يكثر الحديث في منتديات المثقفين الفلسطينيين والعرب هذه الأيام عن مسألة نزع سلاح حركة حماس إثر مطالب الحكومة الإسرائيلية بنزع سلاحها في قطاع غزة في إطار مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة ووقف الحرب، ويأخذ الحديث الحدّية أحياناً بين مؤيدٍ لنزع السلاح كي يتجنب قطاع غزة مزيداً من الويلات ووقف الحرب، ومعارضٍ يخشى من جهة أن تتكرر أحداث صبرا وشاتيلا بعد حرب بيروت عام 1982 وخروج قوات الثورة حينها من لبنان، ومن جهة ثانية الخشية على منح إسرائيل نصراً بالمفاوضات لم تستطع تحقيقه عبر الحرب والدمار والقتل على مدار عامٍ ونصف، ومن جهة ثالثة منع حق الفلسطينيين من استخدام الكفاح المسلح كأحد أشكال المقاومة. هذا النقاش من حيث المبدأ يشير إلى حرص وطني وإنْ اختلفت التوجهات أو الآراء والمواقف ومدى حدّيتها، وتدل على حيوية المجتمع الفلسطيني بشكل خاص لمواجهة هموم المواطنين، والقدرة على التقييم والنقد وتصويب أيّ مسار أو تعزيزه، وهي قناعة لدّي بضرورة القول والنقد في الوقت اللازم وليس بعد فوات الأوان وللشخص والجهة المسؤولة أو صاحبة الاختصاص.
في ظني أنّ نزع السلاح أو إدارته من حركة حماس أو غيرها من الفصائل المسلحة الفلسطينية يمكن أنْ يحصل في إطارين مركزيين؛ الأول: في إطار اتفاق فلسطيني فلسطيني حول إدارة الحكم بما يشمل طبيعة التعامل مع السلاح وآليات استخدامه وكيفية حل النزاعات عبر القانون ومنع استخدامه في النزاعات السياسية وتوفر ضمانات تتعلق بذلك خاصة بعد تجربة الصدام المسلح بين حركة حماس والسلطة الفلسطيني في سنتي 2006 و2007 وسيطرة حركة حماس بقوة السلاح على الحكم في قطاع غزة وقد يأخذ صيغة اتفاق الجمعة العظيمة في إيرلندا الشمالية إلى حين انتهاء الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
أو الثاني: في سياق ما يعرف بعمليّة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR) التي تقوم هيئة الأمم المتحدة بهدف المساهمة في الأمن والاستقرار في بيئات ما بعد الصراع حتى يتسنى بدء الانتعاش والتنمية، ومعالجة مشكلة الأمن بعد انتهاء الصراع التي تنشأ عندما يُترك المقاتلون السابقون من دون سبل عيش أو شبكات دعم، بخلاف رفاقهم السابقين، خلال الفترة الانتقاليّة الحيويّة من الصّراع إلى السلام والتنمية. أو كما جاء في خطة الإعمار التي أقرتها القمة العربية الطارئة "قمة فلسطين" في القاهرة بتاريخ 4/3/2025 والتي نصت على أنّ "معضلة تعدد الجهات الفلسطينية الحاملة للسلاح، وهو أمر من الممكن التعامل معه، بل وإنهائه للأبد، إذا تمت إزالة أسبابه من خلال أفق واضح وعملية سياسية ذات مصداقية تعيد الحقوق إلى أصحابها".
أيّ أنّ نزع السلاح مقرون بتطورات سياسية وترتيبات أمنية تحقق السلام وإنهاء الاستعمار الإسرائيلي من جهة، أو ترتيبات أمنية تتعلق باتفاق داخلي على أساليب ووسائل وأشكال المقاومة الفلسطينية وطبيعتها، أوفقاً لما يتم تسميته في العرف الفلسطيني "الاستراتيجية الكفاحية" التي تحدد أيّا من الأشكال النضالية ووسائل المقاومة الأكثر نفعاً أو تأثيراً أو نجاعةً في إطار مراحل حرب التحرير الشعبية.
كلا الحالتين تحتاجان إلى ضمانات محلية ودولية تمنع استئناف الحكومة الإسرائيلية الحرب أو الاغتيالات والتوغلات العسكرية، ووجود مسار موثوق لتحقيق السلام القائم على خيار حل الدولتين المؤدي لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وتواجد دولي فعّال لقوات حفظ السلام عبر بعثات للهيئة الأمم المتحدة لتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق السلام الدائم.