحديات الوجودية الناتجة عنها بما فيه في الداخل، الذي يعاني من ضعف عام في حركته السياسية ومؤسساته الكيانية، مقابل روح الإخفاق والخوف وسيطرة روح الملاحقة والترهيب القاهرة.

المنحى الثاني هو أن تقرير معاريف إنما يعزز الأصوات التي تكرر ذاتها في المعارضة والائتلاف، على السواء، لنزع شرعية التجمع كحزب وشطبه من قبل لجنة الانتخابات البرلمانية حين يحين الوقت.

المنحى الثالت، وهو قد يكون الأكثر خطورة وأقصد أن تقريرَي بن كسبيت المبنيين على فرضيات بعيدة عن الإثبات والتحقق العميق ويتعاطى معها كحقائق، من شأنه في حال عدم إدراك مغزاه، أن يعزز التشكيك وعزوف الجماهير العربية الفلسطينية عن السياسة وعن الانتخابات من باب فقدان الثقة بالحركة السياسية والعمل الوطني.

في مجتمع مثل حالتنا فإن الحركة السياسية وصدقيتها وصدقية المؤسسات الوطنية والمدنية والمجتمعية تشكل معا جزءا لا يتجزأ من التماسك الاجتماعي، وحصريا في حالة يواجه فيها الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم تهديدات وجودية مباشرة. ومقابل ظواهر متسعة النطاق من الهجرة بين الأجيال الشابة والشرائح الوسطى، أو ما يسمى البقاء المشروط ضمن معايير كاتم الصوت السياسي والأخلاقي، فإن زعزعة هذه الثقة إنما تصب في صالح مخططات تفتيت المجتمع كمجتمع، وهو ما يحث إستراتيجيا من خلال الدور الوظيفي سلطويا لمنظمة الجريمة وسطوتها على المجتمع، ومن خلال القمع والقهر والملاحقات لدرجة تقترب من مصادرة الضمير الجماعي، وإن لم يحصل فعلى الأقل كبته بالقوة التي تشارك فيها كامل المنظومة الحاكمة من قانون وشرطة وقضاء وتنظيمات إرهابية يمينية.

مقابل مسعى اليمين العقائدي بقيادة نتنياهو في الجولات الانتخابية الأخيرة لتحفيز اليهود للتصويت وحصريا اليمين، وإذ يجد أفضل من نداء الاستغاثة كي يستفز غرائز جمهوره من تصريحه المتلفز بأن "العرب يتهافتون على الصناديق"؛ ففي معارك الانتخابات السابقة وحصريا الأخيرتين كانت حملة سلطوية من مدرسة نتنياهو الشعبوية استهدفت مزاج الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، في دفعها نحو العزوف عن المشاركة في التصويت، بينما في الانتخابات القادمة في حال جرت ستكون تحت حملة دولة لنزع الشرعية السياسية لهذا الجمهور بما فيه استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للدفع نحو العزوف عن المشاركة السياسية البرلمانية، وحصريا خوفا من تشكيل كتلة عربية كبيرة قد تحول دون إعادة تشكيل حكومة أقصى اليمين العقائدي والصهيوديني والكهاني.

في الوضع الراهن، الحاجة إلى قائمة مشتركة موسعة تضم القوى والاجتهادات المعنية في مواجهة أهم تحد، وهو التحدي الوجودي، ولا توجد أي مبالغة بوصف التحديات بالوجودية بكل معنى الكلمة.

إن الحملات لنزع شرعية أية حزب عربي إنما تستهدف شرعية كل الفعل السياسي العربي.