في ظل تطورات المشهد الفلسطيني وتزايد الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية عن ترتيبات ما بعد الرئيس محمود عباس تعود إلى الواجهة فكرة تعيين نائب للرئيس كخطوة توصف بأنها “تمهيدية” للانتقال السياسي، وإن كانت لا تستند إلى نص صريح في القانون الأساسي الفلسطيني بل يُروّج لتمريرها عبر المجلس المركزي لمنظمة التحرير من خلال تعديل مؤقت للقانون يتيح للرئيس تسمية نائب له.

ورغم غياب أي إعلان رسمي بهذا الخصوص إلا أن الزخم في التسريبات الصحفية والحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي يجعل من هذه الفرضية جديرة بالقراءة والتحليل خاصة في ظل التوقيت الحرج الذي تمر به القضية الفلسطينية بعد العدوان على غزة وانشغال المجتمع الدولي بمشروع “ما بعد الحرب”.

أولاً: خلفيات الحراك

تشير معطيات متعددة إلى أن الإدارة الأمريكية وبمشاركة فاعلة من بعض الأطراف الإقليمية تدفع باتجاه فرض ترتيبات انتقالية داخل النظام السياسي الفلسطيني تبدأ بتعيين نائب للرئيس وتستكمل لاحقاً بإحداث تغييرات أوسع ضمن رؤية تُقدَّم تحت عنوان “الإصلاح المؤسسي” و إعادة المفصولين من حركة فتح .

الهدف الظاهر  و المؤكد هو الإعداد لمرحلة ما بعد الرئيس عباس ولكن الجوهر الحقيقي يتمحور حول إعادة تشكيل القيادة الفلسطينية بما يتلاءم مع أجندات دولية تسعى لتطويع القرار الفلسطيني وربطه بما يسمى بـ “ترتيبات الحل الإقليمي”.

وقد أظهرت الضغوط الخارجية سوء نوايا واضح عبر شروط سياسية مرفوضة منها:
    •    المطالبة بوقف رواتب الأسرى وذوي الشهداء.
    •    تعديل المناهج الفلسطينية تحت مزاعم “التحريض”.
    •    الاعتراف بإسرائيل كدولة “يهودية”.
    •    الامتناع عن التحرك القانوني ضد الاحتلال في المحافل الدولية.

ورغم كل هذه الطلبات لم يُقدّم للفلسطينيين أي ثمن سياسي أو وطني بالمقابل فلا حديث عن دولة فلسطينية مستقلة ولا حتى عن دعم اقتصادي ملموس بل إن كل ما يُطرح يندرج تحت عنوان “التدجين السياسي” وتفكيك عناصر القوة والهوية الوطنية الفلسطينية وصولاً إلى تصفية القضية لا إلى حلها.

ثانياً: سيناريوهات التعيين

1. فرض نائب بتوافق خارجي وضغط داخلي

في هذا السيناريو يتم تعديل مواد القانون الأساسي عبر المجلس المركزي ويمنح الرئيس الصلاحية لتعيين نائب له ليجري لاحقاً اختيار اسم يحظى بدعم خارجي خصوصاً من الولايات المتحدة ويتماهى مع الشروط الإسرائيلية حتى وإن لم يحظَ بتأييد شعبي أو فتحاوي.

هذا السيناريو يُعد الأخطر لأنه يتجاوز إرادة الشعب ومؤسسات فتح والمنظمة ويفتح الباب أمام مزيد من الانقسام وفقدان الثقة بالقيادة ويحوّل مؤسسة الرئاسة إلى أداة تنفيذ لاختيارات خارجية لا تعبر عن المصلحة الوطنية.

2. سيناريو التوافق الوطني الفتحاوي

في هذا الخيار تُعرض الفكرة على مؤسسات حركة فتح من اللجنة المركزية والمجلس الثوري بالتوازي مع حوار مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ويجري التوافق على آلية وطنية لاختيار نائب يمثل الحد الأدنى من الإجماع ويحظى بقبول شعبي وتنظيمي.

هذا السيناريو هو الأفضل فلسطينياً لأنه يُبقي القرار داخل البيت الوطني ويعزز الشرعية ويمنع الوقوع في فخ الإملاءات الخارجية كما يحمي الحركة الوطنية من الانقسام أو التشكيك في مرحلة حساسة.

3. التعيين الرمزي أو الشكلي

في هذا السيناريو يُعيّن نائب بصلاحيات محدودة دون أي دور فعلي وتبقى السلطة الحقيقية بيد الرئيس وقد يكون الهدف من ذلك مجرد استرضاء خارجي دون نية حقيقية للتهيئة لانتقال منظم.

