على غير العادة، ألقى بيبي نتنياهو كلمة للشعب الإسرائيلي خلال خروج السبت، وهو ما يوحي بأمر خطير للغاية، فما الذي قاله؟

نفى أيّ احتمال لعقد صفقة تبادل أسرى، وأعلن أنّه سيواصل الحرب بقوّة أكبر حتى القضاء على حماس وتحقيق النصر الكامل، كي لا يتكرّر ما حدث في السابع من أكتوبر 2023. وادّعى أنّ حماس لا تريد صفقة، وأنّها هي التي تضع العراقيل باشتراط انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزّة، وهذا لن يحدث، "لأنّنا إذا انسحبنا، فلماذا دخلنا أصلًا؟".

بهذا يردّ على التسجيلات التي تطلقها المقاومة بين حين وآخر بهدف تحريك الشارع الإسرائيلي للضغط على حكومة الاحتلال، وعلى ترامب، لعقد صفقة تنهي الحرب. وهو أيضًا ردّ على أهالي الرهائن والأسرى الذين يطالبون بصفقة، بادّعاء أنّ زيادة الضغط العسكري ستجبر حماس على قبول شروطه، وهي إطلاق سراح "المخطوفين"، وتسليم سلاحها، والاستسلام غير المشروط.

"نزع السلاح" ذريعة لمواصلة الحرب على عدّة جبهات. في لبنان، يطالب بنزع سلاح حزب الله الثقيل، ويطالب الدولة اللبنانية أن تفعل هذا، أي أنّه يريد رؤية حرب أهلية لبنانية، وإلّا فهو سيبقى في مواقع يعتبرها استراتيجية في الجنوب. كذلك يطالب بنزع السلاح من جنوب سورية لتبرير العدوان والتوسّع.

من جهة أخرى، فإنّ إسرائيل تطالب مصر بسحب عتاد حربي من سيناء انتهت الحاجة له، وذلك بعد أن أنهى الجيش المصري مهمّته في محاربة "الإرهابيين" في سيناء، وبعد قيام النظام المصري بتشديد حصاره على قطاع غزّة، وتعميق الجدار الفاصل وتوسيعه لمنع التهريب من قطاع غزّة وإليه. وبما أنّ مصر رافضة للتهجير، فلا حاجة لبقاء قوات أكثر من تلك المتفق عليها في كامب ديفيد، وقد تغضّ الطرف عنها إذا توجّهت مصر للمشاركة مع أميركا في محاربة الحوثيين، بذريعة إعادة حرية الملاحة إلى البحر الأحمر.

الاحتلال بقيادة نتنياهو يريد شرق أوسط جديدًا خاليًا من السلاح، إلّا السلاح المتعاون مع الاحتلال، ومع المشروع الأكبر المعلن، وهو التهجير.

التهجير يحتاج إلى فوضى أكثر في المنطقة. مصر تقترح نزع سلاح المقاومة، أي ببساطة تقترح إبادتهم، أو انسحابهم رافعين الرايات البيضاء برعاية مصرية وعربية وأميركية، كي يكونوا عبرةً ودرسًا لمن يفكّر بالمقاومة.

مصر الرسمية تعلن أنّها ترفض التهجير، رغم تأييدها ودعمها للقضاء على المقاومة، فهذا ما يقصده مسؤولوها عندما يتحدّثون في كلّ تصريح ولقاء مع أيّ مسؤول أجنبي أو عربي عن "محاربة الإرهاب". القيادة المصريّة تستطيع أن تحتال على موقفها المتواطئ مع حرب الإبادة بالمقولة الممجوجة بأنّ "مصر لن تحارب حروب الآخرين"، وأنّ "مصر لن تشرب مشاريب حماس"، ولكنّها في الوقت ذاته لا تستطيع قبول التهجير.

كذلك فإنّ الأردن يستطيع أن يقمع أيّ تحرّك شعبي داعم للمقاومة بشتى الحجج، ويستطيع المشاركة في التصدّي لهجمات الحوثيين، ولكنّه لا يستطيع قبول تهجير الفلسطينيين إلى أراضيه، لأنّ هذا يشكّل خطرًا على المملكة.

التهجير القسري يحتاج إلى جرائم حرب ومجازر أكبر من هذه التي تجري حتى الآن، وهذا يحتاج إلى فوضى أكبر من السائدة حتى الآن، وهذا ما يسعى نتنياهو لتحقيقه من خلال مواصلة المجازر المرعبة في القطاع، وإطلاق يد المستوطنين في الضفة الغربية، وتهميش دور سلطة رام الله إلى الصفر، ومواصلة العدوان على لبنان وسورية وتهديد إيران.

في كلمته، هدّد نتنياهو إيران بأنّه لن يسمح لها بالاستمرار في برنامجها النووي.

إسرائيل لا تستطيع أن تهاجم المواقع النووية الإيرانية من غير تنسيق وشراكة أميركية، وهو يأمل بتهديده هذا أن يدفع إدارة ترامب إلى عدم توقيع اتفاق مع إيران، لأنّ إيران سترفض وقف مشروعها النووي إلاّ جزئيًّا، وهي تفاوض على تخفيضه مقابل رفع العقوبات، وليس على وقفه.

نتنياهو يحرّض ترامب على توجيه ضربة عسكرية قوية لإيران، ونزع قدراتها الصاروخية التقليدية، وليس مشروعها النووي فقط، ويُلوّح بأنّه قد يغامر ويشعل الحرب، ومن ثمّ توريط أميركا والمنطقة في حرب غير مأمونة العواقب، ولا أحد يستطيع التنبؤ بنهايتها، ولا حتى بنتائجها العسكرية والاقتصادية.

استراتيجية نتنياهو واضحة: حرب إبادة حتى التهجير، وتوسيع دائرة الحرب قدر الممكن، لتحقيق النبوءات التوراتية في "إسرائيل الكبرى" وبناء الهيكل. فقد بات يرى في نفسه الزعيم التاريخي لتحقيق هذا الحلم الصهيوني القديم، في ظل وجود هذا العدد الهائل من الحكّام الصغار والمتواطئين معه.