رام الله - صدى نيوز- أمسكت الأم “ورود الجمل” (35 عاما) حذاءً جديدا، اشترته لولدها الشهيد “هيثم”، كي يقضي به عيد الفطر القادم، ثم أجهشت في البكاء.
فنجلها البكر البالغ من العمر، 15 عاما، لن يتمكن من لبسه خلال عيد الفطر الذي يحلّ بعد أسبوع، بعد أن قتله جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، خلال مشاركته في مسيرات العودة، شرقي قطاع غزة.
وقالت الأمّ الثكلى، إنها أصرت أن تشترى لابنها وشقيقيه محمد (14 عاما) ورهف (6 أعوام) ملابس العيد، لهذا العام، رغم رفضه لذلك.
وأضافت أن ابنها، الذي كان يصر على المشاركة في مسيرات العودة، كان يخشى أن يقتله الجيش الإسرائيلي، كما قتل العشرات غيره، وهو ما دفعه إلى أن يوصيها بإهداء الحذاء الجديد لأحد أصدقائه في حال استشهاده.
وحملت الأم أيضا، بين يديها، بكرة قدم بالية، كان دائمًا ما يلعب بها أمام منزل عائلته في زقاق حارتهم الضيقة، في حي البرازيل القريب من الحدود مع مصر، بمدينة رفح، جنوب قطاع غزة، وبأحذية كان يلهو ويمارس من خلالها رياضة (سكيت)، وقالت إنّ نجلها كان يحب الرياضة ويهوى كرة القدم ورياضات أخرى، واستشهد وهو يرتدي قميص نادي برشلونة الإسباني، لكرة القدم.
والطفل “هيثم” استشهد بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي الجمعة، خلال مشاركته في مسيرات العودة، شرق السياج الحدودي شرقي رفح، فيما استُشهد ثلاثةٌ آخرين وأصيب نحو “618 فلسطينيًا”، بينهم ثمانية بجراح حرجة، ليرتفع عدد الشهداء منذ انطلاق مسيرات العودة، إلى “127 شهيدًا” و”14700مصاب”.
يوم الجمعة، داعب “هيثم” شقيقته الوحيدة “رهف” (6 أعوام)، لبعض الوقت أمام منزله، وترك لها طبقا مليء بمادة الطين الصناعي التي شكلها بيده لها.
ومنذ الأمس تنتظر الطفلة، عودة شقيقها ليُكمل معها اللعب مُجددًا؛ لكنها لم تُدرك بعد نظرا لصغرها أن شقيقها الأكبر، ذهب في رحلة، بلا عودة.
وقبيل خروجه من المنزل، طلب هيثم من أمه، كما تروي للأناضول، ألا تحزن إذا لم يعد إلى المنزل، نظرا للقوة المميتة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي ضد المتظاهرين السلميين، لكنها ردت عليه قائلة: “إن شاء الله ستعود يمّا (أمي)”.
وتضيف: “قلبي لم يكُن يشعر بالراحة وهو غائب عني، فما أن صليت العصر حتى توجهت للحدود لأبحث عنه، وأعود به للمنزل”.
وتتابع: “ما إن وصلت هناك أخبروني أنه أصيب بعيار ناري في البطن، فهرعت للمستشفى الأوروبي في خان يونس، فوجدته في غرفة العناية المُكثفة، وألقيت نظرة عليها من خارج زجاج الغرفة، لتتوقف نبضات قلبه، ويرتقي شهيدًا”.
وتشير الأم إلى أن نجلها الشهيد “هيثم” كان يذهب أسبوعيًا للمشاركة في مسيرات العودة كأي فلسطيني يطالب بحقه في أرضه.
وتشير إلى أنه لم يكن يستبعد أن يُقتل برصاص الجيش الإسرائيلي، كغيره من الأطفال والشباب، وهو ما دفعه إلى الطلب من جده أن يحجز له قبرًا فارغًا بجوار خاله الشهيد أشرف الجمل، والذي استُشهد في فبراير عام 2004، موضحة أن العائلة نفذت وصيته.
وتوضح الأم الجمل، أن نجلها كان متفوقا بدراسته ويتصف بالذكاء، وأحبه الأطفال الذي كانوا يلعبون معه كرة القدم، أو عبر رياضة “سكيت” من الجيران.
وأنهى هيثم الصف الثالث الإعدادي، وكان يستعد للالتحاق بمدرسة الشهداء الثانوية برفح.
وتساءلت الأم وهي تبكي بحُرقة ويُسمك بها والدها لتهدئة روعها: “ما هو ذنب هيثم أن يُقتل بدمٍ بارد، ما الجُرم الذي اقترفه؟”.
وأكملت: “أنا كأي أم، فرحت كثيرًا أن أبني كَبُر وسأفرح به، لكن الاحتلال خطفه مني ولن يعود”.
ورغم مقتل ولدها خلال مسيرات العودة، إلا أن الأم الجمل، تؤكد أنها وأسرتها، سيواصلون المشاركة فيها.
أما عدنان أبو لبدة (65عامًا) جدّ الطفل “هيثم” (والد أمه)، فيقول إنّ حفيده كان يزوره يوميًا في منزله، ويسهر عنده، ويشارك معه كذلك في مسيرات العودة.
ويضيف: “كنت أنصحه دائما بالبقاء بمكان آمن، وبعدم الاقتراب من الحدود خشية على حياته، لأن الاحتلال لا يفرق بين صغير وكبيرة ولا رجل ولا امرأة أو مُسعف أو صحفي”.
ويختم الجدّ حديثه قائلا: “نحن نعي أن الاحتلال سارق أرضنا لا يفرق بين طفل وكبير، هو تربى ويتغذى على قتلنا وقتل أطفالنا، لكن مهما كلفنا الثمن، مستمرون في المطالبة بحق العودة”.
(الأناضول)