لكن هذا السيناريو لا يقدم حلًا حقيقياً بل يفاقم الغموض ويرحّل الأزمة إلى لحظة أكثر خطورة قد تكون لحظة غياب الرئيس المفاجئ، ما ينذر بفوضى سياسية ودستورية يصعب احتواؤها لاحقاً .

4. سيناريو الخلافة بموجب المرسوم الرئاسي

وبحسب المرسوم الرئاسي الصادر في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 فإن رئيس المجلس الوطني هو من يتولى مهام الرئاسة مؤقتًا حال شغور المنصب إلى حين إجراء الانتخابات ، هذا التعديل ألغى العمل بالنص القانوني السابق الذي يمنح هذه المهمة لرئيس المجلس التشريعي في ظل تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني وهذا سيناريو جيد و مقبول و لا خطورة به  ويحظى بقبول شعبي .

ثالثاً: هل هناك نية لإقصاء الرئيس؟

رغم دعم حركة فتح و الفصائل بتمسك الرئيس محمود عباس بموقعه و الرفض المُعلن لأي محاولة لإزاحته الا عبر صندوق الانتخابات إلا أن تسارع التحركات الخارجية ومحاولات فرض واقع جديد يثيران تساؤلات مشروعة حول ما إذا كان التعيين المرتقب للنائب مقدمة لإقصاء الرئيس سواء عبر الضغوط المباشرة، أو عبر تهيئة داخلية تُفضي إلى تنحيته تحت عنوان “الظروف الصحية” أو “الانتقال السلس”.

وإذا كان هذا السيناريو غير أخلاقي من ناحية سياسية ووطنية فإنه ليس مستبعداً ضمن السياق الذي ترسمه بعض الأطراف الدولية التي تريد إعادة هندسة النظام الفلسطيني بما يخدم مشاريعها وليس مصلحة الشعب الفلسطيني و قد نجد شخصيات فلسطينية تتعاون بهذا و لكن شعبنا سيسقطه و ستكون ردود الفعل غير متوقعة .

توصيات

في ضوء ما سبق فإن التوصيات التي يمكن تقديمها للرئيس محمود عباس وهو الذي طالما تمسك بالثوابت ورفض الضغوط المهينة هي:

1. عدم الخضوع للابتزاز الخارجي مهما كان شكله أو حجمه ورفض تحويل المطالب الوطنية إلى ورقة مساومة في أيدي أطراف لا تحترم الحقوق الفلسطينية.

2. عدم اتخاذ قرار بتعيين نائب للرئيس إلا من خلال توافق داخلي فتحاوي وفصائلي يمر عبر مؤسسات الحركة ومنظمة التحرير الفلسطينية ويحظى بقبول الشارع الفلسطيني.

 3. حماية المشروع الوطني من مشاريع التدجين والتصفية التي تتخفى خلف شعارات “الإصلاح” بينما هدفها الحقيقي هو تفكيك الهوية الوطنية وتصفية الحقوق الثابتة.

4. دعوة مؤسسات فتح والمنظمة للانعقاد الفوري لبحث آليات تعزيز الوحدة الداخلية ورسم ملامح المرحلة المقبلة ضمن رؤية فلسطينية خالصة.

5. على الرئيس التدقيق بكل الأسماء و التأكد من أن هذه الشخصيات لم تحبك مؤامرة أمريكية اقليمية ويتحمل الرئيس المسؤلية الرئيسية و الكاملة في حال حدوث ذلك .

موقف يصنع التاريخ

قالها الرئيس محمود عباس بوضوح: “لن أنهي حياتي بخيانة.”

والتحدي اليوم في أعلى درجاته، و المطلوب موقف وطني يُكتب في سجل الشرف الفلسطيني يتمسك فيه الرئيس بالشرعية ويرفض فرض نائب دون إجماع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ويقطع الطريق على محاولات التدجين وإعادة هندسة القرار الفلسطيني تحت الضغط والابتزاز.

الرئيس الذي صمد في وجه الاحتلال والضغوط لعقود لا يُنتظر منه اليوم إلا أن يواصل ذات الطريق ويغلق الأبواب أمام أي اختراق خارجي أو مساومة على الثوابت.

الزمن حاسم وكل لحظة تمر ستُدوَّن… إمّا كوقفة شرف أو كهفوة لا تغتفر.