فلسطين الأرض التي مشى عليها السيد المسيح عليه السلام وباركها القرآن الكريم تحوّلت إلى مسرح لاضطهادٍ ممنهجٍ ضد أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية، بفعل سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي لا تميّز بين كنيسة ومسجد ولا بين مسلم ومسيحي , ما يحدث اليوم في القدس وبيت لحم والخليل وغزة ليس فقط انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي بل اعتداء مباشر على جوهر العقيدة وعلى التاريخ المقدس للإنسانية جمعاء.
سبت النور.. يوم مظلم في قلب القدس
في سبت النور يوم النور والرجاء لدى المسيحيين تحوّلت القدس إلى مشهد مرعب من القمع والإهانة تحت أعين العالم كله , فقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بمنع آلاف الفلسطينيين المسيحيين من القدس والضفة الغربية وغزة من الوصول إلى كنيسة القيامة كما مُنعت وفود الحجاج المسيحيين القادمين من أنحاء العالم من دخول المدينة القديمة والمشاركة في الطقوس الدينية.
عناصر الجيش الإسرائيلي لم تكتفِ بالمنع بل مارست عنفاً وحشياً يندى له جبين الإنسانية:
• اعتداءات جسدية مباشرة على النساء والفتيات عند الحواجز المؤدية إلى الكنيسة.
• ضرب وسحل شبان فلسطينيين حاولوا الوصول للصلاة.
•إشهار السلاح ووضعه على رؤوس المصلين بتهديد مباشر وكأنهم مجرمون لا مؤمنون جاؤوا للعبادة وكل هذا تم توثيقه بعدسات الصحفين .
• الاعتداء على الأطفال والكشافة المسيحية ومنعهم من ممارسة طقوسهم التراثية التي تحمل السلام والمحبة.
• شتم وإهانة رجال الدين والمصلين داخل وحول الكنيسة دون أدنى احترام لقدسية المكان أو المناسبة.
لقد بدت باحات كنيسة القيامة كساحة معركة لا مكان صلاة ، الشموع التي وُجدت لرمز النور حوصرت والإيمان جُرح والكرامة والقداسة داستها الأحذية العسكرية.
هذه الجريمة ليست فقط انتهاكاً لحرية العبادة بل صفعة مدوّية على وجه كل من يتحدث عن الحضارة وحقوق الإنسان.
اضطهاد المسيحيين في مهد المسيح
يتعرض المسيحيون الفلسطينيون الذين يشكلون أحد أعرق مكونات النسيج الوطني الفلسطيني لحملة تهميش ممنهجة تهدف إلى اقتلاعهم من أرضهم ، تُستهدف كنائسهم وتُضيق حركتهم ويُعتدى على رجال الدين ويُمنعون من الوصول إلى كنيسة القيامة في أقدس مناسباتهم.
تراجعت أعدادهم لا لأنهم غادروا طوعاً بل لأن الاحتلال خنقهم ، فهل باتت بيت لحم مهد السيد المسيح رهينة للجدران والاستيطان؟
أين صوت الفاتيكان من هذه الجرائم؟ ألم يحن الوقت ليتحول القلق إلى موقف والموقف إلى فعل؟
المسلمون ليسوا بأفضل حال
في مشهدٍ موازٍ يتعرض المسلمون في القدس والخليل وغزة لاضطهاد ديني يومي ، المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين يُقتحم يومياً من قبل المستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال في انتهاك سافر لكل المواثيق والاتفاقيات.
المرابطات يُسحلن، المصلون يُضربون، الأطفال يُرهبون، والتهديد قائم بتقسيمه وهدمه.
وفي غزة المساجد تُقصف المآذن تُسحق والمصاحف تُدفن تحت الركام في مشهد لا يختلف عن محاكم التفتيش أو الحروب النازية.
العدوان ليس فقط على الأرض بل على الروح على الإيمان على الوجود.
رسالة إلى الفاتيكان والعالم
ندعو قداسة البابا وجميع رؤساء الكنائس في العالم أن يكسروا صمتهم الطويل وأن يتحولوا من المتابعة الصامتة إلى الوقوف مع الحق.
إن من يريد حماية المسيحيين في المشرق فليبدأ من فلسطين ، ومن يريد الدفاع عن حرية العبادة يذهب إلى فلسطين و يقف ضد الجلاد الاسرائيلي لا أن يساوي بينه وبين الضحية.
وندعو كل الكنائس في العالم كما كل المساجد أن توحد صوتها لأجل فلسطين فهنا لا يُضطهد فقط الإنسان بل تُضطهد القيم وتُهدم بيوت الله وتُستباح الأرض المقدسة.
القدس ليست اختبار نوايا.. بل اختبار ضمير
في القدس يُضطهد المسيحي لأنّه مسيحي ويُضطهد المسلم لأنّه مسلم فهل بات هذا الأمر اعتيادياً؟
هل يقبل الغرب أن يُضرب القساوسة وتُهان النساء وتُشهر البنادق في وجوه المؤمنين؟
هل يقبل العالم أن يُمنع الحجاج المسيحيون من كل انحاء العالم من الصلاة في كنيسة القيامة؟
إننا لا نحتاج بيانات استنكار بل نحتاج مواقف تُقاوم هذا الإجرام الديني المدعوم بالسلاح والعنصرية.
نطالب بتحرك عاجل من:
• الفاتيكان ورؤساء الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية.
• الأمم المتحدة، ومنظماتها المعنية بحرية العبادة وحقوق الإنسان.
• جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
• كل إنسان حر يؤمن أن الإيمان لا يُقمع وأن دور العبادة لا تُدنّس.
رغم أن الاحتلال حاصر كنيسة القيامة بجنوده وأغلق أبوابها بقراراته وقمع المحتفلين بسلاحه لم يُطفأ نور القيامة.
ورغم اقتصار الاحتفالات هذا العام على الصلاة الصامتة داخل الكنائس فاض النور من قلب الظلام وارتفعت الأجراس في وجه القمع كما تعالت صيحات الأذان فوق الرماد لتعلن أن الإيمان لا يُقهر وأن هذه الأرض المقدسة لن تنكسر و أن نور الحرية قادم .
لقد اتخذ المسيحيون الفلسطينيون موقفاً وطنياً مشرفاً كعادتهم فامتنعوا عن إحياء مظاهر الفرح والاحتفال احتراماً لدماء الشهداء في غزة والضفة فكان صمتهم أبلغ من الخطب وصلاتهم أقوى من كل الشعارات.
هنا في القدس تتوحد الأجراس والأذان وتختلط دموع المسلمين والمسيحيين على أعتاب كنائسهم ومساجدهم في مواجهة احتلال واحد وعدو واحد.
المؤمنون بصلاتهم اعلنوا أن القدس لن تُفرَّغ ولن تُسلَّم وأن شعبها بمسلميه ومسيحييه سيبقى صامداً ما دامت هذه الأجراس تقرع والمآذن تصدح والقلوب مؤمنة بالحرية والحق.
كل التضامن مع إخوتنا المسيحيين كل الغضب على الاحتلال وكل العار على الصامتين من قادة العالم .