صدى نيوز -بالرغم من أن كل مدن وقرى وربوع فلسطين متساوية من حيث الانتماء والمشاركة في النضال الوطني ومستهدفة من العدو إلا أن لغزة سر وقصة تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام.

تُذكر غزة في أقدم الوثائق التاريخية الفرعونية التي تعود لأكثر من ثلاثة آلاف عام، ولا ينفصل صمود غزة وتاريخها النضالي المعاصر عن تاريخها القديم في مواجهة الغزو العبراني الأول، حيث جاء في أحد الكتب الدينية اليهودية وهو سفر الملوك الأول 4 : 24  الذي يعود لعهد سليمان كما يزعم اليهود: (إن حدود مملكة اليهود تنتهي عند حدود مدينة غزة التي لم تدخل أبداً ضمن مملكة اليهود، وظلت بعد ذلك ملكاً للفلسطينيين) ومنذ ذلك التاريخ وغزة ملعونة عند اليهود.

لن نخوض كثيراً في النص أعلاه، ولكن مع افتراض صحته فهو يؤكد على لسان اليهود أنفسهم على حقيقتين: الأولى أنه عندما جاء العبرانيون إلى فلسطين وجدوا فيها الشعب الفلسطيني وهذا يفند كل مزاعمهم بعدم وجود شعب يسمى الشعب الفلسطيني، والثانية أن لغزة تاريخ نضالي يمتد من العصور القديمة ولم يتوقف.

غزة تلك المنطقة الصغيرة من جنوب فلسطين والفقيرة بمواردها الطبيعية وشبه الصحراوية، لم تتميز فقط من خلال تاريخها ودورها النضالي بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 – كانت آنذاك تحت الحكم الإداري المصري - بل كان دورها النضالي قبل الاحتلال لا يقل أهمية عن دورها بعد الاحتلال. قطاع غزة حافظ على الهوية الفلسطينية بعد النكبة وفي سنوات التيه والضياع بعد أن فرضت إسرائيل جنسيتها وقوانينها على فلسطينيي الخط الأخضر، ومنح الأردن جنسيته وقوانينه لفلسطينيي الضفتين، فيما كان فلسطينيو الشتات يعيشون أوضاعاً صعبة.

خلال سنوات التيه والضياع استمر فلسطينيو القطاع في حمل راية الهوية الوطنية والحفاظ على الشخصية الوطنية، وخصوصاً أنه بعد حرب 1948 تغيرت التركيبة الجغرافية والسكانية، حيث رسمت اتفاقية الهدنة – اتفاقية رودس 1949 بين مصر وإسرائيل - الحدود الحالية لقطاع غزة. قطاع غزة الذي كان تعداده حوالي (80000) ثمانين ألف استقبل مع حرب 48 حوالي (200000) مائتي ألف من لاجئي النكبة، مما غير من تركيبته الديمغرافية والسوسيولوجية، وأصبح ثلاثة أرباع القطاع اليوم من اللاجئين الذين كانت الغربة وحياة اللجوء دافعاً قوياً عندهم لرفض واقع اللجوء وإصرارهم على النضال من أجل العودة لأراضيهم التي هُجروا منها عنوة، ولاجئو القطاع جسدوا وعبروا عن خصوصية كل قرية ومدينة فلسطينية بملابسها ولهجاتها ومأكولاتها وتجاربها النضالية وذاكرتها التاريخية.

في قطاع غزة تشكلت أولى خلايا المقاومة الوطنية منذ خمسينيات القرن الماضي وأبناء القطاع رفدوا الثورة الفلسطينية عندما كانت القيادة في الخارج بخيرة القيادات والمقاتلين ، ومن قطاع غزة انطلقت شعلة الانتفاضة الأولى 1987، وقطاع غزة احتضن اللبنات الأولى لمؤسسات السلطة الوطنية التي كان يؤمَل منها تجسيد حلم الدولة ولو في إطار تسوية مشكوك بنجاحها، فكان المطار ومقر الرئاسة (المنتدى) ومقرات وزارية والمجلس التشريعي والبدء بمشروع ميناء غزة ،بالإضافة إلى الممثليات الأجنبية ومشاريع تنموية واعدة الخ، كما انطلقت منها الانتفاضة الثانية 2000.

لأن غزة كل هذا الماضي والحاضر، ولأن غزة أيضاً الواجهة البحرية الوحيدة للدولة الفلسطينية في حالة قيامها، و وجود نفط وغاز في مياهها ولأن غزة تأبى أن تنفصل عن الكل الفلسطيني وكانت تلبي نداء الواجب عندما يستنجد بها أهلنا في القدس والضفة، ولأن هذا الكيان يريد لغزة ومشاكلها أن تبعد الأنظار عن ساحة المعركة الرئيسية في الضفة والقدس... لكل ذلك حقد عليها وخطط لتدميرها وإنجاز ما عجز عنه العبرانيون الأوائل كما تقول أساطيرهم الدينية بالإضافة الى إفشال قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة والقدس ، فساعد على حدوث الانقسام وفصل القطاع عن بقية الأراضي الفلسطينية ليبرر ما يقوم به من استهداف قطاع غزة وكل القضية الوطنية ،وكانت عملية الطوفان و حرب الإبادة والتطهير العرقي جزءاً من هذا المخطط لينتقم من غزة  وحتى يدمر كل ما تم بنائه والأهم بالنسبة له تدمير صمود وكرامة وأنفة أهل غزة.